ينطلق مخططو وممولو ومنفذو العمليات الإرهابية من أفكار متطرفة ومنغلقة يحاول أصحابها إضفاء وتلفيق قداسة دينية زائفة عليها بهدف الحصول على نوع من الشرعية واليقين، استنادا إلى منظومة فكرية تحث على الجهاد المقدس، وتهدي (المجاهدين) وعدا بالشهادة والجنة، ولذلك فانها توجب استخدام العنف لتحقيق هذه الغاية، وتبرر قتل المدنيين بزعم أن الأبرياء منهم سيبعثون على نياتهم يوم القيامة. وفي هذا السياق لا يضع مدبرو وممولو ومرتكبو هذه العمليات الإرهابية أي اعتبار لما ينجم عنها من ضحايا بشرية وكوارث بيئية وخسائر اقتصادية وتداعيات سياسية وأمنية تلحق الضرر الفادح بالمجتمعات والدول والعلاقات الدول ية والسلام العالمي.!! تعود جذور بعض هذه الافكار المتطرفة الى تاويلات فقهية متشددة لمفاهيم سياسية سلفية تتعلق بالحاكمية والجهاد والعلاقة بين دار الاسلام و دار الحرب، وهي تاويلات موروثة عن عهود مظلمة سادها الانقطاع الحضاري و الانغلاق والتشدد، وغابت عنها شمس الحضارة و هيمنت عليها القساوة و البداوة !! جانب اخر من هذه الافكار نشا على تربة ايديولوجيا الجهاد الافغاني التي جسدت مصالح سياسية لارادات دولية واقليمية مختلفة في ذروة الحرب الباردة بعد الغزو السوفييتي لافغانستان اواخر السبعينات . وكانت هذه الايديولوجيا الجهادية قد ولدت منذ البدء مشوهة اذ كانت مصالح القوى المتحالفة في الحرب ضد الوجود السوفييتي في افغانستان تقتضي احياء الافكار السلفية الاكثر تشددا وتزمتا وانغلاقا ، وفي مقدمتها تلك التي تتعلق بالتكفير والتفسيق والتبديع باعتبارها لازمة للتعبئة والحشد واثارة مشاعر الكراهية الدينية ضد الاتحاد السوفييتي وحلفائه في العالم العربي والاسلامي . زاد من تشوه هذه الايديولوجيا ان التخلف الشديد للبيئة القبلية الافغانية ساعد على اختلاط وتزاوج المفاهيم السلفية الموروثة عن الفقه البدوي المتشدد في عصور التراجع الحضاري والانغلاق، بالافكار التكفيرية الجهادية للجماعات الاسلامية الراديكالية التي استخدمت العنف والارهاب لمحاربة الحكومات العربية والاسلامية في العقود الثلاثة الاخيرة من القرن العشرين ، بذريعة انها تمثل طوائف ممتنعة عن تطبيق الشريعة الاسلامية، وما انطوت عليه تلك الافكار التكفيرية من اباحة محاربة اهل الشرك والبدع ، وقتل المدنيين والاطفال والنساء والشيوخ الذين تتمترس بهم الاجهزة المدنية والعسكرية للنظم التي تمتنع عن تطبيق الشريعة. وبعد انتهاء الحرب في افغانستان وانسحاب الجيش السوفييتي انتجت ايديولوجيا (الجهاد) المشوهة حروبا اهلية دامية بين الجماعات والفصائل الجهادية الافغانية ، وممارسات اجرامية الحقت ضررا جسيما بكرامة الانسان المسلم في افغانستان ، وشوهت صورة الدين الاسلامي تحت يافطة تطبيق الشريعة الاسلامية ، فيما واصلت الجماعات الجهادية التكفيرية ذات المنشا العربي والاسيوي حروبا جهادية عابرة الحدود والقارات ضد الحكومات والمجتمعات العربية والاسلامية بدعوى امتناعها عن تطبيق الشريعة ، وضد العالم باسره بدعوى الجهاد المقدس ضد فسطاط الكفر . !! على هذا الطريق توحدت هذه الجماعات في اطار (الجبهة الاسلامية العالمية لقتال اليهود