(الــــمــــؤتــمــــر) و (الإخــــــــوان الـــمــســلـــمـــون)
لم يعد خافيا على أحد أن الأزمة السياسية الراهنة هي نتاج طبيعي للتناقض الحاد بين رؤيتين ومشروعين سياسيين لكل من المؤتمر الشعبي العام وحلفائه من الأحزاب الوطنية والقومية المؤمنة بمبادئ وأهداف ( الثورة اليمنية 26 سبتمبر ـــ 14 اكتوبر ) بقيادة الرئيس علي عبدالله صالح من جهة، وبين حزب التجمع اليمني للإصلاح وحلفائه من قادة الأليغارشيات العسكرية والقبلية والإقطاعية والتجارية بقيادة تنظيم الإخوان المسلمين من جهة أخرى .ويعود جزء كبير من أسباب وجذور هذه الأزمة إلى الشراكة العلنية والسرية للإخوان المسلمين وقادة الأليغارشيات العسكرية والقبلية والاقطاعية في الحكم قبل الوحدة وبعدها ، مرورا بحرب 1994 وما تلتها من تداعيات وصلت ذروتها في الانتخابات الرئاسية لعام 2006م والتي فاز فيها الرئيس علي عبدالله صالح بثقة الأغلبية العظمى من الناخبين ، الأمر الذي جعله ملزما من الناحية الدستورية بتنفيذ الالتزامات الداخلية والإقليمية والدولية التي تعهد بتنفيذها في برنامجه الانتخابي الذي يتعارض مع مصالح وأجندات الدولة السرية التي كانت تعمل داخل الدولة الوطنية ، وبطريقة مخالفة للدستور والقوانين النافذة . بعد انتهاء حرب صيف 1994م التي ارتبطت بتداعيات الأزمة السياسية وإعلان الإنفصال، خرج الحزب الاشتراكي اليمني رسميـا وعمليـا من الائتلاف الثلاثي الذي شكل التجربة الثانية للشراكة العلنية في السلطة بعد قيام الوحدة وبناء النظام السياسي التعددي، وانتقلت السلطة على إثر هذه التطورات إلى حكومة ائتلاف ثنائي من المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح برئاسة الأستاذ عبدالعزيز عبدالغني، حيث استمرت هذه الحكومة الائتلافية من يوليو 1994م حتى مايو 1997م.اختلفت محددات التجربة الائتلافية الثالثة للمؤتمر الشعبي العام عن التجربتين السابقتين بعد الوحدة ، فقد استند المؤتمر في تجربته الأولى إلى عدد من المحددات وأهمها اشتراكه مع الحزب الاشتراكي في مشروع وطني جديد استهدف توحيد دولتي الشطرين في دولة وطنية واحدة على أساس دستوري تم الاستفتاء عليه من قبل الشعب بعد قيام الوحدة ، وإقامة أول نظام سياسي ديمقراطي تعددي منذ قيام الثورة اليمنية (26 سبتمبر - 14 أكتوبر)، فيما استندت التجربة الائتلافية الثانية بين المؤتمر والاشتراكي والإصلاح إلى محددات أخرى إضافية، وأهمها ترسيخ تقاليد المشاركة في السلطة على قاعدة الاستحقاقات الانتخابية، وتحويل الانتخابات إلى قيم سياسية معيارية تدخل ضمن المحددات الشرعية لهيئات الدولة والسلطة . بيد أن المشاركين في تلك التجربة لم يعطوا اعتبارا كافيـا للخلافات الجوهرية في برامج أطراف الائتلاف، حيث لم يكن هناك حد أدنى من التوافق في برامج هذه الأطراف الثلاثة المؤتلفة (أو المؤلفة)، ما أدى إلى تحميل ذلك الائتلاف صواعق تفجير في داخله !!.أما التجربة الثالثة فقد كانت محكومة بظروف الأزمة السياسية والحرب الأهلية التي شوهت صورة الوحدة ، ويمكن القول أن الاختلاف الجوهري بين برنامجي كل من المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح، لم يحـل دون إقامة شراكة ائتلافية ثنائية على قاعدة إجراء تعديلات دستورية، سبق لوثيقة الائتلاف الثلاثي بين المؤتمر والاشتراكي والإصلاح أن نصت عليها في أواخر مايو 1993م.