إن الذين اعترضوا على بيان جمعية رجال الدين الذي انبثق عن مؤتمرهم الذي انعقد في صنعاء خلال الفترة من 27 حتى 29 سبتمبر 2011م وناقش الأوضاع الراهنة على الساحة اليمنية من أجل إيجاد حلول ومخارج للأزمة الخطيرة التي تمر بها البلاد والتي تنذر بحدوث حرب أهلية - لا سمح الله - يبدو أنهم لم يقرؤوا جيداً ذلك البيان ولم يفقهوا دلالات ومضامين رسالته السلمية الهادفة إلى إصلاح ذات البين وحقن دماء اليمنيين وعودة الأمن والاستقرار والسكينة للبلاد والعباد لكبر في أنفسهم وجحود ونكران وتصلب وعناد وعدم اعتراف بالحق الواضح والصريح.لقد ركز أولئك المعترضون على الأشخاص الذين قاموا بصياغة ذلك البيان ولم يركزوا على وجود الحق الذي جاء به البيان من عدمه !! وطعنوا في جهد اولئك الفقهاء ورجال الدين ووصفوهم بأنهم رجال دين السلطة وأنهم ببيانهم ذاك قد برروا قتل اليمنيين وسفك دمائهم، وهذا والله انحراف في فهم خطابات الناس واختلال في قراءة رسائلهم وبياناتهم وهضم لحقوقهم ومجهودهم ومبادراتهم وكان أولى بمن اعترض على أهلية أولئك الفقهاء ورجال الدين أن يناقش مضامين وفقرات بيانهم ومدى مصداقيته وجدواه ومساعدته في حل الأزمة والمحنة والفتنة ومدى تطابقه مع فقه الواقع الراهن هذا إذا كان أولئك المعترضون صادقين مع أنفسهم وحريصين على الوطن ودماء المواطنين.أما تركيزهم على من قاموا بصياغة ذلك البيان فمردود عليهم بحديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي استفاد فيه من نصيحة وموعظة إبليس لعنه الله وهو كذوب وعدو لله وللإنسان، وقد زكى رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك النصيحة من إبليس وقال لأبي هريرة: “صدقك وهو كذوب” لأنه نطق بفائدة آية الكرسي وهي من القرآن مع أن إبليس كذوب ولم يعترض أبو هريرة على الأخذ بالنصيحة من شيطان كاذب.من أجل ذلك قال أحد أئمة أهل السلف الصالح: والله لا يضيرني أخذ الحق ما دام حقاً وإن خرج على لسان خصمي أو من أي وعاء خرج و يقال “إن الحق ما شهدت به الأعداء” والحكمة ضالة المؤمن يأخذها أينما وجدها . رجال الدين الذين صاغوا ذلك البيان هم أعضاء جمعية رجال الدين ولم يكونوا من الأبالسة ولا من الشياطين أو أعداء الله بل هم مسلمون موحدون لا نظن فيهم إلا خيراً وهم ورثة الأنبياء ونحن نجلهم ونحترمهم ونقدر مجهودهم فإن أصابوا فلهم أجران وإن أخطؤوا فلهم أجر اجتهادهم وقد بلغوا أكثر من ( 500) فقيه ومشارك في ذلك المؤتمر الذي كان شعاره “ من أجل رؤية شرعية واضحة “ هدفها التواصي بالحق والصبر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع العلم أن النصوص الشرعية والحكم والمواعظ والعبر والتوجيهات التي وردت في بيان رجال الدين لم تكن من بنات أفكارهم أو من نزوات أهوائهم أو من مفردات ميولهم وتعبيراتهم بل كانت مستلهمة من الكتاب والسنة والمراجع الشرعية المعتمدة من تراث الفقه الإسلامي التي أوصت بتعظيم الحرمات وعدم التعدي عليها مثل حرمة الدماء والأرواح وتحريم الاعتداء على المعسكرات والجنود أو التعدي على المنشآت الخدمية والممتلكات العامة والخاصة وتدنيس قدسية المساجد وإغلاق المدارس والجامعات وحرمة ترويع وتخويف الآمنين وتحريم والمظاهرات والاعتصامات في الحارات والطرقات ما دامت ستؤدي إلى مفسدة أكبر منها ، وضرر تضليل الشباب أو تعبئتهم والاعتداء على الأعراض وتحريم السب والشتم واللعن أو الخروج على الحاكم ما دام سيؤدي ذلك إلى الفتنة وتمزيق الوطن وإشاعة الفوضى ويهدد الأمن والسكينة والسلم والتماسك الاجتماعي. لقد دعا رجال الدين في بيانهم الآنف ذكره إلى تحكيم كتاب الله وسنة رسوله ودعوة جميع الأطرف إلى رفع المظاهر المسلحة حقناً للدماء وتحقيقاً للأمن والاستقرار وهذه الدعوة تتناغم وتتطابق مع أحد بنود المبادرة الخليجية التي وافقت عليها الأطراف المتصارعة على السلطة في بلادنا ودعا البيان ولي أمر البلاد إلى إزالة المظالم وسرعة البت فيها وحل مشاكل النازحين ورفع معاناتهم في أبين وصعدة وتقديم الجناة إلى القضاء ودعوة جميع الأطراف لتحكيم العقل والجموح للسلم والجلوس على طاولة الحوار للخروج بحلول مرضية وهذا ما دعت إليه المبادرة الخليجية.لقد حث رجال الدين في بيانهم الحكومة على المسارعة في تخفيف معاناة الشعب والعمل على حل قضايا إخواننا في المحافظات الجنوبية ، وتجنب المهاترات في وسائل الإعلام المختلفة أو إثارة النعرات الحزبية والمناطقية وطلب البيان الكشف عن حقيقة الاعتداء على جامع الرئاسة والبت في حادث يوم الجمعة الـ 18 من مارس.وذكر البيان أن الخروج بالسلاح على ولي الأمر يعد من أعلى أنواع الخروج وأن الحوار هو الأسلوب ألأمثل وعدم قتال القوات المسلحة والأمن بصفتهم حماة الوطن والمواطن والمحافظين على أمنه وسلامته ومن يحافظ على سيادة الأرض والعرض أما الفرقة أو الطائفة التي ترفع السلاح في وجه الطائفة الأخرى الشرعية التي تدعو للحوار والمسؤولة عن النظام فإن حل هذا الصراع قد جاء في قول الله تعالى: “ وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفي إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون (الحجرات 9 ، 10) وقد ورد ذكر مصطلح (بغاة) في بيان رجال الدين الآنف الذكر إشارة إلى أنه مستلهم من الآيتين السابق ذكرهما من سورة الحجرات ولم يكن من بنات أفكار رجال الدين الذين اتهموا زوراً وبهتاناً بل هو من كلام الله العليم الحكيم .ختاماً لم يبق إلا التذكير بأن محتوى بيان رجال الدين الذي اقتطفنا وابتسرنا أهم فقراته وأغلب ومضامينه الفكرية لا تبعد كثيراً عن روح المبادرة الخليجية التي وافقت عليها كافة الأطراف المتنازعة أو المتصارعة على السلطة والمتسابقة على كرسي الحكم.
أخبار متعلقة