الحوار هو الوسيلة الإنسانية الحضارية بين الأطراف المتنازعة حول مصالح معينة أو قضايا محددة.. ومن يرفض هذا الحوار اليوم معناه أنه لايقدر قيمة مبدأ الشورى أو الديمقراطية القائمة على لغة الحوار والتفاهم السلمي كقيمة راقية بين الشعوب والقبائل والأمم، ومن يرفض لغة الحوار اليوم سيلجأ في المستقبل إلى أساليب القمع والاستبداد والطغيان والديكتاتورية والتطرف التي تحد من حريات الشعوب وتهدر وتهين آدمية الإنسان وكرامته وحقوقه. أما اللجوء إلى لغة القوة والعنف والتمرد والحرب وإشعال فتيل الفتنة فإنها طريقة مدمرة ليس فيها منتصر أو مهزوم لأن الجميع سيتضرر وكلهم أبناء وطن واحد، وبعد أن تسيل الدماء حتى تصل إلى (الركب) سيجد الفرقاء أنفسهم في الأخير على طاولة الحوار ولكن بعد فوات الأوان وبعد خراب مالطا. فالذي يقدم نفسه ممثلاً للشعب والمجتمع مستقبلاً على أنه صاحب قضية، وأن نضاله هو نضال سلمي، لا يلجأ إلى وسائل غير مشروعة هدفها الفساد والإفساد وإهلاك الحرث والنسل وقطع الطرقات وإخافة الآمنين وتعطيل مصالحهم كما تفعل الجماعات الإرهابية والعصابات المسلحة التي لاترقب في مؤمن إلاً ولا ذمة، وليس لديها هدف محدد أو برنامج تنموي أو تنويري مستقبلي يخدم الوطن والمواطن أو إستراتيجية تنقذ البلاد وتعمل على حل أزماتها المتفاقمة. إن منطق (السيف أصدق أنباء من الكتب في حده الحد بين الجد واللعب) لم يعد يجدي هذه الأيام فلغة الحوار الهادئ هي السبيل الأمثل الذي يحقن الدماء ويحفظ الأرواح ويبث الأمن والطمأنينة ويعمق الثقة بين كافة الأطراف المختلفة. إن مجرد القبول بأي مبادرة سلمية ومتوازنة لحل الأزمة الراهنة في بلادنا معناه أن أسباب التنافر والشقاق والتنازع قد بدأت تنقشع وأن بوادر عودة الثقة المتبادلة بين الأطراف المتنازعة قد دنت واقتربت وارتفعت العقول وتسامت فوق المصالح الضيقة وجعلت مصالح البلاد فوق كل اعتبار وهنا يظهر من يدعي الإخلاص للوطن ومن هو غيور على مصالح المجتمع، فما الداعي إلى التوقيع على هذه المبادرة في غرف متباعدة وأين هي الثقة التي نتحدث عنها مادامت الأطراف المختلفة قد وقعت على تلك المبادرة؟!.. إن لغة الحوار مقدمة على لغة الفوضى والخراب والدمار والفساد ولغة الغاب وغياب الحكمة اليمانية ومن حق أي إنسان أن يحتج ويعترض ويعبر بأي طريقة سلمية وحضارية مشروعة دون الإضرار بمصالح الناس أو إتلاف الممتلكات العامة والخاصة أو السعي إلى إغلاق باب الحوار السلمي الهادئ وتكريس لغة العقل والمنطق التي دعت إليها الشريعة السمحاء والدين القويم فقد ورد في القرآن الكريم قول الله سبحانه وتعالى: (فإن جنحوا للسلم فاجنح لها ) وقوله عز من قائل: ( وكفى الله المؤمنين شر القتال ) أما من يسعى إلى تمزيق لحمة المجتمع وبث سموم الفرقة والانقسام بين الناس ويتمنى الدمار والخراب ومنظر الدماء فهو إنسان غير سوي ولا يدل سلوكه هذا على سلوك مؤمن موحد يحب الخير للآخرين بل يدل على سلوك إنسان أناني وفاسق شعاره أنا ومن ورائي الطوفان ويشبه أسلافنا الكفار الذين طلبوا من ربهم أن يباعد بين أسفارهم فاستجاب لهم ومزقهم شر ممزق حتى قالت العرب: ( تفرقت أيدي سبأ ). أما المؤمن الموحد فهو متوحد مع الآخرين ويحب المحبة والألفة، وإصلاح ذات البين ويحب الخير للجميع .