أطلعني أحد الأصدقاء على ما سمي بـ ( بيان علماء اليمن) «بشأن التطورات والأحداث الأخيرة في البلاد وانتقال السلطة دستورياً» مذيلاً بتوقيعات بعض مشايخ ووعاظ وخطباء المساجد وبعض المنتسبين لجماعة الإخوان المسلمين في بلادنا أو المحسوبين على حزب التجمع اليمني للإصلاح يتقدمهم توقيع شيخهم المثير للجدل في الفتاوى العصرية الزنداني وقد منحت تلك التوقيعات مضامين وأفكار ذلك البيان ثقة وأحقية شرعية يفتقر إليها ذلك البيان في ذاته والدليل أنه مذيل بتلك التوقيعات وكان يمكن الاكتفاء بذكر الأسماء أو بذكر رئيس جمعية العلماء مصدقاً بختم رئيس الجمعية فقط ولكن لأن عقلية المشايخ تعتمد على الثقة ولا تعتمد على البينة في معرفة الحق فقد جعلوا توقيعات الرجال حجة على الحق وهم الذين يخطئون ويصيبون، ومقياساً لمعرفة الحق مع أن الرجال يعرفون بالحق لا الحق يعرف بالرجال أو كما قال الامام علي رضي الله عنه (اعرف الحق تعرف أهله) لا العكس.عندما تقرأ أو تطلع على ذلك البيان لأول مرة أو تتلوه تلاوة عابرة لا تجد فيه شيئاً يلفت انتباهك ولكن عندما تقرؤه قراءة فاحصة وبإمعان وتفكر وتعرف مدلولاته السياسية ومراميه البعيدة تظهر لك ثغراته المتناقضة التي حاولت على عجل أن اسجل بعضها هنا في هذه المقالة القصيرة ..فمن هذه المخالفات أو الثغرات التي يضرب بعضها بعضاً :- أن البيان غير شرعي ولم يصدر عن جمعية علماء اليمن الشرعية وقد نفت جمعية علماء اليمن صلتها بهذا البيان واستنكرت ما فيه وما يهدف إليه كما استنكره العلامة محمد بن اسماعيل العمراني وتبرأ منه لأنهم تحايلوا للحصول على توقيعه وهو في حالة ضعف ووعكة صحية وأوهموه بأنه بيان خير ويدخل في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنه حق، ولكنه في حقيقته حق أريد به باطل.- أن هذا البيان يدعو الى لم شمل كل الأطراف في اليمن ولكنه في الحقيقة يدعو الى فتنة حين ينحاز الى طرف دون طرف ولم يذكر كم سقط شهداء من القوات المسلحة والأمن على أيدي جماعات إرهابية مسلحة وعناصر موتورة وكأن هؤلاء ليسوا من أبناء الجمهورية اليمنية وكأن دماءهم مثل الماء المهدور قتلوا هكذا وهم يؤدون واجبهم في حفظ الأمن وسيادة النظام والقانون و هيبة الدولة.- لا توجد في الشريعة ولا في الدين الإسلامي طبقة علماء ولا كهان ولا قساوسة ولا رهبان وإنما توجد فرقة تتفقه في الدين تصيب وتخطئ وتنذر قومها بالنصيحة والتناصح ولا تجبر أحداً على قبول اجتهادها بالقوة أو بالإكراه لأنه لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي. والبيان يبدو وكأنه يلزم الناس به كالكتاب المقدس.- لا الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ولا غيره يملك الحق في توجيه نصائحه ويأمر بتنحي رئيس دولة ذات سيادة بل الشعب هو الذي يملك الحق في بقاء رئيسه من عدمه.- ظهر البيان مضطرباً ولغته متخبطة عند الحديث عن حادثة محاولة اغتيال رئيس الجمهورية نتيجة الغموض والسرية التي اكتنفت وأحاطت هذه الحادثة الفظيعة.