لم تكن تجربة الائتلاف الثالثة مثالية بسبب اختلاف رؤية كل من طرفي الائتلاف لقضايا التطور اللاحق، وسبل معالجة مصاعب النمو وتعزيز الوحدة الوطنية، وتفكيك البنى المعيقة للديمقراطية، والاندماج في البيئة الاقليمية والاقتصاد العالمي ، مع الأخذ بعين الاعتبار ان المؤتمر الشعبي العام نجح في تحديد المضمون الرئيسي للتعديلات الدستورية باتجاه تحديد شكل الرئاسة، وتعريف ضمانات التعددية الحزبية والتداول السلمي للسلطة، وتأكيد الحرية الاقتصادية وحقوق الإنسان، والالتزام بالمواثيق والتشريعات والنصوص القانونية الدولية التي تضمن حقوق المواطنة المتساوية وتكافح مختلف أشكال التمييز ضد المرأة.وقياسا على معارضة التجمع اليمني للإصلاح دستور دولة الوحدة ومقاطعته الاستفتاء عليه، فإنه تمكن من تحقيق جزء بسيط من أهدافه الحزبية المعلنة، وفي مقدمتها تعديل المادة الثالثة التي اصبحت تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريعات، بالإضافة إلى نجاحه في تعويم المادة الخاصة بحقوق المرأة، بيد أنه لم يتمكن من تعديل معظم النصوص الدستورية التي طالب بتعديلها أثناء مقاطعته الاستفتاء على الدستور، وفي مقدمتها المادة السادسة التي تنص على الالتزام بالمواثيق الدولية وبضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يراه التيار الإخواني نزوعا للتغريب ومخالفة للشريعة، بالإضافة إلى معارضته الإيديولوجية الصارمة لأي نص دستوري يؤكد على النصوص القانونية والتشريعات والاتفاقيات الدولية التي أقرها المجتمع الدولي، ووقعـت عليها الدولتان السابقتان قبل الوحدة، وتعد وفقا للقانون الدولي جزءا من التزامات الجمهورية اليمنية التي ذابت فيها الشخصيتان الدوليتان السابقتان واعترفت بها الجمعية العامة للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي عام 1990م. وكانت الدولتان الشطريتان السابقتان للوحدة وقعتا بشكل متفاوت على 51 معاهدة ونصوصا تشريعية دولية حتى عام 1991م ، من بينها الميثاق العالمي لحقوق الانسان الذي وقعت عليه حكومة الشطر الجنوبي قبل الوحدة ، حيث أصبحت جميع هذه الاتفاقيات والمواثيق والمعاهدات الدولية ملزمة للدولة الجديدة التي ذابت فيها الشخصيتان الدوليتان للجمهوريتين الشطريتين اللتين اندمجتا في دولة واحدة باسم الجمهورية اليمنية عام 1990.. واللافت للنظر أن الحكومة اليمنية لم توقع على أي معاهدات جديدة خلال حكومة الائتلاف الثنائي بين المؤتمر والإصلاح في الفترة 1994 - 1997، على الرغم من أن المجتمع الدولي أقرها آنذاك، فيما وقعت حكومة المؤتمر الشعبي على خمس معاهدات دولية خلال الفترة 1998 - 2000م، ثلاث منها كان يفترض التوقيع عليها خلال فترة الائتلاف الثالث 1994 - 1997م الذي أتاح لتنظيم الاخوان المسلمين امكانية المشاركة العلنية في الحكم تحت واجهة حزب التجمع اليمني للاصلاح . والمعروف أن معارضة التيارات الإسلامية ـــ بشقيها الاخواني والسلفي ـــ للتشريعات الدولية تنطلق من فكرة الحاكمية التي لا تعترف بحق الشعوب والأمم والحكومات والهيئات المنتخبة في ممارسة سلطة التشريع من خلال مجالس النواب المنتخبة من قبل الشعب عبر صناديق الاقتراع ، حيث تحصر هذا الحق على نخبة من الفقهاء ورجال الدين الذين يحق لهم حراسة حاكمية الله ، وتقنينها في أحكام وفتاوى شرعية، على غرار ما كان يفعله الأكليروس في العصور الوسطى استنادا إلى فكرة التفويض الالهي التي قوضها المجتمع المدني الحديث وأحل محلها مبدأ سلطة الأمة المنتخبة.