والنصارى) ، وانشات جهازا خاصا مقاتلا باسم (القاعدة) لتحقيق اهداف الجبهة التي تتمثل في (اقامة الحاكمية ومحاربة انحرافات الامم الجاهلية مثل الاحزاب والنقابات والجمعيات النسائية والمصارف والموسيقى والتصوير والسينما والسفور والديمقراطية والانتخابات ، بذريعة انها كلها مخالفة لاجماع السلف والخلف) ، بحسب ما جاء في البيان التاسيسي الذي اصدرته هذه الجبهة في فبراير 1998م ، وكذلك ما تضمنته الكتب التثقيفية التي يتربى عليها مقاتلو تنظيم (القاعدة) ، وما احتوت عليه الوصية الاخيرة لقائد هذا التنظيم اسامة بن لادن، الذي كتبها بخط يده ومهرها بتوقيعه في نوفمبر الماضي 2001م. لاتقيم هذه الجماعات وزنا للحياة كقيمة انسانية وهبها الله للناس ، ولا تضع حدودا لساحات معاركها الجهادية ، ولا تعرف سقوفا للاهداف التي تسعى الى تحقيقها ، بدعوى ( ان الدين لا يجيز ان يبقى شبر على وجه الارض لا يحكمه الاسلام ، ولا يجيز في الوقت نفسه ان يبقى انسان بين البشر لا يدين بالاسلام ، فالله لم يرسل نبيه ( عليه الصلاة والسلام ) ليدعو ويبقى في مكانه ، بل قال له ولاتباعه : وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله ، فالصراع مستمر على هذا الاساس ، والمعركة قائمة لهذا الغرض ) ، بحسب ما جاء في كتاب (الحصاد المر) لايمن الظواهري، الرجل الثاني في قيادة الجبهة الاسلامية العالمية لقتال اليهود والنصارى . !! اما اخطر ما تتضمنه هذه التربية الفكرية التي تمتلئ بها كتب المتطرفين فهي الدعوة الى (تدمير واحراق كنائس النصارى واليهود و معابد المشركين واضرحة المبتدعين ، وعدم موالاة الافكار العلمانية مثل حرية الصحافة وانشاء الاحزاب، وهو ما يعني افساح المجال للمبتدعة المخالفين من اهل الفرق الضالة مثل الشيعة والمعتزلة والصوفية والاباضية واهل الراي الذين خالفوا اهل الحديث وخرجوا عن اجماع السلف .. فليس لهؤلاء عصمة في الدم والمال ، ولا تقبل شهادتهم ولا يصلى خلفهم ولا يؤخذ عنهم العلم ولا يُناكحون ولا يعطى لهم الحق في الراي .. فالمجاهدون مامورون بعداوة هؤلاء المبتدعين والتشريد بهم والتنكيل بمن انحاز الى جهتهم بالقتل فما دونه) !!!! شهدت بلادنا خلال السنوات الاخيرة عددا من الاعمال الارهابية التي وصلت ذروتها في اسقاط مدينتي زنجبار وجعار في محافظة ابين .. ولا ريب في ان هذه العمليات الارهابية اثبتت حقيقة مهمة لا يجوز تجاهلها ، وهي ان خلايا (القاعدة) الناشطة في اليمن هي جزء من منظومة قتالية ارهابية متعددة الجنسيات وعابرة الحدود تخطيطا وتمويلا وتنفيذا ، ما يؤدي الى اختراق سيادتنا الوطنية ، وتجاوز قوانيننا النافذة ، وتهديد امن واستقرار مجتمعنا ، والحاق الضرر بعلاقات بلادنا بالدول الاخرى ، ومصالحنا الاقتصادية الحيوية وفي مقدمتها القطاعات التي تضررت بشكل مباشر من الارهاب مثل الموانئ والملاحة البحرية والنفط والسياحة والشحن والاستيراد والتصدير . ثمة من يقول ان احزاب (اللقاء المشترك) تلجا الى العويل والتباكي والمزايدة على السيادة لدواع انتخابية صرفة ، اذ وجدت في التعاون اليمني - الاميركي لمكافحة الارهاب وجبة دسمة لتسمين خطابها السياسي والاعلامي الهزيل ، واستباق ضربة دعائية انتخابية مبكرة استعدادا للانتخابات البرلمانية القادمة ، بيد ان هزال الخطاب السياسي لاحزاب (اللقاء المشترك) بقدر ما يدل على تكلسها وشيخوختها وعقمها ، بقدر ما يفسر ادمانها على تعاطي الشعارات الشعبوية السهلة نتيجة اعاقتها المزمنة ، وعجزها عن التجدد المعرفي ، واصرارها على الاقامة الدائمة في الماضي . ربما لا تدرك احزاب (اللقاء المشترك) حقيقة ان مفهوم الامن تغير في عصرنا، ولم يعد مرتبطا بالقدرة على التصدي للعدوان من الخارج ومنع وقوعه، بعد ان اظهرت تجارب الدول المعاصرة ان هذا المفهوم لا يناسبها ، وان وتطوير جيوشها وزيادة تسليحها لا يؤديان بالضرورة الى زيادة الامن ، بل الى ردود فعل سلبية من قبل دول مجاورة ترى في ذلك التسلح تهديدا لامنها . . مع الاخذ بعين الاعتبار ان دولا كثيرة لا تستغني عن مبدا الاعتماد المتبادل من خلال تعاونها مع دول اخرى رغم امتلاكها جيوشا قوية واجهزة امنية واستخبارية متطورة !! ولذلك شهدت العلاقات الدولية المعاصرة ما يسمى بالاعتماد المتبادل بين الدول في المجالات الامنية ، وهو ما يقتضي تبادل المعلومات والخبرات والمساعدات الميدانية ، خصوصا في الظروف التي تستدعي محاصرة الكوارث الطبيعية والبيئية ، ومكافحة الارهاب والتهريب والجريمة المنظمة . من المفارقات المثيرة للدهشة ان بلادنا ليست وحدها التي تاخذ بمبدا الاعتماد المتبادل وهو مبدا معترف به في القانون الدولي ، اذ ان الكثير من دول الجوار الاقليمي والدول العربية والاسلامية ذهب الى ابعد مما ذهبت اليه الجمهورية اليمنية ، حيث اقدمت هذه الدول على تقديم تسهيلات حربية ( برا وجوا وبحرا) للولايات المتحدة الاميركية وغيرها من الدول الكبرى في مياهها واراضيها واجوائها السيادية .. وتصل هذه التسهيلات الى مستوى القواعد العسكرية الثابتة والمتحركة ذات التجهيزات المتطورة ، دون ان يعني ذلك تفريطا بالسيادة طالما وان التعاون يتم باتفاق مشترك وعلى اساس مبدا الاعتماد المتبادل . الثابت ان التعاون اليمني - الاميركي في المجال الامني لم يصل الى هذا المستوى الذي وصلت اليه بلدان مجاورة وبلدان عربية واسلامية اخرى ، بل انه لم يصل الى مستوى التعاون الامني والاستخباري الذي كان قائما بين الشطر الجنوبي قبل الوحدة والاتحاد السوفييتي ، اثناء حكم الحزب الاشتراكي اليمني الذي يتظاهر اليوم بالتباكي على السيادة الوطنية ، بسبب التعاون اليمني الاميركي في مجال مكافحة الارهاب ، ومعه بقية احزاب اللقاء المشترك. والمعروف ان الشطر الجنوبي الذي كان يحكمه الحزب الاشتراكي قبل الوحدة، استعان بقطعات بحرية متطورة من الاسطول الثالث عشر السوفييتي في المحيط الهندي لحراسة وحماية السواحل اليمنية الطويلة للشطر الجنوبي في البحر الاحمر والبحر العربي من مخاطر التهريب والتسلل والاختراق والتجسس والارهاب.. وقد حظيت القوات البحرية السوفييتية انذاك بتسهيلات عسكرية واستخبارية نوعية في المياه والاجواء الاقليمية اليمنية ، نظرا لضعف امكانات القوات البحرية والاجهزة الاستخبارية للشطر الجنوبي سابقا ، وعجزها عن توفير متطلبات حماية سواحله الجنوبية والشرقية الطويلة ، ما ادى