أضواء
بعض العرب نتيجة للكبت بكل صنوفه، وحروفه، وسقوفه، فإنهم يؤخذون جداً باللون الفاقع، فينساقون تباعاً، ويفرحون بما يتحقق نتيجة الإطاحة بنظام وإحلال نظام جديد بديلاً له.. وهذا ما يغرق السفن الوطنية في مياه ضحلة قد تتسلل من خلالها أسماك بأنياب ذات أطراف مسننة تعيد الأمور إلى مربعها الأول، “وكأنك يا بو زيد ما غزيت”.. فرحة بالتغيير، وبهجة بالانتقام من أنظمة فاسدة ينسى المهرولون باتجاه التعديل ناموس الكون، وأن هذه الأنظمة التي قيل عنها فاسدة ومستبدة لم تأتِ من فراغ ولم تنزل من الفضاء، وإنما هي إفراز من إفرازات المجتمع.وكيف ما تكونوا يولَّ عليكم، وإذا لم يتغير المجتمع من داخله، وأن تغيير ثقافة الكل أهم بكثير من تغيير جسد نظام ما.. وإيمان المجتمع بثقافة الانفتاح على الآخر والتصالح مع النفس أولاً هما الأساسان اللذان يغيران من مضمون إلى آخر ومن وجه إلى وجه أكثر حداثة وجمالاً.سمعت أحدهم يقول لو أطحنا بهذا الطاغية سوف نحاكمه وسوف نقطعه إرباً إرباً، هو وعائلته وحاشيته ومن ينتمون إلى عهده، فشعرت بالرعب على وطن سيحكمه أفراد يحملون جينات “الطاغي” نفسها ويتأزرون بالقيم نفسها التي كان الطاغية يكنها لشعبه، إذن ما الذي سيُغير غير الوجوه، ما دامت الثقافة الجمعية تشرب من الوعاء نفسه وتتزود من المشارب نفسها التي وقفت دونها في مواجهة الزعيم.لم أسمع أحداً يقول لو انتصرنا على الطاغية سنمارس سياسة عفا الله عما سلف، وسنبني بلادنا من جديد، على ثقافة التصالح وسوف ننشر قيم المحبة والوفاء للوطن ليعيش الجميع معافى من درن الأحقاد والطائفية والمذهبية والقبلية، لم أسمع مثل هذا الكلام، وهذا ما يعزز الخوف على مجتمعات لم تفهم بعد كيف تتفوق على نفسها وكيف ترتفع بنفسها عن التيارات القديمة، وكيف تهزم كراهيتها للآخر حتى وإن فعل ما فعل؛ لأن تكرار الفعل نفسه يجعل من الأمور تقف عند محورها الأول بكل سواده، وغيه، وعبثه. ما تحتاجه مجتمعاتنا اليوم تغيير في الثقافة العامة، وإعادة صياغة وترتيب المشاعر على أسس المحبة وتهذيب الذهنية على مبادئ التسامح والحرص على بناء الوطن لا الاحتراق في تنانير الكراهية.. ما تحتاجه مجتمعاتنا هو هذا النهر العظيم الذي يجب أن يشرب منه الجميع، نهر الحب، ونسيان الماضي، حتى لا يعيد التاريخ نفسه، وحتى لا تصبح المراحل حبات مسبحة تشبه بعضها.. ما تحتاج إليه صناعة جديدة، لواقع جديد يزيح الالتباس النفسي، وينتصر على “البارانويا” المرعب، ويهزم بقايا حروب داحس والغبراء، ويرسم لوحة تشكيلية واقعية تتناسب مع متطلبات المرحلة، وحاجة الناس إلى تغليب العقل والمنطق.[c1]*عن صحيفة ( الاتحاد ) الإماراتية [/c]