أيتها السماء أفيقي على قاطني هذا الكوكب بالخير والمحبة والألفة، فهم في جزء منك أتى عليهم الجفاف وتصحر ربعهم وأدمتهم هواجس غريبة يخيل إليهم من خلالها أن ذلك ذات صلة بأمور دينهم وإسلامهم الحنيف الذي تحدى كل الأعاصير في قرون خلت، تحداها بدعوته إلى الألفة والمحبة.تحداها بسماحة ما أتى به تجاه مختلف الديانات السماوية وغير السماوية!!فلم نسمع في خطب العلماء السلف ما نسمعه في أيامنا هذه من الدعاوى بسب نساء النصارى واليهود ولم نسمع بكيل التهم إلى المسلمين من المذاهب الأخرى، التي قد تصل في بعض الأحايين إلى الزندقة والمروق بل والكفر عند بعض، ولم نسمع أن الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم كان في يوم من الأيام شيعياً أو سنيا، شافعيا أو زيديا، مالكيا أو حنبليا، بل كان مبلغـا لرسالة رب العالمين الداعية إلى الألفة والمحبة، إذ قال تعالى: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة».وقال المولى :«ولو كنت فظـا غليظ القلب لانفضوا من حولك».وما نلاحظه في أيامنا هذه هو حرص “قناة الجزيرة” على أن تؤجج الشعور المناهض والمجافي للدول الغربية وخصوصا دولة فرنسا الصديقة التي ضاقت ذرعـا بالنقاب. والملاحظ أن “قناة الجزيرة” تعتقد أن هذا النقاب على صلة بالتدين وبالإسلام الحنيف وذلك من خلال التتبع الشديد والملاحقة للمال الذي آل إليه النقاب في هذا البلد في محاولة جادة لتأصيل هذا الأمر، وكما لو كان هذا المسمى (النقاب) هو أحد أركان الإسلام، أو أن دولة فرنسا حين تسن مثل هذه القوانين لمنع هذا الدخيل عليها المسمى النقاب في المحلات العامة، إنـما هي تفعل ذلك بقصد الإساءة للإسلام والمسلمين، في حين أن الحال قد ضاق بهذا النقاب في العديد من الدول العربية والإسلامية، فما بالك بدولة مثل فرنسا.هذا هو ما تحرص “قناة الجزيرة” على أن توصله في خطابها الإعلامي وتأصيله فقهيـا.و”الجزيرة” قناة عربية يحرص ليس كل عربي أن يشاهدها ويستمع إلى ما يصدر عنها، بل ربما الكثيرون من غير العرب يهتمون ويعطونها جزءا من أوقاتهم للاستماع إلى ما يصدر عنها، وهي بحق “قناة” تمتلك من الإمكانيات والقدرات ما يجعل المشاهد أسيرا لهذه القناة ومتتبعـا لمجمل ما تقدمه إن لم يكن برنامجها الإخباري الذي يحيط فيه المشاهد ويطلع على مختلف الأحداث العربية والعالمية، دون انحياز إلا في ما ندر، وخصوصـا مسألة هذا المسمى النقاب.فما هي الأبعاد لتبني “قناة الجزيرة” لمسألة النقاب في بلد غربية مثل فرنسا؟؟.وهل هو الوازع الديني حقيقة كما يحرصون أن يوهمونا أم أن وراء الأكمة ما وراءها، وهل هذا المسمى (النقاب) هو من الإسلام حقيقة؟؟ أم هو وافد من تركيا ولا تربطه أية علاقة بالبلاد العربية والإسلامية وأضحى من التقاليد الاجتماعية التي تلعب الذكورة فيها دورا مهمـا في الحياة.ومن ثم فهل هذا النقاب الذي أقام الدنيا وأقعدها في “قناة الجزيرة” هو محل إجماع علماء الأمة، أم هو محل خلاف من منطلق المصادر الأساسية لدين الله وشريعته السمحة؟؟. وهل هو حقـا، أي - النقاب - يقي المرأة - من أن تقع في المحظور؟؟ وهل هذا المحظور مصدره المرأة فقط دون الرجل؟؟.الملاحظ في ما نقرؤه ونسمعه ونشاهده من بعض المتفقهين الذين تسيطر عليهم المسألة الذكورية وأذهانهم لا تحيط بعلوم التشريع الصحيحة أنـهم بالحق وبالباطل يحرصون على تأصيل بعض الأفكار والمفاهيم التي ربما لا تمت إلى الإسلام الحنيف بصلة.