في تقرير عن مستوى إنجاز أهداف التنمية الألفية
إعداد/ بشير الحزمي:أوضح تقرير حكومي أممي صادر عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في 2010م عن أهداف التنمية الألفية أن خطط واستراتيجيات التنمية في اليمن قد تبنت مجموعة من السياسات والبرامج الهادفة في مجملها إلى تحقيق التنمية والتخفيف من الفقر، وأنه نتيجة لذلك انخفضت نسبة الفقراء الذين يعيشون تحت خط الفقر الوطني من 40.1 % عام 1998م إلى 34.8 % عام 2005م، ورغم الانخفاض الظاهر في نسبة الفقراء تحت خط الفقر الوطني، فقد بقي عدد الفقراء ثابتاً عند حوالي 7 ملايين نسمة خلال تلك الفترة بسبب النمو السكاني المرتفع (3 %) الذي يمتص ثلاثة أرباع الزيادة السنوية في الاستهلاك الحقيقي البالغة 4 % تقريباً. مما يعني أن الزيادة الحقيقية في نصيب الفرد من الاستهلاك تصل إلى 1 %.وذكر التقرير أن تحقيق اليمن للهدف الأول من أهداف التنمية الألفية بحلول عام 2015م (القضاء على الفقر المدقع والجوع) يتطلب رفع معدل نمو الاستهلاك الحقيقي للفرد من 1 % إلى 4 % سنوياً وذلك أمر غير يسير خاصة في ظل توقعات تواضع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي خلال الفترة القادمة، ما يستوجب تبني السياسات والبرامج اللازمة لخفض النمو السكاني ورفع النمو الاقتصادي في آن واحد.ولفت التقرير إلى أنه في المناطق الريفية التي يعيش فيها 84 % من الفقراء، انخفضت نسبة الفقر بـ 2.4 نقطة فقط من 42.5 % عام 1998 إلى 40 % عام 2005م، في حين انخفضت تلك النسبة في الحضر بـ 11.6 نقطة مئوية خلال الفترة ذاتها من 32.3 % إلى 20.7 %.وتمثل حدة التفاوت الجغرافي لظاهرة الفقر في اليمن هماً كبيراً للحكومة، خاصة في ظل التشتت السكاني الواسع في أكثر من 133 ألف تجمع سكاني، الأمر الذي يصعب توفير الخدمات الأساسية وخاصة في المناطق الريفية، ويعود التباين في انخفاض نسبة الفقر بين الريف والحضر إلى أسباب عدة منها استفادة المناطق الحضرية بشكل أكبر من النمو الاقتصادي المدعوم بنمو قطاع الخدمات، مقابل تراجع دور القطاع الزراعي الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالفقراء في الريف. فقد انخفضت نسبة المشتغلين في قطاع الزراعة من 43.9 % عام 1999م إلى 31 % من إجمالي المشتغلين عام 2004م، ويرجع سبب ذلك بصورة رئيسية إلى الآثار السلبية للتغيرات المناخية ومنها تذبذب سقوط الأمطار ومحدودية فرص التمويل وانخفاض الإنتاجية في العمل الزراعي خاصة أنه بات قطاعاً تقليدياً لم يتطور إلى مستوى مواكبة الأساليب الحديثة في الإنتاج.وأشار تقرير اليمن 2010م إلى أن نتائج مسح ميزانية الأسرة 2005 ـ 2006م قد أظهرت تبايناً حاداً في عدد الفقراء على مستوى المحافظات، ويمكن إرجاع سبب ذلك جزئياً إلى التفاوت في توزيع ثمار التنمية بين المحافظات، وارتفاع عدد السكان في المحافظات الأشد فقراً وخاصة الذين يقطنون المناطق الريفية، فحوالي 45 % من إجمالي عدد الفقراء في اليمن يعيشون في المناطق الريفية لخمس محافظات هي: تعز، الحديدة، حجة، إب وعمران الأمر الذي يتطلب توجيه أولويات جهود التخفيف من الفقر نحو تلك المناطق الريفية وفقاً لخريطة الفقر وبالشكل الذي يتناسب مع خصائص تلك المناطق.وعلى صعيد توزيع الفقر وفق النوع الاجتماعي، يلاحظ عدم وجود شواهد إحصائية لظاهرة تأنيث الفقر في اليمن، فليس هنالك اختلاف كبير بين نسبة الفقر للأسر التي ترأسها نساء عن الأسر التي يرأسها رجال حيث تمثل الأسر التي ترأسها نساء 8 % فقط من إجمالي الأسر، وبلغ متوسط نسبة الواقعين في الفقر من الأسر التي ترأسها نساء 35 % مقابل 32 % من الأسر التي يرأسها رجال. ولا يعد هذا الفارق كبيراً من الناحية الإحصائية.وأوضح التقرير أن فجوة الفقر تعبر عن درجة بعد السكان عن خط الفقر إلى الأسفل، ويظهر تحليل تطور فجوة الفقر تحقيق تحسن في الاتجاه المطلوب وقد انخفضت فجوة الفقر من 10.7 % إلى 8.9 % عام 2005م.