أصبحنا اليوم لا نفكر إلا في أنفسنا ومصالحنا الأنانية والشخصية الضيقة وحارتنا الصغيرة وقبيلتنا الفلانية وعشيرتنا العلانية، وتقوقعنا في مناطقنا المحصورة وكأن نطاق تفكيرنا قد ضاق وانحصر فلم يعد يتسع للتفكير بوطن كبير اسمه الجمهورية اليمنية أو الوطن اليمني الكبير الذي هو بمثابة الأم التي يرجع إليها الأبناء لتضمهم في حضنها الدافئ الحنون.لقد اهتمت مناهج التربية والتعليم قبل وحدة الوطن بمادة الاجتماعيات التي تتكون من مواد التربية الوطنية والتاريخ والجغرافيا وأجبرت النشء على دراسة تلك المواد من مراحل الدراسة التمهيدية حتى المرحلة الثانوية من أجل توطيد علاقة الأجيال الصاعدة بوطنها وأرضها وان تكون تلك العلاقة متماسكة ومتجذرة فتنشأ الأجيال متسلحة بالحس الوطني ومتشربة بالولاء لليمن أرضاً وإنساناً بعد الولاء لله سبحانه وتعالى مالك الملك ذي الجلال والإكرام، ولكن يبدو أن إنسان هذا العصر في بلادنا لم يعد ذلك الإنسان الذي يؤمن بالمبادئ والأهداف الكبيرة والقيم الإنسانية الرفيعة - وأنا هنا لا أعمم - ولم تعد تجذبه أمثال كـ ( حب الوطن من الإيمان) لضعف الوازع الديني والأخلاقي وطغيان المصالح والأهواء الشخصية على المصلحة العليا للوطن والمصالح العامة للناس ، بل وصرنا نشاهد في حياتنا اليومية أناساً يحدثوننا عن الولاء للوطن ويسردون لنا أحسن الألفاظ والكلمات والجمل والعبارات حول الوطنية وتجدهم يعيثون في الأرض فساداً وخراباً وتدميراً داخل الوطن ويسرقون وينهبون ويتلفون الممتلكات العامة والخاص التي هي ملك الناس ويقتلون ويسفكون دماء أبناء جلدتهم ولا يراقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة، ويثيرون النعرت والنزعات القبلية ويدعون إلى الفرقة و الشقاق والفتنة بين أبناء الوطن الواحد وتمزيق الوطن الكبير اليمن الذي هو رمز القوة والعزة والمنعة والفخر لكل يمني يعتز بهويته اليمنية . إن الذي يفتقد للحس الوطني والقومي لا يهمه أن يستباح هذا الوطن أو أن يتطور ويزدهر ويعيش أهله في سعادة وهناء ورفاهية وأمن وأمان ولا يهمه إن عاد هذا الوطن إلى الخلف مئات السنين إلى عهود القبائل البدائية المتناحرة على بئر ماء او على ناقة أو جمل أو امرأة .. لقد بح صوت الإعلام وهو يردد عبر وسائله المختلفة الأغاني الحماسية والأناشيد الوطنية التي تمجد حب الأوطان وتعقد اللقاءات تلو اللقاءات والندوات المذكرة بالولاء الوطني وأهمية التضحية من أجل الأوطان ولكن لا حياة لمن تنادي، وقد أبدعت قرائح شعرائنا الأقحاح أروع القصائد في حب الوطن والتضحية في سبيله يرددها الكثير من الناس في مجالسهم العامة والخاصة وفي مقايلهم ولكن للأسف فإن تلك القصائد الحماسية والصادقة تدخل من أذن وتخرج من الأخرى دون أن تؤثر في أنفس سامعيها وكأن في آذان تلك الأنفس وقراً أو على قلوبها أغلفة.. فالذي يتحدث باسم الوطن والوطنية ويهمه أمر هذه البلاد ومستقبل أهلها نقول له المثل الشعبي “ الحب له دلائل .. والحب له ( مدكى) وله (مقايل) “ أي أن القول وحده لا يكفي دليلاً على صدق الحب إذ لا بد من أدلة وشواهد تثبت صحة الدعوى، قال الشاعر :والدعاوى ما لم تقيموا عليها بينات أبناؤها أدعياوكيف نصدق من يزعم حبه للوطن ويمنح نفسه حق الحديث عنه ونرى الخراب والدمار في كل مكان من أرجاء هذا الوطن الكبير من قبل أتباعه وجماعته وعصابته وحزبه وزمرته “كيف أصدقك وهذا أثر فأسك “ كما قال المثل العربي القديم !!وهل يدل كل ذلك الدمار والخراب والفساد على وطنية من يزعمون الانتماء لهذا الوطن الصابر عليهم والمحتسب.؟!.
أخبار متعلقة