ويتوجب القول أن الإقرار الدستوري بمرجعية الشريعة الإسلامية للقوانين، لا يتعارض مع المنهج الفكري للمؤتمر الشعبي العام، ولا يشكل مكسبا سياسيا حقيقيا للتجمع اليمني للإصلاح.. لأن المادة الدستورية الثالثة الجديدة لا تلزم المشرع بتأويل ايديولوجي أو مذهبي محدد للشريعة على غرار ما تنادي به بعض التيارات المتشددة، فسماحة الإسلام وسعة أفقه وقدرته على مواكبة تحولات التاريخ والعصر والحضارة الانسانية، تتيح للعقل المسلم استنباط التشريعات والقوانين بهدي الشريعة الإسلامية ومقاصدها النبيلة، وبدون الانغلاق في أطر التأويلات المذهبية الملكية والاقطاعية للنصوص الدينية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن تمسك المؤتمر الشعبي العام بالنص الدستوري الخاص بالالتزام بميثاق الأمم المتحدة والمواثيق الدولية التي وقعت عليها بلادنا قبل الوحدة وبعدها وفي مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يعيد تعريف النصوص الدستورية الخاصة بالحقوق المدنية التي نجح التجمع اليمني للإصلاح في تعويمها أثناء التعديلات الدستورية التي جرت بعد حرب صيف 1994، مما يجعل نجاحه في تلك التعديلات الدستورية غير ذي معنى! يتضح من مسار التجربة الإئتلافية الثانية تباين أهداف كل من حزبي المؤتمر الشعبي والتجمع اليمني للاصلاح تجاه القضية المحورية التي تضمنها برنامج الحكومة.. فبينما كان التغيير هو المنهاج السياسي الذي يحدد طرق التعامل مع المهام التي تضمنها البرنامج الحكومي وفي مقدمتها الإصلاح السياسي والاقتصادي، وإزالة آثار حرب صيف 1994 الظالمة، وإعلاء مكانة سلطة القانون، كانت أهداف حزب (الإصلاح ) تتمحور حول اجراء المزيد من التعديلات الدستورية والقانونية التي شكلت ــ بحق ـــ انقلابا على الوحدة وتشويها لصورتها ، بالاضافة الى المحافظة على نفوذه في أجهزة السلطة، والسعي إلى تعظيمه والحيلولة دون أن يمسه أي تغيير.. فيما كان شديد الحرص على أن يتولى حقيبة وزارة التربية والتعليم بهدف إبقاء الوضع غير القانوني للنظام التعليمي الموازي لنظام التعليم العام، حيث كان الإصلاح يسيطر على ذلك النظام ماليا وإداريا، وينفرد في رفض توحيد التعليم الذي أجمعت عليه برامج كافة الأحزاب السياسية في السلطة والمعارضة باستثناء التجمع اليمني للإصلاح.ولا يخفى على أحد أن التجمع اليمني للإصلاح كان يقاوم طوال فترة الحكومة الإئتلافية الثالثة الدعوات التي تطالب بتطبيق ودمج النظام التعليمي الموازي الذي كان يشرف عليه (الاخوان المسلمون) بنظام التعليم العام، وتحويل موازنته الضخمة إلى وزارة التربية والتعليم، وإنهاء الوضع الإداري المستقل لذلك النظام الموازي الذي أفسح المجال لإبرام عقود مع آلاف المدرسين المنتمين إلى جماعات اسلامية متطرفة، بعيدا عن القواعد الناظمة للعلاقات الثنائية بين الحكومة اليمنية والحكومات العربية، ناهيك عن تضرر سمعة اليمن من جراء نشاط بعض الجماعات والعناصر المتطرفة والارهابية التي دخلت البلاد بطرق مختلفة.. ومما له دلالة أن الحكومة اليمنية قامت بترحيل الآلاف من أولئك المتطرفين إلى خارج البلاد خلال الفترة 1994 - 1997 بحسب تصريحات رسمية ، الأمر الذي يفسر طبيعة الظلال السوداء والبقاع الرمادية التـي طرأت على مشهد العلاقة بيــن حزبي (المؤتمر) وا(لإصلاح) خلال تلك الفترة.