مخطئ من يعتقد أن الطلاب في مختلف المراحل الدراسية بمنأى عما يحدث في الوطن من أزمة سياسية ،جعلت عقارب الساعة تتوقف عند كل شيء ايجابي ، ولا تدور إلا في نقل الأخبار المزعجة ، والمحملة بقتل وحرق وهدم ، حتى أضحت أيامنا وليالينا لا تمر فيها ساعة إلا ونسمع ما يحرق القلب ويدمع العين ويزيد الحسرة.هذا هو بالطبع حال جميع اليمنيين بلا استثناء ، ولكنه بالتحديد حال أكثر من خمسة ملايين تلميذ وتلميذة في المراحل الدراسية (من أولى ابتدائي حتى ثالثة ثانوي) ، والى جوارهم عشرات الآلاف من طلاب الجامعات والمعاهد في ربوع الوطن ، ومع هؤلاء طلاب اليمن في المهجر وهم بالآلاف فيما يقارب الأربعين دولة على اختلاف أصقاع الدنيا .وان تباعدت المسافات واختلفت أوقات الزمن إلا أن ما وحد طلاب الداخل والخارج في هذه السنة السوداء عليهم جميعا من أولى ابتدائي إلى آخر مراحل الدكتوراه ، أنه لا هم لهم إلا ما يحدث في الوطن ، وتركيزهم ينحصر فيما تبثه وتتناقله الفضائيات ، ونهارهم اسود كليلهم، من جراء ما يجري بين المتنازعين سياسيا داخل يمننا الحبيب .لي تواصل دائم مع طلاب في تونس ومصر والصين وماليزيا وروسيا وكندا والمغرب، وكثيرا ما نتواصل لنتبادل الأخبار ، مع أن تلك الأخبار لا تسر حبيبا ولا عدواً ولكن هذا هو حال أبناء البلد الواحد وان تباعدت بينهم المسافات ، والنتيجة أن الكل يشكو بان الوضع الدراسي له ولأبنائه حاله سيئ ، لان الانتباه هو لما يحدث هناك في الساحات ، كلما اراد احدنا أن يفتح كتابا ليقرأه يجد بين سطوره دماء تسيل ، وحرائق تستعر ، وأحاديث لسياسيين في الفضائيات يوجعون القلب .كيف لا تكون سنة سوداء على طلابنا في الداخل وهم ممنوعون من الذهاب للمدارس تحت مبررات الترهيب والترغيب ، وان ذهبوا فسيجدونها خاوية على عروشها، فالمعلمون فضلوا الشوارع على الفصول ، وأقحموا السياسة في التعليم والغوا من أذهانهم واهتماماتهم شيئاً اسمه طالب .الشيء ذاته ينطبق على الجامعات ، فأبوابها مغلقة ، وطلابها أضحوا يفتشون أساتذتهم ، ويسائلونهم بدل أن كانوا يجيبون أسئلتهم ، وأساتذة نذروا أنفسهم للمكوث خارج أسوار الجامعة ، وأصبحوا خاضعين حتى لمن لا يقرأ أو يكتب ، مع أن الثورة الحقيقية في تعليم هؤلاء ، لنمحو الأمية لا لان نزيد الجهل بإقفالنا بوابات التعليم .أما طلاب الخارج فأجسادهم هناك أما أرواحهم فهي في كل منطقة يمنية ينحدر منها أي طالب ، فهذا مشغول على أمه وأبيه ، وآخر على زوجته وأطفاله ، وغيره على أهله وأصدقائه ، الكل منشغل باله ، لا يسلو وان بادل الآخرين الابتسامة ، فهي تخفي الحزن لما يجري والخوف من مصير مجهول ، حتى إن الأساتذة أصبحوا يراعون الحالة النفسية التي يمر بها طلاب اليمن في المهجر ، وقد تملك الخوف جميع الطلاب من ألا تصل منحهم في أوقاتها المعتادة تحت ذريعة الأوضاع في الداخل ، ولكن حرص وزارة التعليم العالي والجامعات كان في المستوى، وهو ما لاقى ارتياحا كبيرا لدى الطلاب.