لقرون طويلة ولظروف تاريخية وسياسية متشابكة ومعقدة حدث تحريف كبير لمسألة الخلاف والاختلاف في عالمنا العربي والإسلامي، فظهر عندنا فقهاء وعلماء على مر العصور قننوا وكرسوا ظاهرة كراهية الاختلاف والحوار مع الآخر المختلف أيا كان سبب الاختلاف، حيث لا يجوز - كما قالوا - التحاور مع المختلف عنك في العقيدة أو في المذهب أو في الولاء السياسي أو .. ومع مرور الزمن انتقلنا من طور الـ”لا يجوز” إلى طور التحريم، إلى درجة أن قال البعض إنه يحرم على المسلم أن يرد التحية على غير المسلم، مع أن القرآن الكريم - الذي هو كتابنا وموجهنا - مع مشروعية الاختلاف بل ومع ضرورته، حيث يقول الله تعالى “ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك، ولذلك خلقهم”.يقول المفسرون: خلقهم ليختلفوا ويتنافسوا إعمارا للأرض وإثراء للحياة ورقيا للإنسان والمجتمعات، إذن فالاختلاف حقيقة كونية وإنسانية ثابتة ومستمرة إلى يوم القيامة، وقد اختص الله لنفسه فقط أمر الحكم على الناس جميعا فهو الذي يحكم بين الناس يوم القيامة، كما قال في كتابه الكريم “إليّ مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون”.ثقافة الحوار هي التي تعصمنا من الاختلاف الذي يمكن أن يقود إلى الدمار أو الخراب، وهي الثقافة التي “تعلمنا إدارة الاختلاف بما يجعل تمايزاتنا، مصدر ثراء وبهجة”، كما ذكر الدكتور عبدالحميد الأنصاري في إحدى مقالاته، وبالفعل فإن المجتمعات التي يتحاور الناس فيها كمظهر حياتي واجتماعي ثابت ومكفول هي أكثر المجتمعات إبداعا وتقدما، أما حيث تسود ثقافة الصمت وتحريم الحوار باعتباره جدلا ومراء لا ضرورة له فإن التخلف والجمود هما البديل والنتيجة الطبيعية.في مجتمعاتنا العربية راجت كثيرا ظاهرة المؤتمرات التي تنادي بالحوار والإصلاح والتمكين وإتاحة الفرصة للمواطن من أجل المشاركة في إدارة شؤون مجتمعه، كما انتشرت دعوات الحوار بين الشرق والغرب وبين الإسلام والمسيحية، وغيرها، لكن الغريب أنه برغم الأموال والجهود والأوقات التي أنفقت على هذه المؤتمرات والدعوات إلا أن ثقافة الحوار تقلصت كثيرا إلى درجة أننا صرنا نعتقد بأن الحوار في مجتمعاتنا تحول إلى تراث أو فلكلور أو إلى شيء يشبه قناع الملك إخناتون الفرعوني، فإذا وجدت من يتناقش معك أو يحاورك حول فكرة ما، ويبقى صامدا حتى النهاية فإنك ستفكر حتما في الاحتفال بهذه المناسبة السعيدة!!لماذا صرنا نخاف من الحوار مع بعضنا بعضا؟ وإذا كنا قد قررنا كمجتمع وكأفراد وكمؤسسات وكإعلام ألا نتحاور وأن ننظر للنقاش والاختلاف في الرأي ووجهات النظر على أنها رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه، إذن فلماذا يكتب الكتاب وتقام المهرجانات الخطابية والمؤتمرات والندوات والمحاضرات على امتداد الرقعة العربية؟ طالما وجد دائما من يحصي الأنفاس ويعد الكلمات ويفتش بين الحروف والطور عن تهم تخوين وعمالة؟تحتاج مجتمعاتنا التي يتظاهر بعض شعوبها في الشوارع هذه الأيام مطالبين بحقوق شتى، إلى إقرار حق رئيسي وطبيعي من حقوق الإنسان هو حق الحوار والخلاف من دون عوائق وموانع ومتاريس، فحتى الله سبحانه وتعالى حين خلق آدم واستخلفه على الأرض بدأ القضية الكبرى هذه بحوار مع الملائكة وكانت كلمة قال ويقول التي هي لب التعبير عن الحوار من أكثر الأفعال ورودا في القرآن الكريم.[c1]* كاتبة إماراتية[/c]
|
فكر
ثقافة الحوار
أخبار متعلقة