المرأة العاملة و الضغوطات النفسية
تحقيق / أماني العسيري كثيرا ما نالت قضية المرأة اهتمام المفكرين والباحثين والمشرعين واختلفت فيها آراؤهم ودارت حولها مناقشات احتدم فيها الصراع حول مدى أهمية خروج المرأة من منزلها للدخول في عالم الأعمال والمهن حتى أنها أصبحت تنافس الرجل في كثير من المهن الصعبة ، ليس لمجرد المنافسة ولكن بحسب حصولها علىالعمل والرضا به برغم صعوبته وعدم ملاءمته لها ، وهناك جدل حول إجازة خروجها للعمل ومخالطتها الرجال وما إلى ذلك من وجهات نظر لدى بعض المشرعين .كل هذا كان يدور حول صحة خروجها من خطئه ، ورغم ذلك نرى الحال والواقع الصعب قد ضم الكثير من النساء اللاتي اضطررن خروج إلى العمل للمساعدة في سد احتياجات أسرهن ، وضمان عيشهن باستقرار ولو جزئيا .ولكن هل يهتم الكثيرون بما يمكن أن يقع على المرأة من ضغوطات مختلفة قد تؤثر على صحتها النفسية بمرور الوقت..؟ ولأجل اجرينا هذا التحقيق مع عدد م من النساء للتعرف على أرائهن حول ذلك في نص التحقيق التالي :بداية أجمعت العديد من النساء على أن المرأة تتحمل أحيانا سلبيات ترتبط بالعمل ومنها في المقام الأول مناسبة العمل لشخصيتها وقدرتها في مواجهة الظروف المحيطة بالعمل ونوعيته ، وأيضاً إذا أضفنا روتينية العمل و صعوبته أحيانا تساهم بشكل سلبي في تدهور صحة المرأة النفسية .كما أنه لا يجب التغاضي عن المسؤوليات الأخرى المرتبطة بها خصوصا إذا كانت متزوجة ولديها أطفال ، فهي الزوجة والام والمربية والعاملة داخل المنزل ، كما أن اتساع مجالها الاجتماعي خارج المنزل وتداخله ، يساعد في بروز الاضطرابات النفسية مضافة إلى الاحتياجات والخيارات الصعبة بين مطالب البيت ، وارتباطات العمل .وبالرغم من ذلك الا ان العمل يشعر المرأة بالرضا والسرور والنجاح وفي ذلك مكافأة مهمة وتدعيم لقيمتها وثقتها بنفسها.وهو ما تؤكده شيرين رفيق محمد بائعة في إحد المحلات عن العمل فتقول : العمل يجعل الإنسان يشعر وانه حي ويستطيع أن يعطي لنفسه شيئا وللآخرين من أهل بيته وما بالك بالنسبة للمرأة فهو يمثل الحياة لها .وفي التعامل مع المشاكل وضغوطاتها تقول شيرين : في إي عمل لابد أن تصادفنا مشاكل وهذا ضروري ، أحيانا أفضل التزام الصمت وأحيانا أخرى أحاول فتح المجال للنقاش والحوار ومحاولة الإقناع بوجهة نظري وفي الأخير ومهما اختلفنا لابد من الصبر والاحترام المتبادل بيننا ، وأؤكد ان ممارسة العمل وخوض التجربة جعلاني أكثر تحملا وعقلانية .وقالت : من ناحيتي لا تسبب لي ضغوط البيت مشكلة فبمجرد خروجي من البيت أحاول تناسي كل شيء ، أما ضغط العمل فلن أقول أنني يمكن تحمله ولكن أي شيء أريد التكلم عنه أجد أن إراحة النفس وتفريغ ما بها من هم يكون في البيت أحيانا لان الذين في محيط العمل قد لا يفهمونك .