بحسب الخطاب الإعلامي للمؤتمر الشعبي العام وصحافته جرى تحميل شريكه في الحكومة الائتلافية الثالثة جانبا من الممارسات الخاطئة التي حدثت بعد حرب صيف 1994، والتي تتعارض مع توجهات المؤتمر الشعبي العام وسياسة الحكومة الرامية إلى إزالة آثارها، وخاصة تلك التي تمثلت في نهب الأراضي وهدم قباب المساجد وتحطيم الاضرحة والقبور ومضايقة العائلات في متنفسات وشواطئ المدينة، والاستيلاء على بعض أراضي ومزارع الدولة ومقرات وممتلكات الحزب الاشتراكي اليمني ، ومحاولة فرض أشكال متطرفة للتدين والسلوك الاجتماعي على المواطنين، ونشر أفكار التكفير والتفسيق في المحافظات التي كانت مسرحا للحرب.. وكانت هذه الممارسات تعرقل الجهود الواجب بذلها لإزالة آثار تلك الحرب، وتطبيق القرارات الدولية بشأن نتائج حرب 1994م ، وتعزيز الوحدة الوطنية للمجتمع ، من خلال إشاعة مناخ التسامح والتصالح بين السلطة ومعارضيها في الداخل والخارج، وقطع الطريق على كل ما من شأنه تمزيق وحدة المجتمع . والحال أن التباين في رؤية طرفي الائتلاف الثالث إزاء قضية إزالة آثار حرب صيف 1994 يعود إلى ظروف الحرب نفسها، وإلى مفهوم كل من الطرفين لها.. فالمؤتمر الشعبي العام خاضها باعتبارها عملا دستوريا ضد مشروع انفصالي غير شرعي بحسب وجهة نظره، فيما خاضها التجمع اليمني للإصلاح باعتبارها جهادا شرعيا ضد الكفار والمرتدين.. وحين أصدر الرئيس علي عبدالله صالح قرار العفو العام في شهر مايو 1994 أثناء الحرب، كان واضحا أنه استهدف أيضا إنهاء الحرب بأقل قدر من التضحيات، وإشاعة أجواء التسامح بعدها ومنع ارتكاب أية جرائم انتقامية ضد الطرف الآخر، بيد أن المدعو عبدالوهاب الديلمي وهو أحد كبار شيوخ التجمع اليمني للإصلاح أصدر فتواه الشهيرة بعد أيام قليلة من صدور قرار العفو العام ، حيث قال في تلك الفتوى السوداء : [c1](( إننا نعلم جميعا أن الحزب أو البغاة في الحزب الاشتراكي اليمني المتمردين المرتدين هؤلاء لو احصينا عددهم لوجدنا أن اعدادهم بسيطة ومحدودة، ولو لم يكن لهم من الأنصار والاعوان من يقف إلى جانبهم ما استطاعوا ان يفعلوا ما فعلوه في تاريخهم الاسود طوال خمسة وعشرين عاما، وكل الناس يعرفون في داخل المحافظات الجنوبية وغيرها أنهم اعلنوا الردة والالحاد والبغي والفساد والظلم بكل أنواعه وصنوفه، ولو كان هؤلاء الذين هم راس الفتنة لم يكن لهم من الاعوان والانصار ما استطاعوا أن يفرضوا الإلحاد على أحد ولا أن ينتهكوا الاعراض ولا أن يؤمموا الاموال ويعلنوا الفساد ولا أن يستبيحوا المحرمات، لكن فعلوا ما فعلوه بادوات، هذه الادوات هم هؤلاء الذين نسميهم اليوم المسلمين، هؤلاء هم الذي اعطى الجيش ولاءه لهذه الفئة، فاخذ ينفذ كل ما يريد أو ما تريد هذه الفئة ويشرد وينتهك الاعراض ويعلن الفساد ويفعل كل هذه الافاعيل وهنا لابد من البيان والإيضاح في حكم الشرع في هذا الأمر:أجمع العلماء أنه عند القتال بل إذا تقاتل المسلمون وغير المسلمين فإنه إذا تترس اعداء الاسلام بطائفة من المسلمين المستضعفين فإنه يجوز للمسلمين قتل هؤلاء المتترس بهم مع أنهم مغلوب على أمرهم وهم مستضعفون من النساء والضعفاء والشيوخ والاطفال، ولكن إذا لم نقتلهم فسيتمكن العدو من اقتحام ديارنا وقتل أكثر منهم من المسلمين ويستبيح دولة الإسلام وينتهك الاعراض.