رغم العداوة الشديدة التي خلفتها الحرب الأهلية في أمريكا فإن ابراهام لنكولن لم يكن يذكر أعداءه إلا بالخير .. حتى ضج من ذلك أحد أعوانه فسأله محتجاً:لماذا تلتمس صداقة أعدائك بدلاً من أن تبيدهم؟فأجاب لنكولن برفق:- ألا ترى أني أبيد عداوتهم بجعلهم أصدقائي! هناك أيضاً كان مشهداً رائعاً لا أنساه في فيلم يحكي قصة كفاح غاندي من أجل تحرير الهند من الاستعمار البريطاني .. حيث بدا المشهد بزحف شعبي هائل نحو هدف محدد ويتصدى للزحف جنود الاحتلال الانجليز بضرب رؤوس المتقدمين بالهروات الغليظة وبإطلاق الرصاص فكان يسقط منهم من يسقط على الأرض دون أن يتوقف الزحف .. زحف صامت يواصل مسيره دون مقاومة أو رد فعل للضربات التي كان يتلقاها والتي كان يسقط على أثرها العشرات والمئات .. ومع ذلك الزحف الصامت لا يتوقف .. كان المشهد أخاذاً سلب لب أحد جنرالات الجيش الإنجليزي الواقف فوق ربوة عالية يطل منها على الزحف الرائع فيصيح:- لقد انتصر غاندي على الإمبراطورية البريطانية!إنها صورة من صور الكفاح السلمي الذي حرر به غاندي الهند .. ثم وجه جهده بعد الاستقلال إلى التوفيق بين طائفة الهندوس والمسلمين لمنع تمزيق الهند بكيان جديد يقام على أرضها أطلق عليه فيما بعد “باكستان” .. فكانت نهاية حياته على يد هندوسي متطرف .. مات غاندي وبقيت أعماله خالدة أشبه بأعمال الأنبياء .. ومن أقواله الحكيمة تلك التي يقول فيها “إذا قوبل العنف بالعنف فمتى ينتهي العنف”!كأن غاندي في مقولته تلك إنما كان يقتدي بما قال هابيل لأخيه قابيل في سورة المائدة “لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين، إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين”.كما أن موقف هابيل هذا من أخيه يأتي مقارباً لقول المسيح عليه السلام “إذا صفعك أحد على خدك الأيسر فأدر له خدك الأيمن” .. هذا لا يعني الضعف والذلة .. بل هو الحرص على بقاء الحب .. حب الإنسان لأخيه الإنسان .. وليس الحب أن تحب المحبوب الذي يحبك فقط .. بل الذي قد لا يحبك .. وليست المحبة أن لا تؤذي أخاك الإنسان فقط .. بل أن تعمل له الخير ما استطعت إلى ذلك سبيلا!وهناك قول آخر للسيد المسيح عليه السلام وموقفه من المرأة التي كان يطاردها الناس ليقيموا عليها حد الزنا .. حين قال لهم “من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر” .. كأنه يقول لهم حاسبوا أنفسكم أولاً قبل أن تحاسبوا الآخرين!أما سيدنا محمد نبي الرحمة رسول الله عليه الصلاة والسلام فقد كان حازماً جازماً قاطعاً في حديثه حين قال “لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولن تؤمنوا حتى تحابوا” .. ودعوني أختتم مقالي هذا بما ختم به عبدالمجيد لقمان مقاله في مجلة “العروبة” الصادر في عدن عام 1960م وهو كما يلي:يجب أن نفهم أن الشعوب التي نالت استقلالها أخيراً إذا لم تكن أكثر فناً وصناعة وتخصصاً في نواحي شتى من علوم الحياة الضرورية، فإنها على الأقل نالته بأخلاق مبنية على الاتحاد والتفاهم والإيثار وتقدير بعضهم لبعض .. لأن أخلاقاً كهذه قيمتها توازي أضعاف أضعاف الشهادات الجامعية. وتأثير أخلاق كتلك في بناء الأوطان لأشد مفعولاً من وريقات لم يتعلم حاملوها كيف يحبون بعضهم بعضاً.[c1]E- mail: [email protected] ٍٍٍ
يا شباب .. تعالوا نعلن الحب
أخبار متعلقة