فمنذ ما يقارب العقود الثلاثة أو الأربعة، ونحن نسمع ونعبأ أو بالأصح شبابنا بتلك الفتاوى والأفكار، أي منذ التفويج إلى أفغانستان من مختلف البلاد العربية والإسلامية، ومنذ الدعوة الأمريكية إلى محاربة الشيوعية التي أضحت قاب قوسين أو أدنى من الدول العربية والإسلامية.حيث قدمت الدولة الكبرى أمريكا مختلف التسهيلات وقامت بالتدريب على فنون القتال وخصوصا حرب العصابات وقدمت السلاح بأموال عربية لتلك المجاميع وسهلت لها كل المعلومات الاستخباراتية من أجل أن تنال من قدرات الاتحاد السوفيتي آنذاك وتعمل تلك المجاميع على فك الحصار عن الإسلام والمسلمين، كما زعمت أمريكا وتوهم العرب أو الحكام العرب بالأصح الذين انطلت عليهم تلك المزاعم الأمريكية أوهم من كان يهمهم أمر أمريكا المسكينة المتفانية في خدمة القضية الإسلامية والعربية، غير مدركين لأبعاد هذه المزاعم التي لا يراد لها إلا أن تسير وفق الإستراتيجية التي تصب بكل المقاييس في عمق المصالح الأمريكية والحلفاء وخصوصا إسرائيل التي تعتبر إحدى الولايات الأمريكية المهمة بل ورأس الحربة لحماية تلك المصالح في المنطقة.وفي تلك الأثناء سمعنا العديد من الفتاوى وعايشنا الكثير من تلك الفتاوى التي لا تحرم ما أحل المولى عز وجل فقط بل تذهب في مغالاتها وتطرفها إلى حد بلغ بها الإساءة الشنيعة للإسلام والمسلمين.الإسلام الذي عرف على مدى ألف وأربعة قرون ونيف بوسطيته وتسامحه وترفعه عن الحط أو الاستخفاف بقدر الإنسان والعقل الإنساني، بل لقد جعل منه خليفة على الأرض، وجعل من عقله حكمـا في مسائل تتعلق بالتدبر والتفكر والتدين وأحاطه بعنايته وسخر له مختلف العلوم والمعارف لتكون جميع أفعاله وتصرفاته محكومة وفق تلك العناية وعلى أساس من تلك المعارف والعلوم الإنسانية التي تختلف من شخص إلى آخر، ومن أمة إلى أخرى وبالقدر الذي أتيح لها أن تنهل من المعارف العلمية والفلسفية والشرعية واللغوية.أو أن تقتصر هذه المعارف على أمور دون أخرى بما يجعل المعرفة قاصرة أو أنـها تتجه صوب الضيق على الحياة بأبعادها الواسعة والمتنوعة وهو الأمر الذي حدا ببعض النفر إلى الفتوى بتحريم الغناء وتحريم المسرح والرسومات والصور الفوتوغرافية والفنون التشكيلية والنحت، بل لقد ذهب بعض في تطرفهم ومغالاتهم إلى تحريم قطع الخيار والباذنجان على المرأة أو حلب البقرة.وليت الأمر قد اقتصر على ذلك فقط، بل لقد ذهب هؤلاء إلى إلغاء الكثير من المواد الدراسية المهمة في حياة البشر ووجداناتهم مثل مادة الفلسفة ومادة التربية الموسيقية ومادة الرسم وخلاف ذلك من المواد الدراسية التي أحطنا بها في أيام خلت من ذلك العصر الرجعي المتخلف.هكذا بلغ الحد بهؤلاء النفر من الاستخفاف بعقول الناس وآدميتهم إلى الإساءات الفظيعة إلى الإسلام وعلى ذلك قس إذ أن هناك من يفتي بعدم كشف وجه المرأة ويعتبر ذلك فجورا وكفرا، بل لقد ذهب بعض هؤلاء إلى تحريم كشف وجه الزوجة على أخي الزوج أو أبيه أو أحد أقاربه.وهناك العديد من الفتاوى التي تتعمد استلاب الإنسان عقله وتجعل منه عبارة عن وعاء عليه، أن يستقبل كل ما يتقيأه أمثال هؤلاء النفر، وهناك الكثير من الأمثلة نسوق بعضـا منها ليكون المسلم على بينة من أمره.