لم يكن حوارا عاديا ذلك الذي أجرته قناة الـ(سي إن إن) الأمريكية مع الأخ عبد ربه منصور هادي - نائب رئيس الجمهورية - ففحوى الحوار وتفاصيله أماطت اللثام عن كثير من الأمور التي كانت بحاجة إلى إيضاح، وهي التي جرى تحريف بعضها وتزييف بعضها الآخر، وخلقت أقاويل متعددة نسج خيوطها من كانوا يمنون أنفسهم باستطاعتهم بالاصطياد في الماء العكر، خصوصا العلاقة المتينة التي تجمع فخامة الأخ رئيس الجمهورية بنائبه، وشريك دربه بعد إعادة تحقيق الوحدة المباركة.لقد أوضح الأخ النائب في ذلك الحوار كيف استطاعت اليمن تحقيق الوحدة في زمن كانت تتفكك فيه الدول ، وكيف استطاعت الوحدة المباركة اجتثاث هيمنة الحزب الواحد، وفتح المجال واسعاً أمام التعددية الحزبية بعد سنوات من الحكم الشمولي، وبيّن كيف استطاعت الديمقراطية اليمنية رغم حداثتها إقامة انتخابات رئاسية لأكثر من دورة إلى جانب انتخابات مجلس النواب والمجالس المحلية والمحافظين، ما مهد الطريق إلى أن يفهم الناس خطوات المسار الديمقراطي بغية ترسيخه عمليا على ارض الواقع، وكل ذلك يعد نقلة نوعية ما كان لها أن تتم لولا الرغبة الأكيدة من الأخ الرئيس في توسيع قاعدة الحكم عبر إشراك المجتمع في صناعة القرار وتنفيذه، من خلال تواجد 7000 منظمة مجتمع مدني لجميع فئات وشرائح المجتمع.لعل من ابرز ما تناوله الأخ نائب الرئيس دحضه لافتراءات البعض بأنه ليس من يقود البلاد في ظل غياب الأخ الرئيس شفاه الله وعافاه ، فبين انه من اتصل بالأشقاء في السعودية لترتيب نقل علاج المصابين، وكيف انه تواصل مع الجهات المختصة في أمريكا لإيفاد متخصصين للتحقيق فيما جرى بمسجد النهدين، وتواصله مع قيادة المعارضة للوصول إلى تهدئة وانسحاب القبائل من صنعاء وفتح الخطوط بين المحافظات، أليس في كل ما قاله الأخ النائب دليلاً واقعياً على ممارسته الفعلية لمهامه وفق ما يخوله الدستور، ونائب الرئيس أن لديه من الصلاحيات ما يجعله يوقع إي اتفاق نيابة عن الأخ الرئيس، فأي صلاحيات مفقودة يتباكون عليها إذا؟ .لعل الضربة القاضية التي نالها الذين مازال في نفوسهم مرض قول الأخ صراحة: إن قائد الحرس الجمهوري (نجل الرئيس) كغيره من القيادات العسكرية يتلقى الأوامر منه مباشرة، في نفي قاطع لشائعات المغرضين، وتأكيده على انه يقيم في مقر عمله بالحرس الجمهوري وان دار الرئاسة تقيم فيه أسرة الأخ الرئيس، وهم الذين قالوا عنهم كذبا وزورا أنهم قد غادروا البلاد في تشويه للحقائق ولخداع الناس، ولكن الناس عرفوا جيدا من أين يأتي الخداع .اعتقد جازما أن هذا الحوار سيفجر أزمة قوية داخل صفوف المراهنين على ثبات ووطنية الأخ النائب ، فقد كشف الأخ النائب كيف أن الاعتصامات السلمية من جميع الجهات هي مرفقة بسلاح جعل جانبا - إلى حين - وان المتقطعين للبترول والكهرباء يأتمرون بمن يدعون العمل السياسي نهارا ، ويساعدون على التخريب ليلاً، ولو كانت النية صادقة لتم الاتفاق في ظرف ثلاثة أيام كما قال الأخ النائب ولحلت الأزمة برمتها .صدق الأخ النائب حين أكد أن الأحزاب السياسية رأت في ما حدث في تونس ومصر فرصة للوصول إلى الحكم بطريقة جديدة، بعيدة عن حسابات الانتخابات ومدى قدرتهم على اجتياز عقبتها ، فالمعارضة رأت في الظروف العربية الراهنة مخرجا لها للانقضاض على السلطة تحت مبرر (الثورات العربية) مع أنها في الدول الأخرى كانت بعيدة عن أيدي الأحزاب كما هو حاصل في بلادنا .“الرئيس علي عبد الله صالح ليس جزءاً من المشكلة، بل هو عامل أساسي في التوازن السياسي داخل اليمن، هناك في اليمن عدة اتجاهات وعدة اختلافات سياسية وهو الوحيد الذي قدر خلال ثلاث وثلاثين سنة أن يتعامل مع كل هذه الاتجاهات والاختلافات، فالبديل لن يكون قادراً على أن يحل محله نظراً لتجربته في التعامل مع كل هذه الاختلافات، إذا كان هو جزءاً رئيسياً من المشكلة فهو جاهز لتقديم استقالته وقال أنا جاهز للخروج الآن لكن لن تتفق الأحزاب ولن تتفق الاتجاهات السياسية ولن تتفق الاتجاهات القبلية”، فمن أين للمعارضة أن تعي وتدرك أن الأخ الرئيس هو من يمسك بخيوط اللعبة السياسية وان أي حل لا يوافق عليه في نقل السلطة سلميا لا يمكن أن يحدث، ولو كان بيد المعرضة خيارات أخرى لما توانوا في استخدامها فقد فعلوا كل شيء ولم يحصلوا على شيء، لان تفكيرهم انحصر في اقتناص لحظة الوهن العربي فقط.سقوط بعض المحافظات وخروج مديرياتها عن السيطرة أمر ما كان ليتم لولا الانشقاق العسكري والتمرد القبلي وفوضى الشارع، كل ذلك قلص من هيبة الدولة التي سمحت في الأساس بذلك حين تنازلت عن صلاحياتها لبعض الأفراد، وهو ما جعلهم يتمادون عليها، ويخلقون البلبلة ويزعزعون الاستقرار، لأنهم يدركون أن الحال لو ظل هادئا ولم يتم استثارة الناس، وسلكوا المسالك الدستورية لن ينالوا شيئا، فما يجمعهم ليس عملا سياسيا بقدر ما هو عداء لشخص الرئيس وإسقاطه على الوطن بأكمله.ما نأمله هو أن يمد الجميع أيديهم للأخ نائب الرئيس للخروج من هذه الأزمة السياسية بانتخابات مبكرة، فالرجل يجمع عليه الكل ، فلماذا لا يكون جسرا للتواصل من أجل التغلب على ما نحن فيه طالما وهو شخصية محترمة من جميع الأطراف، بعيدا عن التشكيك ولي الأذرع ، والتذرع بما هو اوهن من خيط العنكبوت ، فالأرضية الآن مهيأة للبدء بأي حوار والمضي فيه قدما ليتمكن الأخ الرئيس حال عودته سالما بإذن الله من إتمامه، لان ما يحدث لا بد له من نهاية فبعد ستة أشهر يجب أن يكون الجميع قد أدركوا أن الحل ليس بالانقلاب ولا بالعنف ولكن بالتوافق تحت سقف محبة الوطن والسعي للحفاظ على أمنه ووحدته واستقراره.[c1]*باحث دكتوراه بالجزائر[/c]
أخبار متعلقة