ويشير انخفاض هذه النسبة إلى تحسن نسبي في معيشة الفقراء وإن لم يؤدِ ذلك إلى خروجهم كلياً من دائرة الفقر.ومن الناحية النظرية فإن إخراج جميع الفقراء من حالة الفقر يتطلب سد فجوة الفقر بالكامل، أي الفجوة بين الإنفاق الفعلي للأسر الفقيرة ومستوى خط الفقر.وتقدر القيمة النقدية لفجوة الفقر هذه بمبلغ 124.4 مليار ريال سنوياً (أي ما يعادل 4 % من الناتج المحلي الإجمالي) إلا أنه يتوقع أن تكون هذه الفجوة قد اتسعت كثيراً بعد 2005م بسبب المستجدات المحلية والدولية التي تركت أثراً سلبياً على الوضع التنموي في اليمن.وعلى مستوى المحافظات أظهرت البيانات ارتفاع فجوة الفقر في كل من البيضاء، شبوة، مأرب وعمران وهي المحافظات التي تتسم بارتفاع نسبة الفقر في أريافها حيث أظهرت مؤشرات شدة الفقر 2005م أن شدة الفقر في الريف تمثل أربعة أضعاف قيمتها في الحضر، بينما سجلت محافظات المهرة، عدن، الأمانة وصعدة أقل النسب على مستوى الجمهورية.وفي ما يتعلق بتوزيع الدخل تبين نتائج مسح ميزانية الأسرة 2005 ـ 2006م أنه تحقق تحسن في مؤشر حصة خُمس السكان الأشد فقراً من الاستهلاك الوطني الذي وصل إلى 9.6 % من الإجمالي العام للإنفاق الاستهلاكي مقابل 8 % عام 1998م. ما يعني أن هذا المؤشر يتحسن باتجاه القيمة المستهدف الوصول إليها عام 2015م والبالغة 12 %.الجدير بالذكر أن بيانات عام 2005م تشير إلى أن نسبة التحسن في الريف تفوق مثيلتها في الحضر حيث بلغت (7.7 % ، 6.1 %) على التوالي، وتظهر نتائج مسح ميزانية الأسرة 2005 ـ 2006م أيضاً تباين توزيع الدخل حيث يستحوذ الخُمس ذو الدخل الأعلى على نسبة 38.5 % من إجمالي الإنفاق بينما لا يتحصل الخُمس ذو الدخل الأدنى إلا على 9.6 % أي أن نسبة القدرة على الإنفاق لذوي الدخل الأدنى إلى القدرة على الإنفاق لذوي الدخل الأعلى هي 4:1 ويظهر الفرق الكبير في توزيع الدخل في الحضر حيث لا يتحصل الخُمس ذو الدخل الأدنى إلا على 6.1 % بينما يتحصل الخُمس الأغنى في الحضر على 46.6 % من إجمالي الإنفاق، أي أن قدرة الفقراء على الإنفاق تقل عن قدرة الأغنياء بحوالي ثمانِي مرات (8:1) ويستلزم ذلك اتخاذ سياسات فعالة لضمان عدالة توزيع الدخل والحد من تفاوت توزيع الثروة.وفي ما يتعلق بنسبة السكان الذين لا يحصلون على الحد الأدنى لاستهلاك الطاقة الغذائية، أظهر التقرير أن نسبة السكان الذين يعيشون تحت مستوى خط فقر الغذاء انخفضت من حوالي 17.6 % عام 1998م إلى 12.5 عام 2005م. ويتضح من ذلك أن اليمن سيكون بإمكانها انجاز هذا الهدف إذا ما مضت بنفس الوتيرة السابقة، ومع ذلك فإن الارتفاعات في أسعار السلع الغذائية بسبب الأزمة الغذائية العالمية التي وصلت إلى مستويات قياسية هددت تلك الإنجازات وقوضت أثر الجهود الحثيثة للتخفيف من الفقر التي بذلت خلال الفترة السابقة ورغم انخفاض الأسعار العالمية منذ الربع الأخير لعام 2008م، إلا أن مشكلات السكان التغذوية تظل قائمة ويضاف إليها تحدي الأمن الغذائي على المستوى الكلي الذي يظل تحدياً كبيراً بالنظر إلى اعتماد اليمن الكبير في سد احتياجاته الغذائية على الخارج، حيث يتم استيراد حوالي 90 % من سلعة القمح الإستراتيجية و100 % من الاحتياجات الغذائية لسلعة الأرز، وفي ظل التراجع المستمر في القوة الشرائية للعملة المحلية بسبب استمرار انخفاض سعر صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية، فإن أسعار الأغذية تتزايد ما يؤدي إلى تدهور جودة النظم الغذائية للفقراء وبالتالي اتساع دائرة فقر الغذاء.