- رحيل الرئيس لم يعد مشكلة لغالبية اليمنيين ، حتى التحالفات الإقليمية و الدولية أكدت أنها لا تعترض قرار الوضع الداخلي، والرئيس نفسه وافق على الرحيل في نهاية العام الحالي . بيد أن هناك مشكلاً رئيسياً يخلفه تيار (الآن) و هو التيار المطالب بالخلع الفوري ، نتائجه سقوط الديمقراطية كأول حدث ينفجر في وجوه الشباب المتطلعين للحرية الكاملة والعدالة الصافية ..!!.- مسارات التحرك الموالي أو المعارض تتوقف عند كثافة الحشود الهائلة التي تباهى بها الطرفان كما حدث في جمعة الرحيل أوصلاة التسامح ، عندها تجمدت الأحاديث عن العقل ، و برزت القوة كتكتل موازٍ في وجه الآخر ، لم يكن على شباب التغيير القبول بإعادة إنتاج نظام قبلي ونفوذ عسكري وهيمنة حزبية تنشد التصحيح بإزالة رأس واحدة و إبقاء معالم الطريق بقدر الاتساخ السابق، واستنساخ ديناصورات الفساد مجددا، إلا أنهم لم يخلقوا توجههم بصورة عادلة، فكيف يمكن تبرير احتفالهم برموز فاسدة وكريهة و هم يعتقدون أن انضمامها لساحتهم المؤذية لأهالي الأحياء المجاورة لاعتصامهم فرصة للنيل من النظام!!.- الحقائق على الأرض تدحض اعتقادهم وتبدد تطلعاتهم التي سحقها النفوذ الطاغي لقادة الأحزاب و ناطقيهم ، فالرئيس أستقبل في جمعة التسامح التي دعا إليها ملايين من أنصار الاستقرار و مؤيدي الدستور والشرعية، و رغم أنه كان متسامحا بالنسبة لبقية فترته الرئاسية و مضطرا لقبول مبادرة من نوع آخر طرحها أحد وزرائه المقربين في مطلع الأزمة الممتدة إلا أنه أبدى مرونة هائلة لاحتواء الغضب المتدفق إلى الشوارع، مستفيدا من رجاله الذين تساقط بعضهم و تجلد آخرون في مواجهة الرهاب الإعلامي الذي شكل (تسونامي) الاستقالات، و هدد بالسقوط المدوي للنظام المهترئ في صنعاء .- لا أخاف الآن على شيء قدر ما تقدمه معلومات و تفاصيل الأخبار القادمة من أنحاء متفرقة من الوطن المحتقن عن سقوط بعض المحافظات بأيدي التمرد الديني المتعصب، أوهي على طريق السقوط بزعامة المنفلتين من قبائل النظام الذين تربوا في مطبخه المأزوم، وشكلوا تيارات متناحرة فيما بينهم، تربطهم بالقانون شعرة “معاوية” وبمجرد تهتك هذا الخيط الرفيع تمسك الانتهازيون بمبدأ النهب والفوضى، وبأنانية التملك، لم يعر أحدا اهتمامه بالوطن، وبالمستقبل، وأراد لنفسه ما لم يرده لأبناء شعبه المنقسمين على حالهم وعلى سخطهم الذي ينتهي بهم جميعا إلى نفق الجحيم المظلم، وفي قعر بركان خامد كان هؤلاء الفاسدون وقود ثوران حممه التي لا تبقي و لا تذر .ما الحل إذا: قبل يومين كانت (الجمعة)، وكان المدد الشعبي المتقاطر من أنحاء اليمن ينذر بمزيد من الانسداد السياسي، وتوقف العقل، و المنطق، إيذانا بإستعراض العضلات، و بإستقواء كل طرف على الآخر.. وجحيم المستقبل يتسع باتساع أفواه المتطلعين إلى حكم متطرف على جماجم الأبرياء، وأرواح الضحايا، و رياح الفتنة الضارية.- كان كل نتاج الحكم المختلط مجموعة من الأفاعي التي خرجت من جلباب السلطة إلى شوارع المعارضة لتذكي نار مصالحها الباكية على شهداء التغيير، و كان المشهد أكثر درامية من سابقه ، اعتقد قادة المعارضة أن الدماء المسفوحة على بوابة جامعة صنعاء تعبد طريقهم المحموم لنيل السلطة من رداء العسكر الطويل، تدافعت الاستقالات بصورة عشوائية، كان البكاء عاطفيا و الأزمة مشتعلة والدم الحار مسيطرا على قلوب الملايين، خرج الرئيس ليقول للشعب: لست أنا ، و لكنني مسؤول عما حدث..!!.