غضون
* حزب حركة النهضة الإسلامي في تونس حصل على تسعين مقعداً في المجلس الوطني التأسيسي الذي سيتولى وضع دستور جديد وإعادة صياغة مؤسسات الدولة. الانتخابات شارك فيها (109) أحزاب إلى جانب حزب النهضة والمرشحين المستقلين وصوت فيها (90) بالمائة من إجمالي الناخبين المسجلين وعددهم (4) ملايين و (439) ألف ناخب لاختيار أعضاء المجلس المكون من (217) مقعداً، خصص منها (18) للتونسيين في بلدان المهجر، وبحصول حزب النهضة على (90) مقعداً أصبح مؤهلاً لتشكيل الحكومة، ولكن ليس منفرداً، فللحصول على الأغلبية سيضطر إلى طلب مشاركة أحزاب أخرى وخاصة الحزبين العلمانيين : حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي جاء في المرتبة الثانية (30 مقعداً) والتكتل الديمقراطي من أجل العمل وله (21 مقعداً)، أو أحزاب أخرى أقل تمثيلاً في المجلس.. وفي كل الأحوال سوف يكون حزب النهضة حزباً حاكماً في تونس لأول مرة، والأيام القادمة ستكشف ما إذا كان هذا الحزب الإسلامي سيقدم تجربة في الحكم مختلفة عن الإسلاميين الذين حكموا في السودان وغزة والصومال أو شاركوا في الحكم في بلدان أخرى مثل اليمن، وفشلوا فشلاً ذريعاً.* الإسلاميون في البلدان العربية ابتهجوا كثيراً بفوز حزب النهضة الإسلامي في تونس، وعدوا ذلك علامة على تصاعد شعبية الأحزاب الإسلامية في البلدان العربية، خاصة وأن حزب النهضة التونسي حقق هذه النتيجة المرتفعة في ظل ضعف نشاطه السياسي بسبب مضايقة قياداته ونشاطه من قبل النظام السابق، ومحدودية الفترة الزمنية لانطلاق نشاطه وهي تسعة أشهر منذ سقوط نظام الرئيس بن علي.إن أولئك الإسلاميين الذين ابتهجوا كثيراً بفوز حزب النهضة التونسي وعدوا ذلك الفوز دليلاً على تصاعد شعبية الأحزاب الإسلامية ليسوا كحزب النهضة، فهو حزب إخواني نعم، ولكنه نبت في بيئة علمانية، ويعتنق رجاله المؤثرون الديمقراطية والليبرالية، وزعامته معروفة في مجال التنظير الفلسفي العقلاني والتجديد الإسلامي، وهي ميزات لا تتوافر في الأحزاب الإسلامية الإخوانية أو غير الإخوانية، ولا نعتقد أنها تعتبر حزب النهضة التونسي قدوة لها، هذا إذا لم تنتقل إلى مهاجمته لاحقاً في حال طبق سياسته المعلنة والتزم بوعوده، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إن حصول حزب النهضة على (90) مقعداً من (217) مقعداً في المجلس التأسيسي لا يعد فوزاً كبيراً ولا يدل على شعبية كبيرة، فالمقاعد التي حصل عليها تمثل (40) في المائة من إجمالي المقاعد، و (60) في المائة من المقاعد شتت بين المنافس الآخر المشتت أساساً، فقد توزعت الأصوات بين أكثر من (11) ألف مرشح ينتمون إلى (109) أحزاب منقسمة على بعضها إضافة إلى المستقلين، ولو اتحدت ثلاثة أحزاب علمانية في كتلة انتخابية لبزت حزب النهضة.* وبعد هذا.. الموضوع يتعلق بتجربة إسلامية قادمة، حزب إسلامي في تونس سيصير صاحب التأثير الأول والدور الأول في الحكم في تونس خلال فترة انتقالية، وهو حزب إخواني لكنه أيضاً ليبرالي وتحديثي، من الناحية النظرية حتى الآن، فهل سيبقى كذلك وهو يخوض التجربة العملية؟ لننتظر دون استعجال.الأحزاب الإسلامية التي هللت وكبرت لفوز حزب النهضة من حقها أن تقوم بذلك، ومن حقنا أيضاً أن نقول لها إنها مزايدة، لأنها ليست مثل النهضة.. فهي رافعة الفقه البدوي ولم تتجاوز حالة البداوة الثقافية والسياسية، ولا تتفوق على “طالبان” سوى في المظاهر والقدرة على مجاراة الشعارات التحديثية نظرياً فحسب.