غضون
* ثوار من أجل التغيير والديمقراطية المدنية.. هكذا يسمون أنفسهم بينما مثقفوهم والناطقون باسمهم يقولون نقيض ذلك تماماً عندما يشعرون بأي استفزاز في طروحات ناقدي هذه الظاهرة الثورية التي تفتقر إلى الرشد وصفات الثورية الحقيقية.فهم اليوم يتعاملون مع الناقدين أو أصحاب وجهة النظر الأخرى المخالفة كأعداء للثورة، ويتوعدون من الآن أنهم سوف يحاكمون أعداء الثورة هؤلاء، وقد وضعوا قوائم بأسماء أصحاب الرأي المخالف الذين ستتم محاكمتهم بعد نجاح الثورة، إنهم في زمن الديمقراطية يتوعدون مخالفيهم بالرأي أن مستقبلهم أسود، وهؤلاء هم في الحقيقة يبشرون بالاستبداد الذي سيكون بديلاً للديمقراطية، وإلا ماذا يعني هذا التهديد والوعيد. وعلى أي حال هذه هي إحدى المثالب الكبرى لهذه التي يسمونها ثورة تغيير والتي ظلت ولا تزال موضوعاً للنقد من قبل أصحاب الرأي الآخر، والذين يطلقون عليهم “أعداء الثورة”!* وما سبق يدل دلالة واضحة أن هؤلاء شموليون لا يعترفون بالتعدد الفكري ولا بحق الآخر في التعبير عن وجهة نظره، وهذه الشمولية تعكس الدور الطاغي لأصحاب الأيديولوجيات الأحادية والجامدة وفي مقدمة ذلك دور الإصلاحيين بشقيهم الإخواني والسلفي الذين يتوهمون أن ما يقولونه شرع وما يصدر عنهم دين لا يأتيه الباطل.. وهؤلاء هم المستفيدون بالدرجة الأولى من هذه التي تسمى ثورة شبابية أو ثورة تغيير،و لذلك يقمعون من يتعرض لها بمجرد النقد، وقد كبحوا النقد الداخلي حتى، حيث يطالبون شركاءهم بغض الطرف عن “عيون الثورة” في هذه المرحلة حتى لا يشق الصف حسب قولهم، وتأجيل الانتقادات إلى ما بعد نجاح الثورة.. وبالطبع لن يكون هناك نقداً في ظل الاستبداد الذي يبشرون به من الآن.* إن الذين يتوعدون بمحاكمة أصحاب الرأي الآخر بوصفهم “أعداء الثورة” ويشنون من الآن حرباً نفسية عليهم عن طريق التشهير ووضع “القوائم” هم صحفيون وكتاب وبعضهم أكاديميون قد صنفوا أنفسهم ثواراً وأنصار ثورة ومنحوا أنفسهم الحق في قول كل شيء وأي شيء، فيما صنفوا نقاد هذه المسماة ثورة في خانة الخصوم المطلوب إسكاتهم وإن لم يسكتوا فهم أعداء سيتوجب محاكمتهم.. وهذا يؤكد أن هؤلاء الشموليين الذين يشكون من الاستبداد شكوى متكلفة سيكونون المستبدين الجدد، ولذلك يجب على المؤمنين بالديمقراطية وحق الإنسان في التفكير الحر والتعبير عن الرأي أن يقاوموا الشموليين بلا هوادة، ويكشفوا هذه الشمولية والنزعات الاستبدادية.* إن المثقف الحقيقي يجب أن يكون مخلصاً لما يؤمن به إذا كان يؤمن مثلاً بحرية التفكير وحرية الرأي ويخاصم الاستبداد.. فالذي يؤمن بحرية التفكير وحرية الرأي مثلاً لا يمكنه ممارسة غير ذلك تجاه الآخر.. ولأن هؤلاء شموليون يصعب عليهم الالتزام بهذه الحقوق على طول الخط.