- بكاء الأرامل خنق مبادرات السلطة، وعويل الأيتام أجهش رجال النظام فأخلوا مسؤوليتهم من تحمل ذمة الموت المقلقة. غابت الحكمة، و تدفق الحنين إلى الشوارع. كان النظام مستعدا للسقوط، وأصبح المرتدون عن فخامته خصوما يلوذون بالبراء من أفعال لا يريدون أن يشار إليهم في مطلعها أو نهايتها، فاندفعت الرموز المسخوط عليها لتسرق الأحلام، وأدرك الحالمون أن هذه الإعتصامات لا تقود إلى ثورة، فقد تداعت جغرافيا مختلفة من خارطة الوطن. وهاهم مسؤولون تاريخيا عن فساد المحافظات، و إرهاب بعضها الذي ينتظر فرصة الاقتناص لإقامة الخلافة الإسلامية المزعومة، و أفغنة اليمن. وتحقيقه مصدر التطرف الديني المدمر .لا يعتقد الشباب أنهم في منأى عن التهام القوى التقليدية اليمنية لمطالبهم، فهم أول من يكتوي بنار السقوط والتشرذم و لن يكون لدمائهم التي يقدمونها قربانا بطوليا لتحقيق تغييرهم أي أثر حقيقي مع تمزق النظام ، فكل ما يتوارد من الجوف و مأرب وصعدة وعدن وأبين وغيرهن يشرع لفوضى حقيقية تلتهم كل الساحات و جل الميادين .. و تغزو في أولها مناطق التكتل السكاني و المدن و الأحياء حتى يعوز المرء الأمان فيبدأ في تحقيقه لنفسه، ويذود عن حماه بقوة السلاح، وبرعب يولد طاقات الفوضى الكامنة، و يتيح للقبائل المسلحة جيدا فرض حالة الطوارئ على ما أمكنها من مساحات جغرافية. و يبدأ تجزيء المجزأ وتفتيت المفتت .. !!.بلى.. نحن حالة فريدة.. لسنا “تونس” أو “مصر”، فكل الملايين التي خرجت من جحورها ، و دورها ، و منازلها في جمعتين مضادتين.. أكرر مجددا أنها لن تحدد مسار الأيام و الأسابيع المقبلة إلا بمزيد من الحشد والتكتل و الاصطفاف المناوئ لبعض. وليس ثمة ضوء يلوح في نهاية هذا النفق الساخط إلا بإفراغ العقول و الصدور من عنادها و كبرها و غرورها، والقبول بالطاولة المستديرة على أساس تفاوضي لا يلغي حق الآخر في الوصول بالوطن إلى حالة الاستقرار، والهدوء.. فالقبيلة التي تتزعم اليوم حشد التغيير، و القبيلة المضادة التي تكبر في السبعين أحالتا السلطة والمعارضة إلى صندوقين هائلين لاستقبال نتائج التصويت لصالحهما ، كأننا في برنامج هواة.. يسعى طرف إلى الفوز على الآخر وفق ما يقرره برنامج حساب الرسائل المتهافتة من كل حدب و صوب.لا نريد الضياع في ركام الرسائل .. و لا الموت اختناقا بين كثافة الحشود الهائلة.. ولا حساب الدقائق و الساعات لفرج التنازلات التي يقدمها الرئيس وحده، و تصر المعارضة على استئذان شيخها الملتحي فترفض لرفضه.. و يستمر الاحتقان. لقد تعبنا.. مللنا.. سئمنا منكم جميعا.. من فساد السلطة و قبح المشترك.. من تمدد الاعتصام الذي يخنق أحياء سكنية جديدة.. ومن نفور البعض عن بعضهم.. كلنا ينهش في لحم أخيه حيا و ميتا.. الريف أصبح رديفا لمدنية الاعتصام.. التخلف في مواجهة التطرف.. التحرير في مواجهة التغيير.. القومية في مواجهة الأممية.. المسلم في مواجهة القاعدة.. الفتنة في خندق الاستقالات.. الهروب في زمن الردة.. الفرقة في مواجهة الحرس .. رجال الدين في فتوى تناقض فتوى العلماء.. تاجر السلاح يغتصب مدينة السلام .. من يجرؤ على الكلام!!.عدن : تنهب في غياب الأمن. أبين : تسحل في كمائن القاعدة .مأرب : تشتعل خلف آبار البترول .شبوة : تصطرع في جبال العولقي .الجوف : تئن في حضرة الفوضى .صعدة : تسقط في يد السفاح .حضرموت : تصارع الكراهية .الضالع : تصاغ في زمن العنف .صنعاء : تحتبس في شوارع التغيير والتحرير.عمران : تصطبغ بالدم (الأحمر).ذمار : تنزف مع شهدائها و تقاوم اعتصامها.ماذا تبقى لنا ؟! .. إنه الحلم الذي لا يغادرنا.. المرض الذي ينهش أجسادنا .. التمزق الذي يلتئم و لا ينفك يمزقنا.. عودوا إلى الحوار.. أو أرحلوا جميعكم.. ليس الذي يفرقكم يفرقنا .. ولكن الذي يجمعكم يجمعنا .. نحن ننتظر عودة العقل من إجازته الطويلة .. وما زلنا ننتظر..!!و إلى لقاء يتجدد
ما زلنا ننـتـظر..!!
أخبار متعلقة