اللبنة الأولى لقيام وتطور المجتمع
إعداد/ بشير الحزمي:تعد الأسرة اللبنة الأولى لقيام وتطور أي مجتمع من المجتمعات الإنسانية عبر كل المراحل من تاريخ المجتمعات الإنسانية الطويل ولا يقوم أي مجتمع أو يتطور إلا على دعائم من الأسر التي تكونت ، وبقدر ما تأخذ الأسرة من العناية والرعاية والاهتمام يكون الترابط الاجتماعي والتطور فيها قوياً وشامخاً لذلك فإن نظرة الإسلام إلى الأسرة هي نظرة عميقة وفاحصة ويعطيها من الاهتمام ما يؤهلها لأداء رسالتها والقيام بواجبها حتى تسير الحياة الإنسانية في مسارها الصحيح الذي يتضمن لها الأمن والسعادة والاستقرار في الحياة. ولما كان الزواج هو الطريق لتكوين الأسرة وضع الإسلام له قواعد وضوابط وروابط تحقق الهدف منه وتضمن له الحياة الهانئة السعيدة وبذلك يتحقق الأمن والسلامة للمجتمع لذلك فإن تكوين الأسرة في نظر الإسلام مسؤولية كبيرة وخطيرة تقع على عاتق الزوجين ، فقد أوضحت الشريعة الإسلامية أهمية العلاقات الأسرية لضمان السعادة لأفراد الأسرة وجعل حياتهم مفيدة للمجتمع ، كما ركزت أحكام الشريعة الإسلامية على حقوق الأبناء بوجه خاص لأنهم بناة المستقبل وحملة العقيدة والدين ، حماة الأوطان ، كذلك كرم الإسلام المرأة وضمن لها حقوقها لكونها أساس تكوين الأسرة والمدرسة الأولى للتربية في المجتمع. هذا ما أوضحه الدكتور / حسين احمد فروان في ورقته العلمية( الدين وقضايا السكان) التي أدرجت كمحور في كتاب الثقافة السكانية وتناول فيها بإيجاز وصفاً تحليلياً لموقف الإسلام نحو الأسرة وأهميتها ومشروعية الزواج وتنظيم الأسرة وحقوق الآباء والأبناء والعلاقات الأسرية وحقوق المرأة ومعالجة الإسلام لموضوع الذرية... وفيما يلي ملخص لأهم ماورد فيها:- [c1]مفهوم الأسرة [/c]للأسرة ثلاثة مفاهيم مختلفة ، مفهوم عام : وهو أنها تطلق على المجتمع كله ، ومفهوم خاص: أنها تطلق على الرجل وزوجته وأبنائه واحفاده واخوانه ووالديه واعمامه وتسمى الأسرة الممتدة ، ومفهوم محدود : وهو أنها تطلق على الرجل وزوجته ونسله ، وتسمى الأسرة النووية. [c1]عناية الإسلام بالأسرة [/c]نظراً لأهمية الأسرة في بناء المجتمع ، نجد الإسلام اهتم اهتماماً كبيراً بكيفية تأسيس الأسرة ، لذلك شرع من الأحكام والآداب والتوجيهات ما يرمي إلى حماية الأسرة من كل ما يهدد كيانها ، فحرم كل الأسباب والعوامل التي تضربها ، كما حذر من كل الخلافات التي تهدمها ووضع القواعد والأسس والتوجيهات التي تساعد على قيام أسرة قوية وسعيدة بدءاً من اختيار الرجل لزوجته والزوجة لزوجها فأشترط الشرع شروطاً عديدة لاختيار الزوجة واشترط على الزوج شروطاً عديدة كالكفاءة والخلق والدين والقدرة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) رواه الترمذي وقال صلى الله عليه وسلم ( تنكح المرأة لأربع : مالها ولحسنها ولجمالها ولدينها ، فاظفر بذات الدين ترتب يداك) رواه البخاري ومسلم. [c1]مشروعية الزواج في الإسلام [/c]شرع الإسلام الزواج بأن يقيم الرجل والمرأة بينهما علاقة شرعية بقصد الإنجاب تسودها المودة والرحمة ويتعاونا على الأخذ والعطاء ويتبادلا الرأي والمشورة في كل شأن من شؤون