إذا ففي قتلهم مفسدة اصغر من المفسدة التي تترتب على تغلب العدو علينا، فإذا كان إجماع المسلمين يجيز قتل هؤلاء المستضعفين الذين لا يقاتلون فكيف بمن يقف ويقاتل ويحمل السلاح.هذا اولا، الامر الثاني: الذين يقاتلون في صف هؤلاء المرتدين يريدون أن تعلو شوكة الكفر وأن تنخفض شوكة الإسلام، وعلى هذا فإنه يقول العلماء من كان يفرح في نفسه في علو شوكة الكفر وإنخفاض شوكة الإسلام فهو منافق، أما إذا اعلن ذلك وأظهره فهو مرتد أيضا )) .[/c](( انتهت الفتوى ))وما من شك في أن الشيخ عبدالوهاب الديلمي عضو اللجنة العليا لحزب التجمع اليمني للاصلاح الذي يقود ويوجه حركة الاعتصام في ساحة الجامعة بالعاصمة صنعاء ،يعتبر من أبرز قادة الاخوان المسلمين الذين انشقوا عن النظام وانضموا الى المحتجين في الساحة القريبة من بوابة جامعة صنعاء للمطالبة باسقاط النظام ، الى جانب العديد من أبرز رموز الأوليغارشيات القبلية والاقطاعية والعسكرية والدينية والتجارية التي أثقلت النظام القائم بممارساتها الخاطئة وفسادها وتنفذها ، ثم انقلبت عليه وانشقت عنه لتركب موجة الحركة الاحتجاجية الشبابية السلمية التي تتطلع الى التغيير االديمقراطي الشامل .وقد اشتهر الشيخ الديلمي ـــ الذي أصبح خطيبا ومحرضا ثوريا في صلوات الجمعة أمام المعتصمين في ساحة الجامعة ـــ بتلك الفتوى الدموية التي أباحت إزهاق الأرواح وسفك دماء المسلمين المدنيين من نساء ورجال وأطفال وشيوخ وشباب مدينة عدن والمحافظات الجنوبية أثناء حرب صيف 1994 المشؤومة ، بذريعة ان من أسماهم ((جمهور الفقهاء المسلمين أجمعوا على جواز قتل هؤلاء المسلمين المدنيين إذا تترس بهم الكفار)) ، في إشارة واضحة الى الحزب الاشتراكي اليمني الذي يتحالف اليوم مع حزب الديلمي في إطار ما يسمى (اللقاء المشترك ) دون أن يعتذر هذا الحزب وفقهاؤه التكفيريون عن فتواهم الدموية التي أطلقوها في حرب صيف 1994 لتبرير وتغطية جرائم حرب الابادة الجماعية التي ارتكبتها الفرقة الأولى المدرعة بقيادة اللواء علي محسن الأحمر وجحافل المجاهدين التكفيريين الذين حشدتهم وجندتهم هذه الفرقة ضد أبناء وبنات مدينة عدن ، والتي جرى توثيقها بالصوت والصور الفوتوغرافية والتلفزيونية من قبل بعض المنظمات الحقوقية اليمنية والعربية والدولية لملاحقة مرتكبي هذه الجرائم المعادية للانسانية في صبر والوهط بمحافظة لحج، وكود بيحان والممدارة ودار سعد والشيخ عثمان والمنصورة والحسوة بمحافظة عدن، وهي جرائم حرب لا تسقط بالتقادم ـــ بموجب معاهدات جنيف الأربع ـــ مهما حاول المجرمون تغيير جلودهم من خلال الانشقاق عن النظام والانتقال الى ساحة الجامعة ، ورفع شعار اسقاط النظام الذي كانوا جزءا منه، وتقديم أنفسهم كقادة ودعاة لمشروع التغيير!!!!