وعما إذا كان الزواج يشكل ضغطا نفسيا يمكن أن تصاب به الفتاة بالذات في ظل رؤيتها للأخريات المحيطات بها يتزوجن ترد شيرين على ذلك وتقول : هذا شيء من عند الله ولا أفكر فيه لأنه قسمة ونصيب ، والواحدة منا أصبحت تتخوف من الارتباط بالشاب غير المناسب ولا يهمني أمر من تزوجن من حولي .. و بهذا ترى أن الزواج لا يشكل ضغطا من الضغوطات النفسية لها . [c1]حل المشاكل بالصبر و الإيمان بالله[/c]عبير سليمان عبده بائعة أيضا في إحد المحلات هي الأخرى تعتبر العمل بالنسبة للمرأة حياة وتقول : العمل هو الشيء الوحيد الذي تثبت المرأة فيه قدرتها على العطاء ، وتحقق به الآمال التي كانت ترجوها ، وأنا ارتاح أني أساعد في شيء وفي هذا العمل تستطيع أن توفر لأسرتها ما كانوا يحتاجونه وإدخال السرور والفرحة لديهم وذلك بتوفير احتياجاتهم .وتتحدث عن بعض الضغوط التي تعاني منها المرأة فتقول : بالطبع المشاكل التي نجدها في محيط العمل الذي نعيشه تسبب نوعا من الملل والضيق ليس كل الوقت ولكن أحيانا الشعور بضغط العمل وظروفه يضطرنا إلى التنفيس عنه أحيانا بتصرفات خارجة عن إرادتنا ولذلك نحاول قدر المستطاع أن نتطرد المشاكل والظروف بالإيمان بالله والتمسك بالصبر فالحياة كلها صبر . وتتابع حديثها : و جميع ما نتعرض له منذ خروجنا إلى العمل حتى العودة إلى البيت يؤثر علينا ويجعلنا نخرجه عبر الغضب ويزيد في ذلك ما نتعرض له في الشارع .في ما يخص التفكير في الزواج تقول عبير : الخوض في مسألة الزواج لا يشغل بالي حاليا واعتبره قسمة ونصيبا من الله ولا اعتبر العمل عائقا في وجه الزواج . الصبر والتحمل ( أم احمد ) بائعة في محل بيع للعدسات اللاصقة تتحدث عن عملها قائلة : إنا احتاج للعمل لأني أريد أن أساعد زوجي في مصاريف البيت فنحن نعيش في بيت مكون من غرفة ومطبخ وحمام أنا وزوجي والأولاد وتخيلي كيف هي حالنا ، لهذا اعتبر العمل من أهم احتياجاتي من اجل ان أوفر ولو جزءا بسيطا من احتياجات البيت .اقضي وقتي كله في الشغل من الصباح حتى الليل لان عملي خاص على فترتين ،و اشعر أحيانا بالضيق والملل و يزيد في ذلك هم أولادي في البيت ، لكنني مضطرة ان أتحمل .وتتابع حديثها عن المشاكل التي صادفتها قائلة : حدثت لي مشاكل كثيرة فانا من طبعي أحب ان أساعد الناس وأقف الى جانبهم وأتعامل معهم بصراحة لكن صراحتي هذه أدخلتني في كثير من المشاكل مع أصحاب العمل والآخرين .واسترسلت في حديثها : أحاول أن أتحمل كل حاجة من اجل العمل ، و نفسيتي مرتاحة من ناحية توفير الحاجات الأساسية داخل البيت والحمد لله وفرتها ومع ذلك لا أنكر أنني أصل في بعض الأحيان إلى نقطة الانفجار نظرا لصعوبة الحياة ، وأكاد انفجر داخل المنزل عند أتفه مشكلة ولكن أحاول اضغط على نفسي وعلى أعصابي حتى لايراني أولادي وزوجي بهذه الصورة القاتمة .[c1]غير مناسب ولكن ..![/c]دخلت هذا العمل وأنا مدركة انه لا يناسبني هكذا قالت وفاء عبدالله التي تعمل في إحدى شركات الأمن وتقول : ماذا افعل؟ هذا هو العمل الذي وجدته وبراتب جيد جدا يغطي بعض نفقات البيت و يجعلني اشعر بالرضا من إني أساعد في البيت.وأوضحت تحديها في مواجهة المشاكل التي واجهتها في عملها قائلة : مع أني كنت أواجه الكثير من المواقف التي كادت ان تعصف بي ولكني كنت اخفى مشاعر الذل التي ألاقيها في بعض الأحيان وهو ما كان يجعلني اسقط مشاعر الغضب تلك على من حولي في المنزل ، لكن مع مرور الوقت أصبحت أكثر مرونة مع حيثيات العمل ومع البيئة المحيطة بعملي خاصة في اتخاذ القرارات في ما يتعلق بمهامي .