الى ان تاخذ حكومة الحزب الاشتراكي اليمني قبل الوحدة بمبدا الاعتماد المتبادل . مما له دلالة عميقة ان الخلايا الارهابية التي تسللت الى بلادنا تضم ناشطين اجانب من جنسيات متعددة دخلوا البلاد او يقيمون فيها بطريقة غير قانونية، ويدين هؤلاء الناشطون بالولاء لقيادات سياسية من جنسيات متعددة في الخارج ترسم لهم الخطط وترسل اليهم الاموال والاوامر لانتهاك سيادتنا الوطنية و تنفيذ جرائم ارهابية في بلادنا.. والحال ان ما يقوم به هؤلاء الارهابيون يعتبر انتهاكا سافر السيادة الدولة على اراضيها ومياهها ، ما يستدعي التصدي له بحزم دفاعا عن السيادة والمصالح الوطنية العليا . صحيح ان الاستعانة بالمساعدة والخبرات الاميركية لملاحقة هؤلاء الارهابيين تستهدف بالاساس درء اي انتهاكات ارهابية اخرى للسيادة اليمنية .. لكن الاصح من ذلك انفضاح الخطاب الانتهازي لموقف احزاب (اللقاء المشترك) التي تتظاهر بالتباكي على السيادة بذريعة التعاون اليمني - الاميركي في مجال مكافحة الارهاب. لعل ما تقوم به هذه الاحزاب بهذا الشان لا يعدو ان يكون محاولة مفضوحة للتذاكي واخفاء هروبها المخزي والمشين من الوفاء بواجبها الوطني والديمقراطي والاخلاقي الذي يحتم عليها ادانة العنف والارهاب ، اذ تصر هذه الاحزاب على التعاطي مع خطاب اعلامي يتماهى مع الارهاب، واظهار مرتكبي الجرائم الارهابية في صورة الابطال والشهداء والمعتدى عليهم ، بالاضافة الى محاولة تحريض المجتمع ضد الدولة والحزب الحاكم بدعاوى الدفاع الزائف عن حقوق الانسان والحريات والديمقراطية ، بينما تتجاهل هذه الاحزاب علاقة الارهاب العضوية بالافكار المتطرفة ، وتمتنع عن نقد الاسس الفكرية لهذه الجماعات الارهابية التي تعادي الديمقراطية وتمتهن حقوق المراة ، وتصادر الحريات وحقوق الانسان وفي مقدمتها الحق المقدس في الحياة ، وتدعو الى (الغاء الاحزاب والنقابات وحرية الصحافة وحرية الفكر والتعبير بزعم انها من انحرافات الامم الجاهلية التي تخالف اجماع السلف والخلف)، الامر الذي يفضح المزايدات الانتهازية لاحزاب (اللقاء المشترك) حول الديمقراطية وحقوق الانسان ويفقدها اية مصداقية !! لم يعد للارهاب حدود جغرافية ثابتة منذ ان اصبح خطرا بامتياز يهدد كافة دول العالم، ويتربص بالحضارة الحديثة والاقتصاد العالمي . وتزداد خطورة الارهاب العابر للحدود والقارات في الظروف الراهنة ، بسبب انطلاقه من مرجعية فكرية متطرفة تؤمن بتقسيم العالم المعاصر الى دار للاسلام وآخرى للكفر ، ما يفسر تباهي اسامة بن لادن وايمن الظواهري حين دشنا معا بداية (المعركة الفاصلة بين فسطاط الاسلام وفسطاط الكفر) في احاديثهما المتلفزة ، ودعوتهما كافة المسلمين في جميع انحاء العالم الى (الجهاد الديني المقدس) ضد فسطاط الكفر، والقضاء على (انحرافات الامم الجاهلية) والمقصود بها قيم الحضارة الحديثة . بمقتضى هذه المرجعية الفكرية التي ترتدي طابع اليقين الايماني يوزع قادة تنظيم (القاعدة) على طريقة «الاكليروس» وعودا لمرتكبي الجرائم الارهابية بالجنة وحياة النعيم الابدي والفوز بالبنات الحور ، ويسرفون في مخاطبة لا وعي المغرر بهم من خلال الترويج للخرافات التي تزعم