د.تيسير حسون كلما استطعت أن تقترب ذهنيا من الشخص، كلما أمكن لك أن تبدأ في رؤية التفاصيل التي يستخدمها لتقييم نفسه. هل يمكن للنرجسي أن يدرك تقييم الآخرين له؟إحدى الأشياء المخيبة للأمل والتي ترافق العلاقات اللصيقة، هي الصعوبة في أن يرى الناس أنفسهم كما يراهم الآخرون.قد ينهض مراهق في إحدى الصباحات وبثرة كبيرة على وجهه، فيشعر بأن مظهره شديد البشاعة. تشاهده وهو يرتدي قميصا جميلاً ينم عن ذوق رفيع وتخبره كم يبدو جميلاً. يجيبك بحدة ونزق، فتفكيره منشغل بتلك البثرة التي تبدو له (هائلة)! من الواضح أنك أخفقت في رؤيته كما يرى نفسه. وأن إدراكك الخاطئ جعلك تنزعج.* ما الذي يسبب هذه الفجوة؟ثمة تفسير شائع للإخفاق في رؤية الآخرين كما يرون أنفسهم، هو أنك لم تأخذ زاوية نظرهم في الحسبان. والفكرة هي أنك إذا وضعت نفسك مكان الشخص الآخر، ستنجح في التماهي معه. لكن هناك تفسيراً آخر مختلف تماماً. فعندما تقيم نفسك، تركز على تفاصيل محددة (كالبثرة أو الشعر الذي يتساقط خلسة أو الكيسات تحت عينيك الخ).وعندما تقيم الآخرين، فإنك تقوم بذلك بشكل أكثر تجريدية. إذ تركز على مظهرهم الكلي وليس على تفاصيل محددة. ولأنك تركز على معطيات مختلفة عند تقييمك للآخرين عن تقييمهم لأنفسهم، فإن التقييمين لا يتطابقان.الأمر الآخر هو أننا نميل إلى التفكير في الأشياء بتخصيص أكثر، عندما نعتقد أنها ستحدث قريباً، مما لو أنها ستحدث في المستقبل. فإذا قدمت محاضرة مثلا، وقيل لك بأن الحضور سيقيم أداءك بعد المحاضرة مباشرة، فإنك ستفكر بالتفاصيل التي واجهتك أثناءها (انقطاع التيار الكهربائي، والتململ الذي أصاب الحضور نتيجة الحرارة المرتفعة في القاعة، اضطرارك أكثر من مرة لضبط النظام أثناء النقاش الخ)، ولن تغرق في مثل هذه التفاصيل إذا قيل لك بأن التقييم سيجري بعد بضعة أشهر مثلاً.يكون التوافق بين تقييم الشخص لنفسه وتقييم الآخرين له أعلى، حين يعتقد الشخص بأن الآخرين سيعمدون إلى تقييمه لاحقا في المستقبل، وليس مباشرة. أي أنه كلما سمحنا للشخص برؤية نفسه بتجريد أكثر، كلما كان أفضل في رؤية نفسه كما يراه الآخرون. و لا يحسّن في تلك الرؤية فقط لمجرد أن يضع نفسه مكان الآخر.* إذن ما الدرس المستفاد هنا؟لمجرد أن تأخذ في الحسبان زاوية نظر الآخر فقط، فإن ذلك لا يساعدك في رؤية الآخر كما يرى نفسه. عوضا عن ذلك، عليك في الواقع أن تقلص المسافة بينك وبينه. وهذه المسافة يمكن أن تخلق في الزمان أو المكان أو في علاقتك بهذا الشخص. كلما استطعت أن تقترب ذهنيا من الشخص كلما أمكن لك أن تبدأ في رؤية التفاصيل التي يستخدمها لتقييم نفسه.أن تكون ذكيا اجتماعيا، يعني أن تكون قادرا على قراءة شخص قريب منك بصورة تقارب قراءته لنفسه. هذه المهارة ستجعلك حساسا و متفهما في مروحة واسعة من العلاقات، التي ترغب دوما في نجاحها.هل يمكن للنرجسي أن يدرك تقييم الآخرين له؟ اسألوا بعض فنانينا، الذين ما أن شاهدوا أسماءهم على شاشة التلفزيون حتى ظنوا أنفسهم من طينة أخرى من الناس، طينة تسمو فوق البشر! وكلما زادت مشاهدتهم لأنفسهم، زاد ابتعادهم عن حقيقتهم، وعن الناس وحتى عن أعز أصدقائهم.غاية السمو أن يصل التطابق بين تقييمنا لأنفسنا و تقييم الآخرين لنا إلى ما يقرب التمام، وعندها سنتجاوز الكثير من «المطبّات» الشخصية والاجتماعية وسنعيش حياة أقل ما يقال فيها أنها تعكس رضانا عن أنفسنا، وذلك أساس ما يمكن أن يسمى السعادة.
|
المجتمع
كيف نرى الآخرين..وكيف يروننا ؟!
أخبار متعلقة