أضواء
يكثر الحديث عن الأمن الفكري هذه الأيام.. وهو حديث هام يلمس قضية أساسية وجوهرية ويبحث عن دور فاعل هدفه تغيير ثقافة المجتمع الموروثة وتوعيته بحقيقة وجوهر عقيدته وانتشاله من حالة التناقض التي يعيش فيها ؛ كما أنه يضع جزءاً كبيراً من مسؤولية الانغلاق التي نعيشها على عاتق وسائل التنوير.. سواء أكانت هذه الوسائل مؤسسات علمية.. أم تربوية .. أم بحثية أكاديمية أم كانت وسائل إعلام تقليدية أو إلكترونية مطبوعة أم مرئية أم مسموعة أم كانت أعرافاً وتقاليد رسخت بعض مفاهيم القدوة الخاطئة في مجتمع يحترم فينا الصغير كبيره والجاهل متعلمه والبسيط من يتقدم عليه في الوجاهة أو المكانة أو النسب في بعض الأحيان. وأنا وان كنت أتفق مع من يذهبون إلى هذه المذاهب في تشخيص (الحالة) وتتبع أسبابها وصولاً إلى جذورها إلا أنني أخشى من المبالغة كثيراً في أن تذهب جهودنا هذه مذاهب يغلب عليها التنظير أو التسطيح وبالتالي نبتعد عن الأسباب القوية.. والمؤثرة في الدفع بشبابنا وهم الأغلبية الطاغية في القوائم الخمس المعلنة حتى الآن إلى أحضان الإرهاب.. بعد أن تكون قد تلقفتهم عقول (متحجرة) وأودعتهم داخل سجون مفاهيمها المغلقة والباطلة والفاسدة.. فساد عقولها المظلمة في الأصل.ذلك أن صغار السن وأنصاف المتعلمين هم في الأعم الأغلب (جهلة) و(معدمون) و(متفلتون) بحكم غياب التربية الصحيحة داخل المنزل وعدم متابعة أحوال الأبناء بفعل انشغال الآباء.. أو الأسرة بشكل عام بأمور الدنيا وجريها وراء تحقيق مكاسب فيها أو بسبب تعرض حالتها الاجتماعية للفاقة وسعيها الحثيث وراء تحصيل الرزق على حساب المسؤولية التربوية والدور العائلي المطلوب . وكمحصلة لهذه الأوضاع.. فإن المشكلة الاقتصادية تبدو وكأنها سبب آخر في الخلخلة الاجتماعية التي نمر بها وبمعنى آخر فإن المشكلة ومن وجهة نظري لها رأسان: الرأس الأول ، ويتمثل في قصور العملية التعليمية التي مررنا بها حتى الآن وذلك باعتمادها على التعليم وليس التعلم.. مما قتل فينا روح الإبداع والتفاعل والتفكير بصرف النظر عن تخريج هذا النظام التعليمي لعدد محدود من (الجهابذة) و ( الأفذاذ) و(الفلتات) بفعل مؤثرات أخرى غير نظام التعليم الذي خرَّج لنا العالم.. والمدمن.. والمفكر.. والأمي.. والمأزوم. تلك ناحية يجب الاعتراف بها.. وبما شابها من تقصير كبير في الجانب التربوي.. أدى في الكثير من الأحيان إلى غياب (القدوة) في المنزل والشارع والمدرسة والمكتب وبالتالي وجد الكثير من شبابنا أنفسهم رهن أناس أقرب إلى الجهل بمقومات الحياة.. وسلوك طريق الخير منهم إلى طريق السماحة والفضيلة وبناء العقل الانساني على أسس صحيحة وسليمة ومستنيرة فكان الانحراف طبيعياً والاحتواء سهلاً والتأثير كبيراً وكبيراً جداً ليس في عقول من التحقوا بمنظمة القاعدة فحسب ، وإنما في عقول مئات الآلاف ممن يعيشون معنا وبين ظهرانينا أيضاً. أما الرأس الثاني والأخطر فإنه يتمثل في أدواء الفقر والبطالة والفراغ ولنا أن نتخيل شاباً.. فشل في تحصيل الحد الأدنى من التعليم مبكراً.. فتسرب من المدرسة.. والتحق بأعمال متواضعة.. وعاش فراغاً هائلاً.. فراغاً في الذهن.. وفراغاً في الجيب.. وفراغاً في تكوين الشخصية.. ثم وجد من يوفر له المال.. أو المخدر.. أو البيئة الفاسدة.. فكيف لا نتوقع ان يختل توازنه.. ويصبح جاهزاً للتأثير فيه واستلاب عقله وإرادته.. أما بالمزيد من الأفكار.. والآراء العقدية المغلوطة.. أو بجرجرته إلى (وهدة) الإدمان.. أو إلى تحريضه على أسرته.. ثم مجتمعه.. وبلده.. وتهيئة الأسباب! أمامه لكي يتمرد على الجميع ويغادر إلى حيث يكون الشيطان.. أو الجحيم الموعود.. وليس الجنة الموعودة في الحقيقة والأصل.لكل ذلك أقول إن علينا ألا نفكك الحلول ونجزئها.. وبالتالي فإنه بالقدر الذي نهتم فيه بالأمن الفكري وتحقيقه فإن علينا ان نتوقف وبشجاعة أمام تأثيرات الأوضاع الاقتصادية على معايش الناس فهي تستحق عناية فائقة وتتقدم على أي اهتمامات أخرى بما فيه الأمن الفكري. [c1]*عن صحيفة ( الرياض ) السعودية[/c]