فهناك جناحا الذباب اللذان يكون في أحدهما الداء وفي الآخر الدواء، وهناك فتوى التداوي ببول الناقة، ونحن نعلم وعلى لسان العلامة القرضاوي أن الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم، كان إذا حضر أحدهم وشكا من ألم في جسده فقد كان ينصحه بالتوجه إلى الطبيب للتداوي، وأخيرا ما تقيأ به أحد (الأزاهر) وما أساء به إلى منارة الأزهر ذلك الصرح العلمي والشرعي والأدبي الشامخ منذ قرون خلت.تلك الفتوى سيئة الصيت المتعلقة بممارسة التحرش الجنسي صراحة وعلنـا، حيث حرم التقاء موظف وموظفة تحت سقف واحد؛ إلا إذا مكنت الموظفة زميلها الموظف من مص ثدييها خمس مرات، فهنا ينتفي التحريم ويستبعد الحرج ويمكن لهما أن يعملا تحت سقف واحد وخلوة.وهناك العديد من الفتاوى المتعلقة بالقطط والكلاب الأليفة وحرمة عيشها داخل المنازل، بل لقد ذهب البعض في مغالاتهم إلى تحريم التحف والدببة من لعب الأطفال واعتبر ذلك جرمـا لا يغتفر.والسؤال الذي يجب أن يدوي وتتلقى صداه جبال العروبة الشامخة شموخ جبال اليمن ووديانها، وسهولها وشطآنها هو أين علماء الأمة من هذا الاستخفاف بعقول الناس؟؟.وأين هم من الفتاوى التي أوردنا بعضا من التي ما أنزل الله بها من سلطان ؟؟ولماذا هذا الصمت الرهيب والمشين عما يصدر عن هؤلاء النفر؟؟.وليت الأمر مقتصر على ذلك وفي حدود بعض تلك الأحاديث الضعيفة أو المكذوب عليها والمدسوسة على أنـها من أحاديث رسول الرحمة، بل لقد تمادى البعض في تفسير آيات القرآن الكريم وابتسار الآيات بما يتواءم مع مقاضاة هؤلاء البعض ومبتغاهم أو بما يشبع رغباتهم.وعلى سبيل المثال فهم يفسرون آيات التعدد للزوجات وفق تلك الرغبة إذ يقولون، يقول المولى : «وانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع».وكما يقول المفسرون بأن الآية يجب أن يشار إليها من النجمة إلى النجمة ومن ثم يمكن تفسيرها والآية من النجمة هي.يقول المولى عز وجل : (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع... الخ).وأن يكون في هذا السياق يختلف تفسيرها، إذ يقول عدد من المفسرين المعاصرين بأن من أراد الزواج من امرأة أخرى فعليه أن يتزوج من امرأة مطلقة ولديها من الأولاد ما ليس في مقدرتها أو أسرتها من إعالتهم والنفقة عليهم، وبهذا الزواج إن كان قادرا يتحقق العدل والمساواة في النفقة عليها وعلى أولادها كون أولادها يكونون في حكم اليتامى بالنسبة للزوج، وكذا أولاده يكونون بالنسبة إليها وبهذا تتحقق عدالة التشريع المطلوبة التي هي أساس التشريع الإلهي وأساس المساواة التي أبرز الإسلام وجهها المضيء بينما نحن نحرص على أن نخفت إضاءته وإشراقاته.هذا ما ذهب إليه بعض المفسرين المعاصرين وعلى رأسهم العلامة والهندي محمد شحرور في كتابه القيم، الكتاب والقرآن.وهو حقيقة قد أعاد الاعتبار للعديد من التفسيرات والآراء الفقهية التي لم توفق في إعطاء بعض التفسيرات بما ينسجم مع العدالة التي رامها التشريع فقط، بل أعادت الاعتبار للعدل وحقوق الإنسان التي يدعون إليها في أيامنا هذه.ولعل في ما ذهب إليه بعض العلماء في بلادنا حول إباحة زواج القاصرات يندرج ضمن فهم السلف الصالح حيث كان يعم الجهل الكثير من البلاد العربية والإسلامية إن لم يكن جميعها، وكذلك الفقر المدقع الذي يفتك ببعض المجتمعات العربية.
|
فكر
قناة (الجزيرة) ومحاولة تأصيل ما ليس بأصيل
أخبار متعلقة