- الآيات القرآنية الكريمة التي ذكرها البيان حول موضوع «الحكم» يقصد منها القضاء والفصل بين المتخاصمين كما يحدث الآن في المحاكم الشرعية والتقاضي ولا يقصد منها الحكم السياسي وإدارة شؤون البلاد ولكن الموقعين على ذلك البيان لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث في التفاسير السلفية المعتمدة ليتأكدوا أن المقصود من كلمة الحكم في القرآن هو الفصل بين الخصوم أمام القاضي الشرعي قال الله تعالى : (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) لاحظ أخي القارئ اللبيب كلمة (شجر بينهم) وكلمة (مما قضيت) وهي من ألفاظ المحاكم والقضاء بين المتخاصمين..!!. البيان أهان ممثلي الشعب المنتخبين من قبل الشعب حين أشار الى أن من قام بتعديل الدستور ليس ممثلي الشعب بل الحاكم المستبد وفق رغباته وأهوائه.- يقول البيان: «العلماء المجتهدون هم الذين يرجع إليهم في بيان الدين وأحكامه» وكل من وقع في ذلك البيان وصفوا بأنهم علماء وهم في الحقيقة وعاظ وأئمة مساجد لم يصلوا بعد الى درجة الاجتهاد والاستنباط أو درجة الفتيا ومعظمهم اما مقلد لمذهب او تابع له وليس لهم كتب تذكر ولا يجوز للمقلد أن يفتي أو يجتهد إلا في إطار مذهبة فقط ترديداً لأقوال شيوخه مثل مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد والأوزاعي وابن تيمية الحنبلي والشوكاني وغيرهم من ملؤوا الدنيا ضجيجاً بعلمهم وأتباعهم وتقواهم وصدقهم مع الله ومع انفسهم ومع الناس.- البيان استنكر تعطيل مؤسسات الدولة عن القيام بمهامها وواجباتها ومسؤولياتها، وفي الوقت نفسه طالب بتعجيل رفع القوات الأمنية من المدن اليمنية ونقلها الى اماكن اخرى مناسبة وبعيدة عن المدن وكأن الموقعين على البيان يريدون من الأمن أن يحرس الصحراء القاحلة مثلاً لتحل محلهم عناصر مخربة قبلية تسيطر على مرافق الدولة وتنهبها وتقتل النفس التي حرم الله.- يدعو البيان الى دولة اسلامية حضارية شوروية معاصرة قائمة على العدل والعمل المؤسسي وحفظ الحقوق المشروعة، وفي الوقت نفسه يدعو البيان جميع قبائل اليمن شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً الى تكوين ائتلاف لقبائل اليمن ومجلس أعلى لهذه القبائل، ونعود الى زمن داحس والغبراء وحرب البسوس..!!.- لم يتطرق البيان الى محاسبة عصابة أولاد الأحمر الذين عاثوا في حي الحصبة فساداً واحرقوا الحرث والنسل والأخضر واليابس باسم قبيلة حاشد الأصيلة والوطنية.- طالب البيان ببقاء الاعتصامات السلمية في ساحاتها في الوقت الذي طلب البيان من نائب الرئيس القيام بمهامه الدستورية التي من ضمنها تهيئة الأجواء والظروف الآمنة والملائمة لإقامة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية فكيف سيتم له ذلك والفوضى تعم الساحات والميادين العامة؟ّ!.- دعا البيان الى نشره من قبل أطياف وشرائح المجتمع والعمل على تنفيذه وتطبيقه وهو بهذه الدعوة يكون قد صادر مسبقاً حق كل يمني سيحضر المؤتمر الوطني المزمع إقامته لاحقاً من أجل مناقشة كل مشاكل وقضايا البلاد والخروج بحلول ناجعة تنقذ البلاد من أزمتها.- في الأخير ذلك البيان غير متماسك بل مفكك ويضرب بعضه بعضاً وينطبق عليه قول الحكيم العليم :(ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) ولا يختلف عن البيانات السياسية لأمراء حركة طالبان في أفغانستان وليس في بلد الحكمة والإيمان.
أخبار متعلقة