الأسرة وهذا يعين كلا منهما على القيام بواجباته بروح ورضا وثقة ومحبة ويثار ، قال تعالى ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم ازواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) والزواج الذي شرعه الإسلام هو من سنن الأنبياء السابقين قال تعالى : ( ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم ازواجاً وذرية) . وهذا كله يشير إلى أن الأسرة ضرورة فطرية، والإسلام يعد الزواج نصف الدين يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين) رواه البخاري ، وجاءت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تحث على الترغيب في الزواج لما له من آثار طيبة على الفرد والمجتمع الذي يعيش فيه ، و الزواج هو اتحاد بين شخصين يعيشان معاً حياة واحدة وكل منهما يشعر بحاجته إلى الأخر في النواحي العاطفية والجسدية وفي كل شيء يتقاسمان لقمة العيش وحلو الحياة ومرها ، وكل منهما يؤدي دوراً لا يستغنى عنه بل يكمله ويتممه في إطار الوعي الحقيقي والرضا من جميع الأطراف وكل ذلك يؤدي إلى بناء أسرة كريمة وفاضلة. ونظراً لأهمية الزواج في الإسلام ، فقد أقام الإسلام الزواج بين الرجل والمرأة على عقد له حرمته ومكانته وبه العديد من الشروط والقواعد والأحكام التي تكفل لكل طرف حقه من الأمن والطمأنينة على حياته مع الشريك الأخر ومن أهم الفوائد التي يحملها عقد الزواج حفظ كرامة المرأة وحفظ حقوقها في الميراث والمهر والنفقة من الزوج ، إضافة إلى حفظ النسب للأبناء ، كذلك يعمل عقد الزواج على كف الريبة والشك تجاه الزوجين من قبل أفراد المجتمع. بتحليل مفهوم تنظيم الأسرة لغوياً ، يأتي الاسم « تنظيم» مشتقاً من الفعل « نظم» بمعنى رتب وهذب وحسن الشيء وتأتي كلمة تنظيم على وزن تحسين أما كلمة الأسرة فتعني القوة والضبط بناء على ذلك نعرف مفهوم تنظيم الأسرة هنا بأنه ينصرف إلى إعداد وتجهيز أفراد الأسرة اعداداً شاملاً وكاملاً وسليماً من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والفكرية والروحية والصحية بما يمكنهم من مواجهة الحياة والعيش فيها بسعادة وعزة وقوة ومنعة تمكن من نهضة المجتمع وتطوره في جميع المجالات وفي الشرع الإسلامي العديد من النصوص التي تدعو إلى تنظيم الأسرة وإعداد الجيل والعديد من النصوص التي تحرم وتجرم كل مفرط أو مهمل لشؤون الأسرة ومن يتسبب في إضعافها وإهمالها وضياعها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كفى المرء إثماً أن يضيع من يعول) رواه مسلم. لذلك فقد أباح الإسلام استخدام كل الوسائل التي تعمل على رفع مستوى الأسرة دون حرج ، ونهى عن كل ما يلحق بها من ضعف ووهن حتى إن أدى ذلك إلى تأجيل الزواج إلى حين ، قال تعالى : ( وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله).وحفاظاً على رعاية الأسرة أباح الإسلام استخدام كل الوسائل التي تعزز من قوة ومنعة الأسرة فأجاز استخدام وسائل تنظيم النسل قياساً على العزل ومن أهم الوسائل التي أباح الشرع استخدامها لتنظيم الأسرة والمباعدة بين المواليد : حبوب منع الحمل اللولب ، ( الحقن ( الإبر) الغرسات ، التحاميل ، العد ، الرضاعة الطبيعية ، وغير ذلك من الوسائل بشرط أن يقرر الطب عدم ضرر هذه الوسائل على صحة الأم ، وانعدام أثرها مستقبلاً في صحة الأفراد أو الإنجاب بشكل عام ، فهذه الوسائل تدخل في حكم العزل وتحمل معناه وينطبق عليها حكمه فهي جائزة ولا حرج على المسلمين من استخدامها لأسباب ودواع متعددة. ومن خلال آراء العلماء القدامى والمعاصرين وأقوالهم وفتاواهم ، نجد أنهم أباحوا تنظيم النسل والمباعدة بين المواليد لعدة أسباب ، منها : الخشية على حياة الأم أو الخشية على صحتها أن تسوء بسب الحمل والولادة والخشية على الأولاد أن تسوء صحتهم أو تضطرب بيئتهم ، والخشية على الرضيع من حمل جديد يفسد عليه الرضاعة ويضعف صحته ، والخشية من الوقوع في الحرج الدنيوي الذي يؤدي إلى حرج ديني يوقع الإنسان في المحظور ، فيقبل الحرام ويأكله من اجل الإنفاق على أولاده ، كما أن من الأسباب ايضاً أن العلاقة الزوجية قائمة على المودة والرحمة والمتعة الجنسية التي أباحها الله تعالى ، ولا شك في أن كثرة الحمل وتتابعه لا تتحقق معها هذه الغاية العظيمة من الزواج ولا يؤديان إلى الاستقرار النفسي للزوج مع زوجته ، فإذا اجتمعت هذه الأسباب وغيرها من الأسباب المشروعة فإنه يباح للزوجين تنظيم النسل والمباعدة بين المواليد. [c1]حقوق الآباء والأبناء في الإسلام [/c]من اجل بناء أسرة سليمة وقوية في المجتمع ، فرض الإسلام حقوقاً وواجبات على الأبناء تجاه الآباء وعلى الآباء نحو الأبناء ، فمن حقوق الآباء على الأبناء : الطاعة والاحترام ، والتوقير والتبجيل في حال شبابهم وكبرهم أو ضعفهم قال تعالى :( إما يبلغن عندك الكبر احدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفً ولاتنهرهما وقل لهما قولاُكريماً واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) وقال تعالى ( ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين) فالآية الكريمة توضح أن المرأة الحامل تتحمل المشقة وتواجه الضعف ، وتتعرض للمرض ، ويعقب وضع الحمل مرحلة الرضاعة وفيها ايضاً متاعب ومشقة تلحق بالأم ما يتطلب المباعدة بين المواليد حتى تأخذ الأم قسطاً من الراحة من عناء الحمل والإرضاع والأب والأم عند الكبر عندما يصابان بالضعف والتعب والشيخوخة بحاجة إلى عناية فائقة من الأبناء وهذا من عظمة الإسلام للعناية بالأسرة صغارها وكبارها . ولما اوجب الإسلام على الأبناء الطاعة والبر بوالديهم ، اوجب على الآباء حقوقاً لأبنائهم وهي كثيرة ومتنوعة لا يمكن حصرها أهمها : حق الابن على أبيه في اختيار الأم الصالحة ذات الخلق والدين والصحة الجيدة والعلم والأدب والنسب وحق الابن في العناية بأمه أثناء الحمل به من تغذيه جيدة، ورفق في المعاملة، والإحسان إليها حتى لا يتأثر الجنين وهو في بطن أمه، كذلك من حق الأبناء على الآباء حسن تسميتهم، والاهتمام بهم في الطفولة، وفي مرحلة الشباب ويتمثل ذلك في العناية بصحتهم وغذائهم، وكسائهم، وملبسهم ومسكنهم وتعليمهم وتربيتهم التربية الصالحة، وإكسابهم مهارات معينة تعينهم على مواجهة الحياة والكسب، والاعتماد على أنفسهم في المستقبل حتى يكونوا أفراداً صالحين منتجين في المجتمع غير متكلين على من سواهم أو مضطرين لنهج سلوك ضار بالمجتمع من أجل كسب معايشهم وأرزاقهم فكلما كان أفراد الأسرة أصحاء نفسياً، وعقلياً وبدنياً، وأخلاقياً وتعليمياً كانت الأسرة سعيدة وقوية ومتماسكة وذلك ما يدعم قوة المجتمع ويمكن من تطوره ويدعو إليه الإسلام ويحث عليه جميع أفراد المجتمع المسلم، وجميع الناس في هذا الكون.[c1]العلاقات الأسرية وحقوق المرأة[/c]من عناية الإسلام بالأسرة، أمر الله في كتابه العزيز أن تنشأ الأسرة في جو من المحبة والرحمة والمودة والصفاء والتكامل والإيثار والوفاء والإخلاص والصدق في التعامل بين أفرادها، للعيش بسعادة ورفاهية، قال تعالى:(ومن آياته أن جعل لكم من أنفسهم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينهم مودة رحمة أن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون).والأسرة التي يسود فيها الوئام والمحبة والتفاهم، هي الأسرة التي تنحب أفراداً أسوياء في المجتمع، والأسرة التي تقوم علاقة أفرادها على الخصام والشجار المستمر، يصاب أفرادها بالعقد والانحراف والتبلد، والشرود الذهني، والضعف، وعدم الثقة بالنفس، والفشل والسلوك العدواني، ما يجعل منهم افراداً غير صالحين وغير قادرين على البناء والتطور والإنتاج في الحياة ولو بحثنا عن أسباب سوء العلاقة بين أفراد الأسرة لوجدناها كثيرة ومتعددة، حيث تؤكد العديد من الدراسات والبحوث الاجتماعية المختلفة.أن معظم المشكلات الأسرية ناتجة عن جهل الزوجين أو احدهما والزواج المبكر للأبناء والبنات وكثرة الأولاد وعدم القدرة على الإنفاق عليهم، ضعف الدخل لدى العائل، اختلاف الثقافة بين الزوج والزوجة، انعدام الثقافة التربوية لدى الزوجين أو لدى احدهمأ، عدم التكافؤ بين الزوجين من حيث العمل، والمستوى التعليمي والثقافي والاجتماعي، وضعف الوازع الديني.لذلك فقد حرص الإسلام على معالجة كل موضوع فيه الكفاية، ومن أجل ذلك أباح الإسلام كل وسيلة تحقق للأسرة أمنها واستقرارها وقوتها وعزتها، وحرم كل ما من شأنه ومن أجل ذلك كرم الإسلام المرأة وكفل لها الحقوق كافة من تعليم، وصحة، وغذاء، وكساء، وعمل وكل ما يحفظ كرامتها وعزتها ويرفع من شأنها ويمكنها من بناء أسرتها.[c1]معالجة الإسلام لموضوع الذرية[/c]أن موضوع معالجة الذرية من ناحيتي القلة والكثرة قد أكتسب بمرور الأيام والسنين رواسب ذهنية، وقضايا اعتقادية مختلفة، ربطها الناس بالدين والتوكل على الله والقضاء والقدر، وإن واجب المفكرين والعلماء والتربويين تصحيح وتقويم هذا الاعتقاد والسلوك فالإسلام لا يعتد بالكثرة الهزلية من الذرية، ويمكن استنباط ذلك من العديد من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية، وهي كثيرة لا يتسع المجال لذكرها، قال تعالى: (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين) وقال تعالى (قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبث) .. وقال تعالى: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً)، لم يقل أكثر عملاً، لاحظ كلمة أحسن، ولم يقل أكثر وهناك العديد من العلماء الذين ينبذون الكثرة الهزلية، وهو ما ينبغي توضيحه في إطار التربية السكانية.