بان ملكوت الله يساندهم في جهادهم ، ويؤازرهم بخوارق وكرامات الملائكة التي تقاتل الى جانبهم ضد اعدء الله المفترضين !! يعود الخطاب الخرافي الجهادي الى ظروف حشد المتطوعين من العالم العربي و الاسلامي لمحاربة القوات السوفييتية في افغانستان ، وبهذا الصدد اشار الاكاديمي الباكستاني المعروف ، البروفيسور احمد رشيد مؤلف كتاب (TALBAN) الذي طبع بعدة لغات وبيعت منه ثلاثة ملايين نسخة ، الى وثيقة صادرة عن المخابرات المركزية الاميريكية ( CIA ) عام 1998 بررت فيها لجوءها الى التوسل بالخرافات المعادية للعقل ، بهدف تحفيز اكبرعدد ممكن من المتطوعين العرب والمسلمين للقتال تحت راية الجهاد ضد الاتحاد السوفييتي في افغانستان ، وتحويل وجهة الشباب العربي الى جهة بعيدة خارج الشرق الاوسط الذي كان يشهد موجات من المتطوعين العرب للقتال الى جانب منظمة التحرير الفلسطينية ضد القوات الاسرائيلية في شمال اسرائيل وجنوب لبنان ، وفيما بعد ضد الغزو الاسرائيلي للبقاع وبيروت ، والانزال الاميركي لقوات المارينز في ميناء (جونية) شرق بيروت اوائل الثمانينات ، حيث تزامنت هذه الاحداث مع بداية الحرب الاميركية الاولى في افغانستان بدماء واموال عربية واسلامية ضد الاتحاد السوفييتي الذي كان حليفا رئيسيا للثورة الفلسطينية والقضايا العربية انذاك .!! يحظى التعاون الدولي لمكافحة الارهاب بشرعية دولية غير مسبوقة .. فقد صدرت عدة قرارات ومعاهدات دولية في العقود الاربعة الاخيرة من القرن العشرين المنصرم، نصت على تقنين الجريمة الارهابية وحماية الشخصيات الدولية الاعتبارية للافراد والمباني والممتلكات والبواخر والطائرات والاموال، وتجريم القرصنة الجوية والبحرية واختطاف واحتجاز الرهائن ، وصياغة قواعد دولية لمحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم الجنس والتصفية العرقية باعتبارها اعمالا ارهابية ، بالاضافة الى مشروعية الرد الجماعي على الاعمال التي تهدد السلم والامن الدوليين.. واذا كان ثمة جديد في هذا الاجماع ، فهو نجاح الولايات المتحدة الاميركية في استثمار المناخ الدولي الغاضب في اعقاب احداث (سبتمبر) الارهابية الماساوية التي وقعت على اراضيها ، واستهدفت رموز القوة الاقتصادية والعسكرية فيها ، وابادت عدة الاف من مواطنيها خلال اقل من نصف ساعة . في هذا السياق انتزعت الولايات المتحدة الاميركية القرار الدولي رقم (1373) الصادر في 20 سبتمبر 2001 ، واصرت على ان يصدر مجلس الامن الدولي هذا القرار بموجب البند السابع من ميثاق الامم المتحدة الذي ينص على استخدام العقوبات الدولية ضد اي دولة تخالف احكام هذا القرار وبضمنها استخدام القوة . وقد نص هذا القرار صراحة على الزام كافة دول العالم بالتعاون في المجالات الامنية والاستخبارية والمصرفية والسياسية والمالية لمحاربة الارهاب وعدم تمكينه من الحصول على ملاذ امن ، وتجفيف منابعه وقطع مصادر تمويله.