غضون
* عندما يشتغل رجال الدين في السياسة بوصفهم رجال دين ، من الطبيعي أن يحولوا دين الله الواحد إلى أكثر من دين ، أكثر من إسلام واحد كما هي الحالة عندنا، ومن الطبيعي أيضاً أن يبرز في هذه الحالة إسلام ضد إسلام ، لأن اختلاف وجهات نظرهم وتوظيفهم الدين توظيفاً سياسياً يعكس نفسه على الدين أو الإسلام الواحد ، فينتجون أكثر من إسلام ، فلا تدري أيها هو الإسلام ، وهذا التوظيف السياسي للدين يدفع رجال الدين المسيسين إلى الوقوع في مواقف متناقضة وتبقى بنظرهم مستمدة من الدين الخالص ، فالزنداني مثلاً كان يقول إن الشريعة الإسلامية تحرم الخروج على الإمام (الحاكم)، هذا عندما كانت مصالحه محققة من خلال الحاكم أو النظام ، أما عندما تتعرض هذه المصالح الخاصة للاهتزار فيستطيع الزنداني أن يغير الشريعة بدون حرج، ويقول اليوم إن الشريعة توجب - وليس فقط تجيز- الخروج على الحاكم. هو وأمثاله من مستخدمي الدين لخدمة السياسة كانوا لا يطيقون كلمة اختلاط حتى في الشارع العام نهاراً ويناضلون باسم الإسلام نضالاً قاسياً لإقامة حواجز خرسانية بين الذكور والإناث حتى في مساجد الله ، واليوم يفتون و باسم الإسلام بأن مبيت المعتصمات في الشوارع قريباً من المعتصمين جهاد في سبيل الله.* لو كان ذلك التناقض الذي يقيم إسلاماً ضد الإسلام أو يوجد أكثر من إسلام يحار المرء في معرفة أي منها هو الإسلام ، أقول لو كان ذلك يحدث بين السنة والشيعة مثلاً لما كان مدعاة للغرابة لأننا هنا أمام مذهبين أو دينين مختلفين ورجال الدين في الطرفين ينتجون أحكاماً ومواقف مختلفة في القضية الواحدة لأن المرجعيات مختلفة أصلاً، لكن الغريب أن يحدث ذلك داخل جماعة واحدة وهي السنية، وداخل الدائرة السلفية المكونة من رجال دين سلفيين ، بل يحدث من رجل دين واحد لمجرد أنه تخلى عن موقف سياسي وانتقل إلى موقف سياسي آخر. فالسنيون وكذلك السلفيون منهم اليوم منقسمون حول قضية “ الخروج” هذا يحرم وباسم الإسلام والآخر يجيز وإذا تطلب الأمر تصعيداً سياسياً يوجب وباسم الإسلام أيضاً ، وهذا له مثال طازج اليوم يتمثل في بيان جمعية علماء اليمن حول الأزمة والبيانات وردود الفعل الصادرة من علماء كانوا ضمن الجمعية ويقولون بما قالته في البيان ولكنهم غيروا “ الإسلام” لمجرد أنهم غيروا مواقفهم السياسية فصار لدينا أكثر من إسلام وأكثر من شريعة وتاه المسلم في هذه الزحمة .* يحدث هذا للدين عندما يوظفه رجال الدين في مجال السياسة، وفي السياسة تغير مستمر ولعب في ميدان المصالح وتناقض ولا التزام بالأخلاق ، بينما الدين ثابت، ومقدس ، فعندما توظفه في مجال السياسة تنزله من مكانه إلى حضيض السياسة، تجعله تابعاً يلهث وراءها ويتعدد ويتناقض، ويحدث هذا أيضاً لأن رجال الدين خرجوا وأخرجوا من أماكنهم الحقيقية وأخذوا الدين معهم حيثما ولوا، واشتغلوا باسم الدين في قضايا ليست من شؤون الدين. رجل الدين شغله الحقيقي بيان أحكام الدين أو الشريعة في قضايا تعبدية وأخلاقية وعقدية جاء بها الدين وأوجبها على أتباعه ،ومكانه الحقيقي المسجد ودار الإفتاء. ومن حق رجل الدين أن يعتنق ما شاء من النظريات السياسية وأن ينتمي إلى حزب وأن يبدي رأيه في شؤون الدنيا السياسية وغير السياسية ، وأن يشارك في المناقشة حول أزمة سياسية ويبدي رأياً ولكن أن يمارس هذه الحقوق والشؤون مثله مثل غيره من الناس وليس بوصفه رجل دين يتكلم باسم الدين أو يقول هذا هو حكم الدين في المسألة السياسية أو الأزمة الفلانية، لأن السياسة شأن دنيوي ليس للدين فيه حكم معين.. وعندما يزج الدين في مسألة سياسية تتحول إلى فتن وحروب.