إن الشارع العربي اليوم يموج ويطالب بالديمقراطية، ويحسب أنها ستهبط عليه بالمظلات، هكذا من دون مقدمات أو إعادة ترتيب الأوراق في المجتمعات التي تحكمها أنظمة توصف بالديكتاتورية وإن تخللتها روائح الديمقراطية، كالانتخابات والنقابات والسماح ببعض المظاهرات السلمية والخروج في المسيرات التي تطالب بالحقوق والواجبات.وهذا كله يدخل في باب العاطفة الجياشة والحماسة غير المنضبطة بأي هدب ديمقراطي، حتى يظن البعض أن الصراخ والعويل والشتائم المقذعة جزء لصيق بالحياة الديمقراطية، علماً بأن هذه التصرفات لا علاقة لها بذلك، وإن كان البعض في المجتمعات الغربية حيث تعيش شعوبها وتغرق في نسائم الحريات، فلا تمانع من رمي الطماطم والبيض في وجوه المسؤولين، فيفرح البعض في العالم الثالث بذلك فرح الحصول على الناقة الضائعة.فالديمقراطية الصحيحة قبل أن تكون نظاماً للحكم فهي سلوك راقٍ وواع لأفراد الشعب، فديمقراطية الحكم لا تعني بالضرورة ديمقراطية التفكير في شتى أروقة المجتمع. إن الحالة الهستيرية لخروج بعض الشعوب في مظاهرات حاشدة ليس شرطاً لازماً للحصول على ديمقراطية غربية مطابقة لها في الشكل والمضمون، فهذا أقرب إلى الاستحالة لاختلاف البيئات والحيثيات والأمزجة والأهواء والمصالح وطرق التفكير.لذا فإن تغيير العقليات الحاكمة أصعب كثيراً من تغيير الأنظمة ذاتها، فمن يقف اليوم في طابور الخبز في الدول الغربية لن يطول به الانتظار حتى يصل إليه الدور قبل أن يصل هو إليه. أما في مجتمعات العالم الثالث فقد لا يصله هذا الدور ولو وقف ساعات أو أياماً.فهذا سلوك لا علاقة له بنظام الحكم لأنه إجراء إداري لم يتعود الناس عليه لعقود، فهل يغيره قرار إداري ديمقراطي؟يخلط البعض بين النظام الديمقراطي والسلوك الديكتاتوري، قد يكون النظام سليماً ولكن السلوك المصاحب له سقيم وبحاجة إلى معالجة صحيحة.هناك أنظمة لا توسم بالديكتاتورية في العالم الثالث إلا أنها كذلك لا تمارس الديمقراطية المطلوبة في جنبات حياتها الإدارية والاقتصادية.ومن هنا يجب ألا نجعل من حماس البعض في الشوارع والأزقة طريقاً سالكاً إلى ديمقراطية سليمة وارفة الظلال، لأن ذلك سوف يغرق البعض في الشعار، أما في التطبيق فإن بعض المجتمعات بحاجة إلى بناء تدريجي رشيد لمؤسسات مدنية فاعلة تكون رافعة ومساندة لإرساء سبل الديمقراطية من القمة إلى القاعدة، فوجود قمة ديمقراطية فقط لا يعني أن القاعدة وعت الدرس وأصبحت بقدرة قادر نسمة عليلة تهب على جميع المؤسسات لكي تتحول إلى نظام شامل لا تتحدث إلا بلغة الديمقراطية، إن هذه النرجسية لا يمكن تصورها في العالم الثالث، وأمام الجميع أمثلة واضحة من مجتمعات قامت بانتخاب حكامها عبر صناديق «الديمقراطية» ومازالت تعاني في واقعها المعيش.فالديمقراطية قبل أن تكون نظاماً حاكماً في الغرب المتقدم هي أسلوب حياة، نجد تطبيقاتها في المدارس والجامعات وفي أروقة الوزارات وحتى الشوارع والحارات.فهل ما يحدث اليوم في طرقات العالم الثالث من هبات ومظاهرات ماضٍ نحو ذلك، أم أن النظرية النسبية بين الشرق والغرب هي التي ستحسم أمر الديمقراطية في صورتها الغربية على أرض الواقع؟!.[c1]* كاتب إماراتي[/c]
|
فكر
الديمقراطية شيء آخر!
أخبار متعلقة