ما زلنا نخضع إلى سياسات متناقضة داخل بلداننا العربية، التي تقوم على اختيار أمنها الدولي من الخارج والذي يطلق عليه حافظ الذات والأمن الاقتصادي والهيبة الشرعية للقومية الداخلية، ومحور هذا التحالف السياسي يتعاون في خلق حصار عقيم خانق يحيل بين فهم الشعوب لحريتها السياسية والاقتصادية وبين سياسة الرئيس الذي يتعايش مع ما تنفرد به القوة السياسية العالمية لرضخ الضعيف لها باسم القوة الأبدية.وعندما دخل العالم كلّه في شرك الفوضى الاقتصادية العالمية سقط القناع عن أمريكا الحاكم الأول في مجال السياسات الخارجية لتجد نفسها قد أصيبت بجلطة في المخ من جراء التلاعب المستمر بمصداقيتها الاقتصادية في العالم.نحن اليوم أمام آليات تطرح المستحيل من الحلول للعودة إلى الهدوء السابق لكن على ظهر سلحفاة مصابة بإعاقة في رجلها اليمنى على الخصوص.إن المسؤولية السياسية العربية اليوم بحاجة إلى النظر في أساليب التغيير نحو الاعتماد على جهودها الخاصة في تحديث الأمن والاكتفاء الاقتصادي التام، والاعتماد على اليد العربية العاملة لتحقيق التكافؤ بين العرض والطلب المحلي داخل كل بلد عربي، لا سيما أن أمريكا اليوم لا ولن تفكر في حل لغيرها من الشعوب وهي تمرّ بأسوأ مرحلة تاريخية على المستوى الاقتصادي الذي شرد الآلاف من العائلات من بيوتها بسبب عدم القدرة على دفع مستحقات البنوك، الأمر الذي جعل البعض من الأمريكيين الهجرة إلى بلدان أخرى بحثا عن العمل لكسب المال ولتأمين الراحة لأسرهم.إن السياسة الخارجية لا تعني دائما الأمن، فكيف يحدث ذلك وهي مهددة في أي وقت بالسقوط، إنها مزيج من السيطرة على الأضعف من دون التأمين على حياته واقتصاده، بل إنها شبيهة بأخطبوط مفترس في حال الخطر العام الذي يشبه ما يمرّ به العالم اليوم من اختلال جذري في الحسابات المادية.لقد أشارت بعد الدراسات الاقتصادية إلى أن العالم اليوم يمرّ بما هو أخطر من الحروب، وستعم الفوضى وسيحدث ما هو أسوأ من السوء نفسه، وستتحول لقمة العيش حلما والمسكن غاية قد لا تدرك.ولعل أخطر ما ينتج عن السياسة الخارجية هو الرفض القاطع لتقبل السلبيات أو التعامل معها على أساس ظرفي متغير، وتلك هي الشكوك التي أطلقها البعض من علماء الاقتصاد الذين برروا الشر الاقتصادي الذي أصاب أمريكا على الخصوص وهو نتيجة قلة الحيلة في التعامل مع آليات السياسة الخارجية والاعتماد على الداخل وكأن الأطراف الخارجية ليست مهمة في الحساب، لقد تناسوا أن الحلقة العالمية مرتبطة ارتباطا وثيقا مع بعضها البعض بحيث لو أصيب الأول بجلطة اقتصادية تهاوت جميع الأطراف الأخرى.إن السياسة الأمريكية لم تفكر إلا في نفسها عندما استقوت على الجميع، وها هي اليوم تستغيث بشعبها الذي هرول إلى الشوارع ليندد بفقره المدقع وخسارته الفادحة لكل شيء، لم تجد أمريكا اليوم حلا إلا وتستعين به في توقيف نزيفها الاقتصادي بالتعاون مع بلدان قليلة الشأن لكنها تفكر بذكاء فطري نابع من إيمانها الصريح أن اليد الواحدة لا تصفق دائما.إن المفهوم الذي تعاملت به أمريكا مع العالم جد فقير وقديم وغير مجد في شيء، لقد تعاملت بلغة الرادع والمنافس الوحيد والقوة المحافظة على السلام في العالم، فأرعبت الشعوب وخلقت لها أعداء من العدم وكونت اختلالات علاقاتية مع الشعوب الإسلامية على الخصوص، وبينت عنصرية تعاونها، لكن الحقيقة اليوم تقول إنه لا توجد قوة عالمية من حقها فرض جبروتها على المجتمع الدولي بخيارها العنصري والفردي النابع من فلسفة الحروب التي تستوجب القرار القاطع المدمر الذي يسحق معه الجيد والسيئ على حد سواء.أين الجهود العربية اليوم؟ أين الأمن والأمان للإنسان العربي الذي لا يقرأ ولا يتكلم إلا لغة واحدة أمام صوت العالم الذي يتخاطب بمختلف اللغات لحل النزاعات والفوضى؟أين الحكام العرب أمام ما يحدث في العالم اليوم؟.. لا صوت للأسف ولا حتى تقارير تشرح للمواطن العربي البسيط ما يحدث في بلاده من انهيارات اقتصادية، لكنني أعود وأقول إن المواطن العربي عاش ويعيش دائما في غربة وفقر وعدم فهم لما يحدث من حوله، لقد حولته الأنظمة العربية إلى «إنسان عبيط» لا يفكر إلا في بطنه، وإذا حدث وتطورت قدراته العقلية بالقليل سيذهب إلى حضور حفلة غنائية لنانسي عجرم وسيدفع دم قلبه ليحجز كرسيا في الصفوف الأولى حتى يتنعم بمشاهدة جسد «نانسي» وينعم بصوتها الأنثوي المغري.سأدفع بآلية تصوري للأحداث السياسية إلى الوراء حتى نفهم ما يحدث لنا اليوم من انقلابات جذرية على جميع المستويات، سأقول مثلا إن مشاعرنا تتحكم فينا بالمطلق، ولا نحب العمل ولا نتقبل رأي الآخر فينا، نحن شعوب مريضة بالكسل، لا نشفى من ماضينا أبدا، ولا نعتبر مما حدث ويحدث لنا من انتهاكات، والتاريخ لا يقر بنجاحاتنا التي توقفت منذ قرون فقط بل هو يقر أيضا بالفشل المستمر معنا ومع الأجيال اللاحقة التي من دون شك سيمتصها كلّ شيء إلا حب الوطن، لأنه سيكون بالنسبة لها عاهة مستديمة للأسف.نحن بحاجة إلى عقل عربي يفكر لأجلنا جميعا من دون أي تدخل دولي حتى نتمكن من الفرار منا إلينا.[c1]*كاتبة جزائرية مقيمة في أمريكا[/c]
أمريكا وسياسة عرب الداخل
أخبار متعلقة