لا يحتاج المرء إلى أي جهد كبير لإدراك الحكم الصريح في تلك الفتوى بتكفير الحزب الاشتراكي وضرورة إبادة القوات المسلحة التي تأتمر بأوامره، وتساعده على إعلاء شوكة الكفر بحسب منطوق تلك الفتوى الدموية ، في إشارة واضحة إلى رفض الاخوان المسلمين في حزب ( الاصلاح) قرار العفو العام عن أفراد القوات المسلحة الذين قاتلوا إلى جانب الحزب الاشتراكي اليمني ، والرغبة الجامحة لدى الاخوان المسلمين لإقتحام مدينة عدن وتدميرها وتغيير معالمها ، وتصفية الحزب الاشتراكي والحلول محله.وما من شك في أن الثقافة السياسية الناظمة لطريقة تفكير كل من المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح، كان لها تأثير على طريقة تعامل كل من طرفي الحكومة الائتلافية إزاء المهمات المتعلقة بإزالة آثار حرب صيف 1994، وإيقاف كل الممارسات التي استهدفت نهب اراضي وعقارات ومزارع الدولة والأسلحة وغيرها، بعقلية الفيد والغنيمة. فالخطاب السياسي والإعلامي للمؤتمر الشعبي العام كان يتحدث عما أسماه (انتصار الشرعية الدستورية، واستعادة سيادة الدستور على كل اراضي الجمهورية اليمنية وتطبيع الأوضاع فيها بعد الحرب) . أما الخطاب السياسي والإعلامي للتجمع اليمني للإصلاح وشيوخه الكبار فكان يستخدم عبارات ملتبسة مثل ( فتح عدن.. فتح الجنوب.. ودخول الناس في دين الله أفواجا .. وهزيمة الكفار والمرتدين.. الخ) ، وكما هو معروف فإن حديث الفتوحات يتبعه دائما حديث الغنائم!! .ومن المفارقات المدهشة ان الاخوان المسلمين في حزب التجمع اليمني للاصلاح يتاجرون هذه الايام برفع شعارات الدفاع عن حقوق الانسان والدفاع عن القضية الجنوبية متناسين أنهم كانوا ولايزالون من أبرز الذين تسببوا فيها وأساؤوا إليها من خلال الجرائم والمظالم التي ارتكبوها في المحافظات الجنوبية بعد حرب 1994، فيما يسعون الى تحريض المجتمع الدولي والمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي ــ التي تحكم بتشريعات وضعية لا يعترف بها الاخوان المسلمون ـــ ضد الحكومة اليمنية من خلال تلفيق تهمة القمع الجماعي للاحتجاجات السياسية ، التي تندرج ضمن الجرائم المعادية للانسانية التي تعاقب عليها اتفاقية جنيف بماهي تشريع دولي وضعي يضم أربع اتفاقيات دولية تمت صياغة الأولى منها في 1864، والأخيرة في 1949، حيث تشدد هذه الاتفاقيات على ضرورة حماية حقوق الإنسان الأساسية في حالة السلم والحرب، والاعتناء بالجرحى والمرضى وأسرى الحرب، وحماية المدنيين الموجودين في ساحة المعركة أو في منطقة محتلة إلى آخره. كما نصت اتفاقيات جنيف الأربع على تأسيس منظمة الصليب الأحمر (تسمى اليوم منظمة الصليب الأحمر والهلال الأحمر الدولية) كمنظمة دولية محايدة لمعالجة شؤون الجرحى وأسرى الحرب. عند صياغة الاتفاقية الرابع في 1949 ، فيما تم دمج نصوص اتفاقيات جنيف الأربعة في اتفاقية موحدة تم توقيعها في 12 اغسطس 1949م، وتعنى بالمدنيين وحمايتهم في حال الحرب ومنع وتجريم استهدافهم أثناء العمليات القتالية ، واعتبار قتل المدنيين المتواجدين في مناطق القتال جرائم حرب معادية للانسانية يعاقب مرتكبوها بموجب القانون الدولي الجنائي ، ولاتسقط بالتقادم.