أضواء
يكاد الاحتساب لدينا ينحصر في صورة مجموعة أشخاص من مطلقي اللحى ومقصري الثياب يقومون بمطاردة النساء والتضييق عليهن، وتفحص لباسهن وطريقة مشيهن وشمشمة عطورهن، وقذفهن بأبشع وأقذع الألفاظ الخارجة عن حدود الذوق والأدب، ولن يجد هؤلاء المحتسبون الصغار مجالا للاحتساب أكثر ثراء وخصوبة من المرأة وشؤونها، فكل من لم يستطع التميز دراسيا أو وظيفيا أو فكريا من فئة الأحداث أو الشباب المراهقين، وكل من يعاني من تهميش المجتمع له، وكل من يريد لفت انتباه الآخرين لشخصه.. يلجأ للاحتساب بطريقة غوغائية همجية تجاه المرأة، فيبدأ بالبحث عن أماكن تواجد النساء والتغلغل فيما بينهن بعيون طائرة وأفواه فاغرة تلاحق كل مظان الفتنة المتخيلة في هذا الجسد المسكين الذي أرهقته كثرة الأعباء والأغلال، حتى تحول هذا النوع من الاحتساب إلى هوس، ومرض نفسي يحاول التمدد والاستشراء ما أمكن، وله شعار واحد موجه للنساء (ليت ربي ماخلقكن) فكل منهم يشعر أن المرأة خلقت ليبتلى هو بها ويسأل عن سيئاتها، فبدأ المهووسون بالسؤال والاستفتاء عن كل صغيرة وكبيرة في المرأة والبحث عن حكمها لتكون مجالا احتسابيا آخر يضاف للقائمة، ومن يقرأ بعض هذه الاستفتاءات والردود عليها لا يملك إلا أن يضحك أو أن يشعر بالشفقة على هذه العقول المريضة أو المهووسة، فسؤال عن حكم وضع المرأة (سير) الحقيبة على الكتف فوق العباءة، لأنه يفصل جزءا من الكتف وجزءا من الصدر والظهر، وسؤال عن حكم صلاة المرأة بالماكياج والبنطلون، وسؤال عن حكم تعلم المرأة للعلوم الدنيوية (وكأنهم لا يريدون تعليمها إلا العلوم الأخروية من موت وعقاب وعذاب)، وسؤال عن حكم متابعة المرأة للمسلسلات العربية (تحديدا). حتى وصل الأمر إلى السؤال عن حكم دفن الرجل والمرأة في قبر واحد في الظروف الاستثنائية كالحروب، والطريف في الأمر أن الفتوى تقول لا يجوز. فيجب عدم الاختلاط حتى بعد الموت (تحسبا لعودة أحدهما للحياة بعد الدفن على ما يبدو) وبعض العلماء أجازها بعد أن يقام بينهما حاجز من تراب. ولا أعلم إلى متى سيبقى هذا الهوس بالمرأة وقضاياها وشؤونها من حجب وتغطية وسفور وزينة؟ وإلى متى سيستمر هؤلاء في تشويه صورتنا أمام العالم؟ يجب الأخذ على يد هؤلاء وتنظيم عملية الاحتساب، وإعداد الدورات التدريبية والتأهيلية لكل شخص يرغب في الاحتساب، لا أن يترك لهم الحبل على الغارب دون عقاب رادع.