الاهتمام بالمرأة وتعليمها يخفف من الفقر
أمين عبدالله إبراهيم:أدركت معظم الدول أن الفقر من المشكلات المركبة التي يصعب أن يقضي عليها النمو الاقتصادي في حد ذاته، وإنما يمكن القضاء على الفقر من خلال اتخاذ حزمة متكاملة من الإجراءات الفعالة والعملية.كما أدركت هذه الدول أيضاً أن جوهر سياسات إنقاص الفقر هو التركيز العالي المتزايد على زيادة رأس المال البشري أي النهوض بالتعليم والتدريب وخاصة التعليم الأساسي وكذا النهوض بالوضع الصحي والضمان الاجتماعي كوسيلة لتحفيز الاستخدام الفعال والمنتج لعنصر العمل والذي هو (أي رأس المال البشري) أكثر الأصول شيوعاً بين الفقراء.ووفقاً لتأكيدات خبراء الاقتصاد والسكان والتنمية فإن التعليم وخاصة تعليم الإناث يساعد على إنقاص الفقر من خلال تنشيط العوامل التي تزيد من قدرة الفقراء على توليد موارد للدخل ويشمل ذلك إنقاص الخصوبة ومعدل المواليد وتحسين الوضع الصحي وتوفير قدرة أعلى على اكتساب المعارف والمهارات إذ أن هذه العوامل تزيد من فرص الفقراء في الحصول على فرص عمل أفضل والمشاركة بشكل أفضل في عملية التنمية، كذلك فإن التعليم يمكن أن يكون محدداً أساسياً في توسيع مدى المساواة الاجتماعية وتقليص عملية التهميش والاستبعاد للفقراء من عملية التنمية.وبوجه عام يمكننا القول هنا إن غالبية الدول قد أولت قضايا التربية والتعليم والتدريب والشؤون الصحية والاجتماعية للمرأة وتوفير الحماية القانونية والسياسية لها اهتماماً خاصاً، حيث اهتمت الدول برفع المستوى الصحي وضبط معدلات النمو السكاني وتوفير الخدمات الصحية الأساسية للجميع والقضاء على التمييز ضد النساء في توفير الخدمات الصحية ولكن تظل المناطق الريفية والبدوية والأحياء الفقيرة تعاني من تدني الخدمات الصحية بها كماً وكيفاً.كما التزمت الدول العربية ومنها بلادنا بتحقيق الأهداف الدولية الخاصة بعمل الإناث ومعالجة التحيز المتعدد في مجالات العمل كمحدودية مشاركة النساء في العمل المدر للدخل وتركزهن في الأعمال التي تتطلب مهارات منخفضة وتدر دخلاً قليلاً.وقد حظيت المرأة العربية برعاية اجتماعية واهتمام بالغ وخاصة المرأة المعيلة لأسرتها أو لنفسها حيث صدرت العديد من قوانين الضمان الاجتماعي في الدول العربية والتي تكفل معاشاً شهرياً للمرأة الفقيرة يساعدها على تدبير معيشتها ويحول دون وقوعها في براثن الفقر.من جهة أخرى تعددت صيغ الآليات المستخدمة وإذا كانت وزارات الشؤون الاجتماعية والعمل والصحة والتعليم والخدمة المدنية قد تحملت الجانب الأكبر من المسؤوليات فإن هذا لم يمنع من إيكال بعض العناصر إلى أجهزة متخصصة كما هو الحال بالنسبة للصناديق الاجتماعية وفي معظم الأحيان نجد أن الدول قد أنشأت لجاناً وطنية لمتابعة مستوى تنفيذ مقررات مؤتمر بكين وخطة العمل العربية 2005م وتولي التنسيق بين الجانبين الحكومي وغير الحكومي.إن المرأة العربية تسير اليوم إلى الأمام خاصة بعد أن منح لها المزيد من الحقوق والمساواة واثبات الذات عن كفاءة وجدارة لكن ذلك لا يعني أنها في كل الدول العربية قد قطعت الشوط نفسه في سبيل تحقيق أهدافها فهناك اختلاف في المكتسبات حسب طبيعة بيئتها ومجتمعها، إلا أن الأكيد أن صوت المرأة العربية قد بات أكثر امتداداً وقوة عما كان عليه في الماضي كما أصبحت اليوم أكثر علماً وانخراطاً في الإنتاجية وفي الشأن العام وفي تقرير مصيرها ولكن الطريق أمامها لا يزال طويلاً وهناك العديد من التحديات التي ما زالت تواجهها والتي ترتبط ارتباطاً مباشراً بحال الفقر بمعناه الواسع.ويعد تأنيث الفقر مفهوماً حديثاً في الأدبيات وخاصة في الدول العربية فهو يدل على مدى حساسية المرأة للتغيرات الاقتصادية، وفي هذا الصدد أثبتت تجارب العديد من الدول أن مكافحة فقر المرأة تؤدي إلى رفاه المجتمع ككل ليس فقط لأن المرأة تشكل نصف المجتمع، ولكن لأنه قد ثبت أن الزيادة في دخل المرأة تؤدي إلى زيادة إنفاق الأسرة على التعليم والصحة والتغذية أكثر مما تؤدي إليه الزيادة في دخل وتغذية وصحة الأطفال أصدرت العديد من المؤتمرات العالمية مجموعة من الأهداف والسياسات والآليات للعمل على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية للحد من الفقر بين النساء بهدف القضاء على الفقر والعمل على إزالة أسبابه وتخفيف أثاره على المرأة في إطار التنمية الشاملة والقائمة على مبادئ منها الاعتماد على الذات وخاصة النساء المعيلات للأسر.