وقد انضم إلى اتفاقية جنيف 192 دولة، أي عموم دول العالم تقريبا، مما يجعلها أوسع الاتفاقيات الدولية قبولا، وجزءا أساسيا مما يسمى بالقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي الجنائي، وهما تشريعان دوليان لا يعترف بهما الخطاب الديني والسياسي للاخوان المسلمين في حزب التجمع اليمني للاصلاح ، بذريعة انهما من التشريعات الوضعية التي تخالف الشريعة الاسلامية ، ولم يرد لها أثر في الفقه الاسلامي الموروث عن رجال الدين الأسلاف !! ؟؟ وتعود المرجعية الفكرية لهذا الخطاب، بما في ذلك الفتوى التي أصدرها شـيوخ (الإصلاح ) أثناء الحرب، إلى التزاوج الذي حصل خلال مرحلة الجهاد الأفغاني بين الأفكار الجهادية السلفية لابن تيمية وابن رجب الحنبلي وابن كثير ومحمد بن عبدالوهاب، والأفكار الجهادية المعاصرة ومفاهيمها عن التكفير والجاهلية الحديثة لسيد قطب ومحمد قطب وأبي الأعلى المودودي ، والأفكار الجهادية التكفيرية الراديكالية للجماعات الإسلامية المتطرفة ، مثل جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية في مصر وحزب التحرير الإسلامي في المشرق العربي والجماعة الإسلامية في باكستان والجماعة الإسلامية للدعوة والقتال في الجزائر وجماعة أبي سياف في الفليبين والجماعة الإسلامية المسلحة في ليبيا وجماعة أنصار السنة في لبنان والاتحاد الإسلامي في الصومال والجبهة الاسلامية العالمية لقتال اليهود والنصارى التي أسسها أسامة بن لادن وأيمن الظواهري عام 1998م ، والتي أفرزت في وقت لاحق تنظيم ( القاعدة ). كما نجد لفكرة التترس التي استندت إليها تلك الفتوى مرجعا أساسيا لها في كتب بعض قادة الجماعات المتطرفة الذين أجازوا قتل رجال الجيش والشرطة، وكل من يتمترس بالمدنيين من الرجال والنساء والأطفال بهدف حماية الطائفة الممتنعة عن تطبيق الشريعة الإسلامية أمثال محمد عبدالسلام فرج في كتابه (الفريضة الغائبة) ود. أيمن الظواهري في كتاب (الحصاد المر) وشكري مصطفى في كتاب (العصبة المؤمنة) وكرم زهدي في كتاب (المرابطون) وعبود الزمر في كتاب (حكم قتال الطائفة الممتنعة) والشيخ عمر عبدالرحمن في كتاب (منهاج الجماعة الإسلامية) وأبو حفص الموريتاني في كتاب (التترس والتخفي).. وتزعم جميع هذه الكتب بوجوب قتال الطائفة الممتنعة حتى ولو تخفت أو تترست بمجموعة من المسلمين الأبرياء حيث يجوز قتال الجميع بمن فيهم النساء والأطفال والرجال والشيوخ المتترس بهم من قبل الطائفة الممتنعة ، ومن يمت من المدنيين الأبرياء فسوف يبعث على نيته يوم القيامة!!؟ في الاتجاه نفسه برزت خلافات عميقة بين طرفي الإئتلاف حول عدد من القضايا المتعلقة بمهام مكافحة الفساد والأعمال الخارجة عن القانون، حيث أتهم المؤتمر شريكه في الحكومة الائتلافية الثالثة بالعمل على إقصاء مئات الكوادر الوطنية من مناصبها ووظائفها القيادية والاشرافية في الوزارات التي كانت من نصيب حزب ( الاصلاح ) أثناء مشاركته في الحكم بعد حرب 1994م ، واحلال عناصر من حزب (الاصلاح ) محلها ، ناهيك عن استغلال الاخوان المسلمين لوجودهم في السلطة لتأسيس شركات توظيف أموال في مجالات غير مشروعة مثل نهب الأراضي والادعاء بملكية مساحات استراتيجية من اراضي الدولة، والمطالبة بتعويضات تصل إلى عشرات المليارات من الريالات بادعاء تخصيص اراض تملكها تلك الشركات لصالح مشاريع استثمارية كبرى على غرار ما حدث حين ادعت شركة (المنقذ) ملكيتها لأراضي