وهذا يجعلني اشعر أحيانا بالضيق والغضب وأريد إن أنفس عما بداخلي وهذا ينعكس سلبيا في بعض الأحيان على حياتي داخل المنزل لذا تجدني لا استطيع التحمل فاصرخ وأتعصب ، افرغ شحنة الغضب لان تحمل الإنسان محدود ومقدرتي على تحمل المشكلات داخل العمل والمنزل محدودة . وبهذا يتبين أن العديد من النساء أصبحن يتحملن رغما عنهن مشقات العمل وظروفه مهما كانت من اجل الاعتماد على أنفسهن في المشاركة في نفقات البيت واحتياجاته .[c1]إستراتيجية مواجهة الضغوط النفسية [/c]ولابد من معرفة ما يمكن أن تسببه الضغوط النفسية المكبوتة على المرأة الدكتور الجزائري ضياف زين الدين في نوفمبر 2010 وضع مداخله و بين أهم الاستراتيجيات المتعلقة بمواجهة الضغوطات النفسية التي تصيب المرأة العاملة ولخصها في التالي:ـ الرياضة : فالوقوف بعد كل نصف ساعة من العمل الفكري والذي تنهض فيه وتسير في الحجرة مع شد الجسم على الكرسي والانحناء على الظهر والتنفس بعمق يضمن الزيادة في إمكانية العمل الفكري .- الاسترخاء : وفيه تحاول المرأة قدر المستطاع إرخاء عضلاتها والجلوس في وضعية مريحة للتخلص من التوتر العضلي ، مع مراقبة النفس أربع أو خمس مرات في اليوم .التأمل : هو التركيز على شيء واحد والإمعان فيه بالتفكير بهدوء كاستحضار منظر جميل والتركيز عليه بدرجة كبيرة متناسية بذلك كل المؤثرات والضوضاء المحيطة ، وهو ما يؤدي إلى خفض العمل اللاإرادي إلى أدنى حد ممكن ، ويساعد في تراجع كهرباء الدماغ من ألفا إلى بيتا حتى تصل إلى جاما أو دلتا ما يؤدي إلى انخفاض التوتر والقلق ، ويجعل المرأة نشيطة وذات طاقة عالية . الدعم الاجتماعي : وهو ما ينتج عن إقامة العلاقات الطيبة مع المتواجدين داخل منظومة العمل بحيث تجد المرأة في المساندة والدعم منهم عند الحاجة اكبر وأقوى عامل مساعد في تحمل الضغوطات والتغلب عليها في داخل العمل وخارجه مستشهدا بأقوى دليل على ذلك وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) وفي حديث آخر قال : ( المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد يبعضه بعضا ) . العلاج النفسي و الإرشاد النفسي : وتكون هذه الحالة عندما تصل المرأة إلى مرحلة فقدان السيطرة على نفسها في ظل مواجهة الصعوبات والمشاكل اليومية ، وفيها يقوم المرشد النفسي بالتعامل مع الحالة حيث يمد يد المساعدة للتمكن من التخلص من الضغط النفسي أو التكيف معه ، وربما تحويله إلى حافز لتطوير القدرة الأدائية والجسمية والنفسية للمرأة المضغوطة . وإذا تحدثنا عن الوقاية من سوء التكيف والاضطرابات النفسية الأخرى لابد من الإشارة إلى ضرورة تقديم الدعم الكافي والمناسب ( المعنوي والعملي ) للمرأة العاملة ومساعدتها على التخفيف من الأعباء الكثيرة التي تتحملها وتوفير الظروف المناسبة وأيضاً المساهمة في حل المشكلات العملية التي تواجهها .