ما يحدث في الداخل من انقسامات بين شباب الوطن، تتكرر مشاهده في الخارج فهذا مع وذاك ضد ، هؤلاء يخرجون مؤيدين للشرعية الدستورية وأولئك مع شباب التغيير ، حتى أن الحزبية المقيتة التي ابتلينا بنتائجها السلبية في الداخل ، أنتجت إفرازاتها الاسوأ في الخارج ، فهذا مع المؤتمر وذلك مع (المشترك) ، وآخر مع الاتحاد، وكل منهم يرمي الآخر باتهامات شتى ، مع أن الحزبية من وجهة نظري الخاصة يجب أن نتركها قبل أن نصعد سلم الطائرة ، فنحن في الخارج طلاب علم ، أما الأحزاب والمتحزبون فمكانهم في الداخل فقط .إن الكيانات الحزبية والانتماءات لطرف ضد آخر في طلاب الخارج ينبغي ألا تكون موجودة على الإطلاق، فالجميع ينبغي أن يكونوا متساوين في الحقوق والواجبات، يجمعهم عامل مشترك ألا وهو الحصول على الشهادة العلمية والعودة الى خدمة الوطن ، أما من يشتغلون في العمل الحزبي من الطلاب ، فبعضهم إن لم نقل أكثرهم يدعون دراستهم جانبا ويتفرغون للمكايدات فقط ، وان جعلوا ذلك تحت مسمى اتحادات طلابية.رسالة نوجهها للأساتذة والمعلمين وللطلاب والتلاميذ وبينهم جميعا نون النسوة ، نحن لا نمنعكم عن حقكم في التعبير والاعتصام ، ولكن كيف ننهى عن فساد يقودنا إلى فساد اشد ، تستطيعون أن تعتصموا بعد أن تنهوا واجباتكم التعليمية ، فمن يدرس بعد الظهر يعتصم صباحا ،ومن يدرس صباحا يعتصم ظهرا ، ثم فلتشتركوا إن شئتم سويا في الاعتصام ليلا ، فالاعتصام هو تعبير سلمي لرسالة تودون إيصالها ، وقد وصلت ورغباتكم في التغيير ستتم وفق اطر دستورية ومن دون إخلال بالأمن ومصادرة للحقوق .احتفلنا قبل أيام بعيد العلم والمعلم ،وهذه الأيام بعيد العمال ، فهل أعطينا هذه المهن النبيلة حقها ، هل أدينا واجبها ونحن منقطعون عن التعليم لأكثر من نصف عام، إذا كان المفسدون يأخذون ثروتنا بالحرام ، فهل نشترك معهم بأخذ الرواتب من دون أن نعمل ، لنشترك معهم في الفساد الذي نحاربه، ونساهم في إلغاء سنة دراسية من قاموس طلابنا .وزارة التربية والتعليم أعلنت عن مواعيد الامتحانات النهائية ، ولست اعلم على أي مقياس سيتم التعامل مع التلاميذ ، فهناك محافظات لم يدرس فيها التلاميذ شيئا ، وكيف سيتم مساواتهم مع الآخرين و خصوصا في الشهادات ، المسألة تحتاج إلى اعتراف جدي من وزارة التربية والتعليم بان هذا العام ذهب سدى ،وبالتالي ينبغي البحث عن معالجة لهذا الخلل ، وعلينا ألا ندفن رؤوسنا في الرمل حين ننادي بامتحانات نهائية ، وكأنها سنة عادية كبقية السنوات ، كيف تكون عادية وشطر التلاميذ لم يتعلموا شيئا والشطر الآخر في حالة نفسية لا تسمح له بأن يفقه ما تعلم إن كان قد تعلم فعلا ، وأخيرا نقول إن ذنب هؤلاء التلاميذ في رقاب من يمتنعون عن التعليم تحت أي مسميات كانت، وفي رقبة الحكومة التي عجزت عن تطبيق القانون ضدهم . [c1]*باحث دكتوراه بالجزائر[email protected][/c]
سنة سوداء لطلاب الداخل والخارج
أخبار متعلقة