المنطقة الحرة بعدن وحكم القضاء بعدم صحة ذلك الادعاء ، ومعاقبة الذين قامو ا بتزوير وثائق التمليك. وقد أشارت صحافة المؤتمر الشعبي العام إلى عدد من هذه الشركات التي يقودها مسؤولون بارزون في التجمع اليمني للإصلاح مثل (المنقذ ، السنابل، الوفاء، الرافدين، والنور).. وترافق انتشار هذه الظواهر مع تزايد أعمال العنف في بعض المحافظات وصعود ظاهرة اختطاف الاجانب ونسف أنابيب النفط وما ترتب على ذلك من تأثير سلبي على الحالة الأمنية.. بيد أن هذه التباينات في الأفكار والمفاهيم والرؤى لم تمنع الحزبين المنتصرين في حرب صيف 1994م ، من المضي قدما على طريق تنفيذ بعض أهداف برنامج الحكومة الائتلافية الثالثة ، وفي مقدمتها إجراء بعض الإصلاحات المالية والإدارية التي نجحت في الحد من تدهور قيمة العملة الوطنية، وضبط التضخم وتخفيض الإنفاق الحكومي ورفع الدعم عن بعض السلع الغذائية وتخفيض معدلات العجز في الموازنة، وتخفيض حجم الدين الخارجي وإنجاز بعض المشاريع الاقتصادية الحيوية. في الاتجاه نفسه يمكن القول إن هذه النجاحات لم تخف كثيرا من السلبيات التي نجمت عن الطبيعة الانكماشية للإصلاحات المالية والإدارية مثل غلاء المعيشة والأسعار وتزايد نسبة البطالة وارتفاع معدلات الفقر بين السكان وانتشار الاختلالات الأمنية وعودة منابع الأمية، وتدهور مستوى التعليم بالقياس إلى الموازنة الفلكية المرصودة لها من خزانة الدولة بسبب وجود نظامين للتعليم أحدهما خاضع لسيطرة التجمع اليمني للإصلاح والآخر تابع للدولة. وبوسعنا القول أن الجوانب السلبية للتجربة الائتلافية الثالثة، لعبت دورا كبيرا ـــ من حيث لايشعر الحزبان المتحالفان أثناء وبعد حرب 1994م المشؤومة ـــ في تقاطع مسار تطور الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي مع ولادة محددات جديدة استدعت إزالة آثار تلك الحرب التي شوهت صورة الوحدة وأساءت الى معانيها العظيمة ، كمدخل لتعميق الميول الرامية لإعادة بناء السياسة وإصلاح الاقتصاد والتعليم وتنمية الموارد البشرية وإعلاء القيم الإنسانية وإدخال بنى ديمقراطية جديدة في هياكل الدولة والسلطة، وضبط الوضع الأمني وإعلاء سلطة القانون والاندماج في البيئتين الإقليمية والدولية. وبالنظر إلى الاختلافات الجوهرية بين محددات التجربة الائتلافية الثالثة ومحددات التجربتين الائتلافيتين الأولى والثانية التي كان الحزب الاشتراكي شريكا فيها، فقد أدت ولادة المحددات الجديدة لمسار تطور الوضع السياسي والاقتصادي اللاحق إلى تراجع مفاعيل حكومة المؤتمر والإصلاح، ثم جاءت نتائج انتخابات 1997 و2003م لتسدل الستار عليها.. ولتمهد الطريق في الوقت نفسه لتطبيق معايير الديمقراطية ومحدداتها التي تقتضي حق الحزب الذي يحصل على أغلبية مطلقة ، في تشكيل الحكومة التي تؤهله لتنفيذ برنامجه الانتخابي بأقل قدر من العوائق والمصاعب، والوفاء بالتزاماته إزاء ناخبيه الذين منحوه ثقتهم.. وهو ما يستدعي وقفة أخرى ـــ في مقال آخر ـــ أمام مسار التحالفات البراغماتية بين كل من حزب المؤتمر الشعبي العام وحزب التجمع اليمني للاصلاح ، والتي وصلت الى مرحلة الصدام العنيف وفك الارتباط ،منذ اندلاع الأزمة السياسية الراهنة في فبراير 2011م حتى الآن . [c1] صحيفة ( 26 سبتمبر)