نبض القلم
يحكى أنه كان في بلدة صياد ولوع بصيد الطيور، وذات مرة وقع في شراكه (حجل) أعجبه فاستبقاه حياً، ورباه في بيته، وصار يلازمه في حله وترحاله، يسير وراءه حيثما ذهب، ونشأت بين الحجل وصاحبه صداقة ومحبة، فكان الحجل إذا رأى أحداً يتعرض لصاحبه بأذى أو يمسه بسوء يثب إليه ليقاتله دفاعاً عن صاحبه. وكان الصياد يأخذ معه الحجل كلما خرج إلى الصيد، وذلك للإيقاع ببقية الحجلات، حيث كان يستعين بذلك الحجل لتضليل الحجلات الأخرى التي كانت تنخدع بصوت الحجل فتخرج من مخابئها أسراباً فتسقط في حبائل الصياد المنصوبة، فطارت شهرة الحجل في البلدة، وتناقل الناس أخباره، صار حديث الناس في المجالس والبيوت.وأتفق أن زار البلدة حاكمها للإطلاع على أحوالها، وحل مشكلات أهلها، وهناك سمع بحكاية الحجل الغريبة تروى، فتاقت نفسه إلى رؤيته، ومازال يسعى حتى تعرف إلى صاحبه، ودعاه للخروج معه ليصيد الحجلات، ومازالا يسيران حتى بلغا جبلاً تكثر فيه الحجلات فنصب الصياد الحبائل، وأخرج الحجل من قفصه، وأطلقه، فجعل الحجل يصول ويجول ويهدل، فقال الحاكم للصياد: ماذا يقول هذا الحجل؟ فأجابه الصياد: إنه يدعو الحجلات للخروج من مخابئها إلى هذه البقعة، وما هي إلا لحظات حتى أخذت جموع الحجل تتهافت على البقعة، وعندها يسهل على الصياد اصطيادها، لأنها من غير أن تدري تسقط في شراك الصياد، وعندها تشرق أسرة الصياد ابتهاجاً بهذا الظفر المبين، فالتفت الصياد إلى الحاكم فرآه مغموماً ومهموماً، فقال له: مالك يا سيدي؟ كنت أظنك ستسر لمرأى الحجل وهو يستدرج بصوته الحجلات الأخرى إلى هذا الشرك الذي نصبته لها، فلولا عملية التضليل التي قام بها الحجل مع بني جنسه، ما استطعت أن اصطاد واحدة منها، ولولا انجرارها وراءه، لما تمكنت من اصطياد هذه الأعداد الوفيرة من الحجلات.فتعجب الحاكم من فعل ذلك الحجل، والتفت إليه الصياد قائلاً: لا تعجب يا سيدي من فعل هذا الحجل الذي تحركه غريزته لفعل ذلك، وإنما العجب كل العجب ما يفعله بعض الساسة في بلدنا، ألا تراهم يضللون الناس بشعارات رنانة جوفاء، ويستدرجون العامة بمقولات زائفة، ويخدعونهم بأخبار كاذبة، حتى يصدقوهم فيندفعون إلى التجمهر والاعتصام، فيخرجون من بيوتهم إلى حيث يتم قتلهم أو احتجازهم ومساءلتهم، في حين يبقى المحرضون لهم في منأى عن المساءلة، وبعيدين عن الشبهة، بعد أن يكونوا قد حققوا أهدافهم في اضطراب الأمن وإثارة الفتنة، ألا ترى يا سيدي بأن هناك وجه شبه بين ما يفعله هذا الحجل الذي يخون بني جنسه، وبين ما يفعله بعض الساسة في بلادنا.* الحجل: جمعه حجلات، طائر بري يؤكل لحمه، ويجيد التخفي لكونه غير قادر على التحليق في الجو. [c1]*خطيب جامع الهاشمي بالشيخ عثمان [/c]