كما نجحت الولايات المتحدة بعد اقل من اسبوعين ، في انتزاع قرار دولي اخر ، وهو القرار رقم (1386) الصادر في مطلع اكتوبر 2001 ، والذي يعطيها الحق في الدفاع عن النفس والرد بصورة منفردة او بالتحالف مع دول صديقة على مصادر الارهاب الذي استهدفها في الحادي عشر من سبتمبر 2001 ، دون الرجوع الى مجلس الامن الدولي .. وبهذا القرار اضفت الولايات المتحدة شرعية دولية على الحرب التي شنتها ضد دولة (طالبان) ومعسكرات (القاعدة) في افغانستان بالتحالف مع دول اخرى ، بعد بضعة ايام معدودة من صدور القرار الاخير . !! ما من شك في ان اليمن شريك دولي في مكافحة الارهاب ، ولا تتحقق هذه الشراكة بمقتضى التضامن مع الدول والشعوب التي يستهدفها الارهاب فقط، بل ايضا بمقتضى ان بلادنا تعد واحدة من ضحايا الارهاب ، وسبق لها ان اكتوت بناره ، الامر الذي يجعل من مكافحة الارهاب في اليمن مهمة وطنية بالدرجة الاولى . وبقدر ما تكتسب مشاركة اليمن شرعية عربية بحكم التزام بلادنا بتنفيذ الاتفاقية العربية لمكافحة الارهاب التي وقع عليها وزراء الداخلية العرب بالاجماع عام 1998 ، والاتفاقيات الامنية الثنائية مع العديد من البلدان العربية الشقيقة ، بقدر ما تكتسب ايضا شرعية دولية بحكم التزام اليمن بتنفيذ قرارات الامم المتحدة بشان تقنين الجرائم الارهابية ، والردع الجماعي للاعمال التي تهدد السلم والامن الدوليين ، ومكافحة الارهاب وعدم تمكينه من الحصول على ملاذ آمن وتجفيف منابعه وقطع مصادر تمويله . من نافل القول ان مشاركة اليمن في الحرب على الارهاب تتم بغطاء الشرعية العربية والدولية الى جانب شرعية المصالح الوطنية العليا ، واذ تتجاهل احزاب (اللقاء المشترك) هذه الحقيقة، فانها تقدم دليلا اكيدا على افلاسها السياسي حين ترفض بغباء لا تحسد عليه ادانة الارهاب ، وتندد بمشاركة بلادنا في مكافحة الارهاب والتطرف ، كما يعد هذا التجاهل دليلا اضافيا على جهل هذه الاحزاب في قراءة واقع الحراك السياسي الداخلي والاقليمي والدولي ، وهو جهل ناتج عن مازق هذه الاحزاب المصابة بالشيخوخة والتحجر الفكري والتبلد الذهني ، وعدم قدرتها على تحديث برامجها وتجديد معارفها واعادة بناء فكرها السياسي وتاهيل نفسها للانخراط الفاعل في العملية الديمقراطية. هكذا يبدو الارهاب خطرا متعدد الابعاد وتبدو مكافحته ضرورة متعددة الابعاد ايضا.. ولما كان الارهاب الذي يمارسه تنظيم (القاعدة) ينطلق من مرجعية فكرية ملتبسة بالدين ، فاننا امام خطر ينطلق من ثقافة معادية للديمقراطية والتعددية والتنوع والتسامح ، فيما يستخدم العنف للتحريض على اثارة الحروب والصدامات بين الاديان والطوائف والمذاهب والحضارات والمجتمعات ، والاعتداء على اية مصالح او رموز مفترضة لاهل (الكفروالشرك والبدع)والموالين لهم ، وصولا الى القضاء على (مخالفات الامم الجاهلية واقامة الحاكمية). ولئن كان هذا التحدي الارهابي يهدد السيادة الوطنية واقتصاد البلاد ومصالح المجتمع، فان من شان التهاون معه وتجاهل الابعاد الخطيرة لمرجعيته الفكرية ووسائله واهدافه، ان يدمر السلام الاجتماعي والوحدة الوطنية، ويمهد الطريق لقلب نظام الحكم والقضاء على الديمقراطية التعددية، وفرض حكم شمولي استبدادي متخلف على غرار العديد من نماذج الدولة الدينية التي ابتلي بها العالم العربي والاسلامي في التاريخ القديم والحديث.[c1] عن / صحيفة ( 26 سبتمبر )[/c]
|
فكر
ما تيسر عن الأرهاب
أخبار متعلقة