في رأيي الشخصي ان الحكومات العربية أكثر استيعابا للديمقراطية من المعارضة مع اعترافي بان هناك حبا للسلطة لا يمكن نكرانه، لكن الحكومات العربية استوعبت الديمقراطية بشكل مقبول على الأقل في مجال حرية الكلمة واحترام حقوق الإنسان، هذا اذا عدنا للخلف وفهمنا الأساليب الدكتاتورية التي كانت تحكم جميع الأقطار العربية، ففي الماضي كان الهمس او الوشوشة بكلمة واحدة ضد النظام تهمة جسيمة وخيانة وطنية تودي بحياة من يهمس بها.أما اليوم فاننا نسمع ونرى ونقرأ في كل يوم السب والشتائم والقذف وكل ما يتعدى الحرية التي كفلتها الديمقراطية، ومع هذا لم نسمع بانه قد تم عقاب المسيء، وهذا في نظري ميزة للأنظمة العربية تحسب لها، وأنا لا أقول هنا اننا نمارس الديمقراطية بحذافيرها، لكن لا يمكن لاحد ان ينكر اننا نعيش هامشا ديمقراطيا مقبولا، نستطيع من خلاله ان نعبر عن آرائنا بحرية دون حسيب او رقيب.ففي اليمن مثلا وباعتباري من أعضاء لجان الاقتراع في عدة عمليات انتخابية، لا يمكنني الا ان أقول ان ما نمارسه هو ديمقراطية حقيقية وشفافة، على الأقل على مستوى الاقتراع، وذلك لوجود مندوبين لكل حزب وكل مرشح وهو ما يجعل التزوير مستحيلا.فلماذا لا نتعاون لتطوير الديمقراطية في الجوانب الأخرى اذا كان هناك قصور؟ ولماذا تلجأ المعارضة إلى الشارع والفوضى والانقلابات طالما ان هناك طريقة ديمقراطية للوصول إلى السلطة؟.نعم اننا لم نصل بعد إلى الديمقراطية الكاملة التي وصلت اليها البلدان المتطورة الكبرى، لكن هذه الدول كافحت كثيرا لتصل اليها، ويجب علينا ان نتعاضد ونكافح لكي نعمل على تطوير ديمقراطيتنا، ناهيك عن اننا يجب الا نتراجع عن الخيار الديمقراطي ونعود إلى عقلية الثورات والانقلابات، حتى لا نحول الديمقراطية من انجاز إلى كارثة تتسبب بانهيار اليمن.ان العقلية التي يفكر بها قادة المشترك اليوم هي تلك العقلية الشمولية والثورية الانقلابية التي رزحت الأقطار العربية تحتها طيلة القرون الماضية، والتي جعلتنا نتخلف عن ركب الحضارة العالمية.انني هنا لا انكر حب الحكومات العربية للسلطة، فهذه سمة عربية منذ تولي معاوية الخلافة، إضافة إلى ان حب السلطة من سمات البشر، وهذا لا يعني الحكومات فقط، بل ان المعارضة نفسها أكثر حبا للسلطة وأكثر تشبثا بها، فالوجوه التي تحكم المعارضة اليوم هي تلك الوجوه القديمة التي نعرفها منذ ايام الإمامة، فلماذا اذن نلوم الحكومات في حبها للسلطة رغم انها تستقبل دماء جديدة فيها في كل مرحلة في حين ان المعارضة لا تسمح بذلك، ومازالت محكومة بعقلية الإمامة والشمولية، اننا لا ننكر حق المعارضة في الطموح للوصول إلى السلطة، لكننا نرفض ان تصل اليها عبر الفوضى والانقلابات، كما اننا نرفض استغلال آلام الناس ومعيشتهم لإدخالهم في دوامة العنف وزعزعة استقرار وطنهم للوصول إلى السلطة.ان من يراقب أساليب المعارضة اليوم سيصل إلى قناعة بانها تعمل للوصول إلى السلطة ولو على جماجم البسطاء والا لماذا ركبت ثورة الشباب ناسية او متناسية ان هناك طرقا ديمقراطية للوصول إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع الحر والمباشر.ان اللجوء إلى الشارع دليل على ان عقلية تلك الأحزاب متخلفة وغير ديمقراطية، كما ان ذلك دليل على عجزها في الانتخابات، ويبدو انها قد وصلت إلى مرحلة اليأس بعد ان خسرت المنازلة الانتخابية عدة مرات، أمام فخامة الرئيس علي عبدالله صالح، لذلك لجأت إلى الطعن في نزاهة الانتخابات لمرات متكررة، وعندما لم تجد آذانا مصغية لأكاذيبها ودعاويها، أظهرت عقليتها الحقيقية التي لا تعرف من الديمقراطية الا الشتم والسب والقذف والزور والبهتان، فمن من القراء الأعزاء قرأ او سمع من صحف المعارضة او قادتها اعترافا بايجابية من ايجابيات علي عبدالله صالح ونظامه على كثرتها، بل انها تنكر كل شيء ولا تعترف بحق وتسود كل شيء وتحقد على كل صفحة بيضاء من صفحات النظام، وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على ان هذه العقول عمياء لا ترى أي شيء إضافة إلى انها غير عابئة بالوطن والشعب، وما يهمها فقط هو الوصول إلى السلطة، وكيف لنا ان نسمح بان تحكمنا عقلية لا ترى الحق الا معها ومن لم يكن معها فهو ضدها، ثم ان على المعارضة اذا ما أرادت التغيير ان تغير قياداتها القديمة اولا، وان تسمح للشباب بالوصول إلى رأسها من أجل ان تتطور بدماء ديمقراطية جديدة، حتى لا تقبع بصورة دائمة تحت العقليات المتحجرة التي ترفض الديمقراطية.ختاما أقول ان الشعب اليمني بكامله مع التغيير للأفضل، وليس مع العودة إلى عقليات الإمامة والكهنوت، وأي تغيير لابد أن يكون بطريقة ديمقراطية، فطريقة الفوضى والانقلابات مرفوضة.ومن يختار غير الديمقراطية للوصول لا يمكنه ان يدعي الديمقراطية، واذا ما أرادت المعارضة ان يصدقها الشعب فعليها ان تتراجع عن الفوضى، واذا كانت هناك شوائب بقانون الانتخابات فان إصلاحها لا يمكن ان يتم الا عبر الحوار، اما ان تسلم السلطة للأقلية فهذا بحد ذاته جريمة بحق الشعب.
الديمقراطية وعقلية الانقلابيين
أخبار متعلقة