ومن أهم المؤتمرات التي تبنت تلك الأهداف والسياسات المتعلقة بالمرأة المؤتمر الدولي للبيئة والتنمية المنعقد عام 1992م والمؤتمر الدولي للسكان والتنمية المنعقد بالقاهرة عام 1994م وقمة التنمية الاجتماعية بكوبنهاجن والمؤتمر العالمي الرابع للمرأة المنعقد في بكين عام 1995م وقد كان المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان خطا خطوة في الطريق الصحيح عندما أوضح أن حقوق المرأة كحقوق الإنسان وأن حقوق الإنسان يجب أن تكون شاملة ومستقلة وغير مرتبطة بنوع الجنس. أما مؤتمر القاهرة الدولي للسكان والتنمية فقد أكد أهمية تمكين المرأة لإنجاح أي سلبيات إنمائية وأن أحد أهداف المؤتمر هو تحسين نوعية الحياة للمجتمع ككل عن طريق سياسات وبرامج إنمائية وسكانية تهدف إلى الحد من الفقر، فيما أكد المؤتمر العالمي الرابع للمرأة أهمية مكافحة الفقر وإدراك أن الفقر بوصفه ظاهرة لا يجب أن يأخذ في الاعتبار المتغيرات الاقتصادية فقط ولكن المتغيرات الاجتماعية أيضاً وخاصة الأدوار الاجتماعية حسب النوع ومحدودية الوصول إلى الخدمات الصحية والتعليمية ونظم المساعدات الاجتماعية وأن أحد أسباب ونتائج فقر المرأة هو غياب المرأة عن عملية صنع القرار.وقد بات من الواضح اليوم وخاصة لدى المهتمين والمتابعين لشؤون وقضايا المرأة العربية أن معظم التشريعات، إن لم تكن جميعها، أصبحت تؤكد أهمية دعم وتعزيز قاعدة المساواة بين الجنسين حيث يجري العمل بجد لتدعيم تمتع المرأة بحقوقها كافة، كما أن هناك تنامياً واضحاً في عدد الدول العربية المنظمة إلى الاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز ضد المرأة حيث وصل عدد الدول التي صادقت عليها إلى 11 دولة عربية.وقد اتخذت تلك الدول وغيرها خطوات إيجابية باتجاه تمكين المرأة ودعم مكانتها إذ بادرت إلى استحداث آليات وطنية للمتابعة تكفل استيعاب المنظورات المتعلقة بتحقيق العدالة بين الجنسين في شتى القطاعات وارتبطت بالسلطة التنفيذية مثل وزارات المرأة والمجالس العليا والاتحادات المتخصصة، كما أنشأت معظم الدول لجاناً وطنية لمتابعة مقررات بكين (مقررات المؤتمر العالي الرابع للمرأة) وخطة العمل العربية 2005م كما قامت بصياغة الاستراتيجيات والخطط والبرامج الوطنية التي تعتمد على فلسفة التمكين لضمان وصول المرأة إلى العناصر الأساسية للتنمية وضمان الحقوق المتساوية.كما تم إنشاء منظمة المرأة العربية التي تهدف إلى الإسهام في تعزيز التعاون والتنسيق العربي المشترك في مجال تطوير وضع المرأة وتدعيم دورها في المجتمع وتعتبر منظمة المرأة العربية من أهم نتائج القمة العربية حيث أنها أول كيان رسمي يعمل على تحقيق تضامن المرأة العربية وتنسيق مواقفها في القضايا العربية والدولية كما تعمل المنظمة على تنمية الوعي بقضايا المرأة في المجال العربي والعالمي.كل تلك الإجراءات تشير بجلاء إلى وجود العديد من النجاحات والانجازات التي تحققت في مجال تمكين المرأة اقتصادياً واجتماعياً ويمكننا هنا تلخيص أهم وأبرز الانجازات التي تم تحقيقها في الدول العربية ومنها بلادنا استجابة لمقررات المؤتمر العالمي للسكان والتنمية المنعقد بالقاهرة عام 1994م والمؤتمر العالمي الرابع للمرأة المنعقد ببكين عام 1995م في الآتي:أصبح هناك اعتراف رسمي وحكومي واضح بأهمية دور المرأة وتعزيز مكانتها في كافة المجالات في معظم الدول العربية، كما تبلورت الإرادة السياسية في وضع المرأة على أجندة العمل السياسي وفي القرارات التي اتخذت لتمكين المرأة في مواقع اتخاذ القرار ثم العمل على تنفيذ استراتيجيات وطنية والتوجه نحو تعيين النساء في مواقع اتخاذ القرار، بالإضافة إلى إدخال منظور النوع الاجتماعي في خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية لعدد من الدول العربية وإدماج قضايا المرأة ضمن قطاعات الخطة، ولأول مرة يكون من الأهداف العامة للخطط التنموية الخمسية القضاء على الفجوة النوعية وخاصة في الأردن ومصر وتونس وفلسطين، كما اتخذت العديد من الخطوات باتجاه دعم وتعزيز مكانة المرأة والقضاء على الممارسات التمييزية ضدها عن طريق سن التشريعات ومراجعة القائم منها.ومن ضمن تلك الإنجازات أيضاً قيام جميع البلدان العربية ببذل جهود كبيرة نحو تطوير التعليم بشكل عام وتعليم المرأة بشكل خاص حيث خصصت لذلك موارد مالية عالية نسبياً تجاوزت أحياناً 5 % من إ نتاجها المحلي ونتيجة لذلك أخذت الفجوة تضيق بين الجنسين في مراحل التعليم الثلاث خصوصاً في بلدان مجلس التعاون الخليجي التي أنفقت أموالاً طائلة على تحديث التعليم.