نبض القلم
عندما يحتفل شعبنا اليمني في هذه الأيام بالعيد الرابع والأربعين للجلاء أو الاستقلال، فإن ذلك يعني أكثر من احتفال بالذكرى، وأكثر من البهجة التي تملأ نفوس المواطنين بهذا العيد، فإن جلاء الاستعمار البريطاني عن أرض الوطن إنما هو محصلة نضالات طويلة ومريرة خاضها شعبنا اليمني ضد المستعمر، من أجل أن ننعم بالحرية. إن معاناة الجماهير اليمنية في ظل الاحتلال البريطاني لبلادنا، كانت حافزاً للمناضلين لتحرير البلاد من المحتلين، ونيل الاستقلال الناجز في الثلاثين من نوفمبر عام 1967م، لينعم شعبنا بالحرية. والحرية روح هذه الحياة وزينتها، والنعمة الكبرى التي أكرم الله بها الإنسان دون غيره من المخلوقات. ولقد خلق الله آدم، وميزه بحرية الإرادة والتفكير، فكانت هذه الحرية هي الأساس الأول للتعمير في هذا الكون، وهي أساس كل ما قام ويقوم به الإنسان من حضارات. ولقد عني الإسلام عناية كبيرة بحرية الإنسان، قدر عنايته بتكريمه، فأقام تكاليفه وتعاليمه وتوجيهاته على أساس أن الإنسان حر الإرادة والتفكير والاختيار، حتى نجده يرفع المؤاخذة والحساب عن كل إنسان سلب حريته. لأن الإنسان الذي يسلب حريته يكون في نظر الإسلام قد سلب أيضاً مسؤوليته وإنسانية. لقد كان المنبت الأول للحرية في نظر الإسلام هي عقيدة التوحيد. ــ فالمؤمن الموحد يعيش حر النفس، مهما تعترضه النكبات والأهوال. ــ وجعل الإسلام حرية التفكير أساس اعتناق العقيدة. ــ دعا الإسلام العقول إلى تدبر ما حولها من بدائع ما خلق الله لتصل إلى حرية الاقتناع بوحدانية خالقها. ــ وضع الإسلام أساس حرية الإنسان فيما يعتقد، وهذا يتمشى مع تكريم الله للإنسان، إذ ليس من تكريمه أن يجبر على أن يقوم بما لا يعتقد بصوابه، سواء بالقول أو بالفعل. ولا يجبر على فعل ما لا يقتنع به. ومن أجل الحرية شرع الله القتال، واعتبر الذين يموتون في سبيلها شهداء، واعتبر الذين يتهاونون في حرية أوطانهم أشخاصاً ظالمي نفوسهم ويستحقون العذاب الأليم وسوء المصير. قال تعالى : (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا: فيم كنتم؟ قالوا : كنا مستضعفين في الأرض قالوا: ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها، فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً ) “ النساء، 97”. وأهاب الإسلام بالمسلمين أن يناصروا الضعفاء المغلوبين على أمرهم، ممن فقدوا حريتهم سواء بالاحتلال الأجنبي لبلدانهم أو غيره، بل أمرهم بالقتال من اجل مساندة المستضعفين. قال تعالى: (ومالكم لاتقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان، الذين يقولون: ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها، واجعل لنا من لدنك وليا، واجعل لنا من لدنك نصيراً ) “النساء، 75”. والحرية في الإسلام متعددة الأنواع :منها الحرية الشخصية التي تتصل بحياة الفرد وحريته الخاصة، ومعاملاته وزواجه.. إلخ. ومنها الحرية الاجتماعية ومزاولته لكافة حقوقه في الاجتماع وإبداء الرأي، ونحو ذلك دون إكراه أو إرغام. ومنها الحرية الدينية، وحسبنا أن نعرف: قوله تعالى: ( لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي ) “ البقرة، 256”. وقوله تعالى: ( أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) “ يونس، 99”. وقوله تعالى: ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) “ الكهف، 29”. وقوله تعالى: ( وما أنت عليهم بجبار ) “ ق، 45”. وقوله تعالى: ( لست عليهم بمصيطر ) “ الغاشية، 22”. وقوله تعالى: ( إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا ) “ الفرقان، 57”. [c1]* خطيب جامع الهاشمي بالشيخ عثمان[/c]