[c1]تحديات رئيسية[/c]ولفت التقرير إلى أن اليمن تواجه العديد من التحديات التي تحد من قدرتها على تحقيق الهدف الأول من أهداف التنمية الألفية أبرزها ارتفاع معدل النمو السكاني (3 %) ما يزيد الضغوط على الخدمات الأساسية وسوق العمل، وكذلك التشتت السكاني الواسع في 133 ألف تجمع سكاني فضلاً عن صعوبة تضاريس بعض المناطق ما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف توفير الخدمات العامة فيها الأمر الذي يحد من إمكانية وصول الخدمات إلى التجمعات السكانية كافة، وضعف تنمية الموارد البشرية ومن ذلك اتساع الأمية إلى 45.3 % من السكان البالغين وانتشار عمالة الأطفال وارتفاع مستويات التسرب من التعليم، إضافة إلى محدودية توفر خدمات الرعاية الصحية للأم والطفل وخاصة في الأرياف ما ينعكس سلباً على معدلات الإنتاجية ومن ثم مستويات الدخل وأوضاع الفقر، وقصور خدمات البنية التحتية وأهمها تدني تغطية الطاقة الكهربائية إلى 42 % من السكان وإمدادات المياه في الشبكة العامة إلى 26% يضاف إلى ذلك محدودية شبكة الطرق الريفية ما يحرم السكان من أساسيات الحياة ويرفع تكاليفها ويجعل الكثير من المناطق شبه معزولة، وتفاوت مستويات الفقر جغرافياً وتركزه بشكل رئيسي في المناطق الريفية، وندرة الموارد المائية وتفاقم مشكلة القات وتنامي زراعته على حساب المحاصيل الأخرى واستهلاكه 23 % من الاستخدامات الزراعية للمياه فضلاً عن استحواذه على 9.3 % من إجمالي إنفاق الأسرة، وارتفاع فجوة الأمن الغذائي خاصة في ظل تدني إنتاجية القطاع الزراعي ومحدودية فرص تمويل وإقراض المنتجين الزراعيين والصيادين، ومحدودية تغطية شبكة الأمان الاجتماعي ومنها أن الإعانات النقدية المقدمة عبر صندوق الرعاية الاجتماعية لا تغطي سوى 14 % من الفقراء، فضلاً عن أنها لا تفي سوى بـ 4 % من قيمة خط الفقر عام 2005م، والتراجع الحاد والمستمر في إنتاج النفط الخام وفي حصة الحكومة منه التي تراجعت من 103 ملايين برميل عام 2000م إلى 59.5 مليون برميل عام 2009م.ويتوقع أن يستمر مسار الانخفاض في المستقبل ما يؤثر سلباً على استدامة المالية العامة ويضعف قدرة الدولة على تنفيذ برامج التنمية الريفية والتخفيف من الفقر. كما يؤدي إلى تراجع حصيلة الدولة من النقد الأجنبي ومن ثم تدهور سعر صرف العملة الوطنية وتصاعد معدلات التضخم وانخفاض القوة الشرائية للفقراء.[c1]تحديات مستجدة[/c]كما واجه الاقتصاد اليمني عدداً من الصدمات الداخلية والخارجية المتوقعة فرضت أعباء مالية على الاقتصاد جراء النفقات الإضافية ويتوقع أن تستمر آثار بعضها لسنوات قادمة ومنها أزمة الغذاء والأزمة المالية العالمية، والتغيرات المناخية التي أضرت باليمن كثيرا، والتحديات الأمنية.[c1]سياسات وبرامج[/c]وأوضح التقرير أن الحكومة اليمنية تتبنى ضمن خططها واستراتيجياتها الحالية والمستقبلية العديد من السياسات والبرامج التنموية الهادفة إلى التخفيف من الفقر وتوفير فرص العمل وتحسين مستويات الأمن الغذائي ومن أبرزها تكثيف برامج التوعية الإعلامية بالقضايا الغذائية وإعطاء أولوية للاستثمارات كثيفة العمالة في القطاعات الاقتصادية كافة، وتعزيز برامج شبكة الأمان الاجتماعي وتطوير أعمالها لتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية، وتوسيع آليات وبرامج التمويل للمشروعات الصغيرة للفقراء، وتنمية القدرات البشرية للفقراء، وتوسيع وتحسين نظام الإعانات النقدية المقدمة عبر صندوق الرعاية الاجتماعية، واستكمال إعداد وتنفيذ الإستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي في اليمن، ورفع مستوى الوعي بين السكان حول الآثار السلبية المترتبة على زراعة واستهلاك القات، ورفع كفاءة استخدام المياه لري المحاصيل واستغلال مياه الأمطار، وإنتاج البذور المحسنة والمقاومة للجفاف، والانتقال إلى نظام الحكم المحلي واسع الصلاحيات، ومراجعة السياسات الاقتصادية بما يعزز فاعليتها في الدفع بعجلة النمو الاقتصادي وتحسين مناخ الاستثمار والتركيز على تنمية المناطق الريفية وفقاً لخريطة الفقر، وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني والسعي إلى الاندماج في اقتصاديات دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي.