بمناسبة الذكرى الأولى لرحيله :
محمد زكريا :إذا ذكرنا الصحفي الكبير الراحل شكيب عوض تراءى أمامنا شريط طويل من الصحافة اليمنية ، فهو يمثل بحق نموذج للصحفيين الكبار الذين وضعوا بصمات مضيئة ومشرقة على جبين صاحبة الجلالة الصحافة اليمنية وعلى وجه التحديد على جبين جريدة “ 14 أكتوبر “ . فقد كان شكيب عوض ــ رحمه الله ــ من أوائل الرواد الصحفيين في “ 14 أكتوبر “ الصادرة في تاريخ 19 يناير سنة 1968 من ثغر اليمن عدن . [c1]من أبوابها إلى محرابها[/c]ويتضح من ذلك أنّه صاحب خبرة طويلة وعميقة في ميدان الصحافة ، فقد دخل شكيب عوض من أبواب الصحافة إلى محرابها بموهبته ، وإبداعاته ، وجهده ، وإيمانه القوي بأن الصحافة رسالة مقدسة وخطيرة في نفس الوقت فهي تشكل الرأي العام من ناحية وتسلط الأضواء على المسائل الهامة في المجتمع من ناحية ثانية وتفتح مدارك واسعة لمختلف الفنون الإنسانية الخيرة للقراء من ناحية أخرى. فالكتابة عند الصحفي الكبير شكيب عوض ليست الغاية منها الكتابة من أجل الكتابة ، فالكتابة الحقيقية هي الغوص في أعماق حياة الناس على تباين حظوظهم الثقافية ، واختلاف مشاربهم الاجتماعية وبتعبير آخر الكتابة الحقيقية هي التي تعبر عن آلام وآمال وطموحات الناس ، وما يجول في خواطرهم . وكان يقول أن القلم صحفي الذي ينفذ إلى مشاعر الناس ، هو الصحفي الذي يؤمن بان الصحافة بأنها رسالة مقدسة من أجل خدمة المجتمع . [c1]المايسترو الماهر [/c]كان شكيب عوض ـــ رحمه الله ـــ الذي عرفته عن كثب منذ أكثر من عشرين عاماً ، عندما كنت صحفياً أخطو خطواتي الأولى في بلاط صاحبة الجلالة , أن شاءت الصدف السعيدة أن أعمل تحت رئاسته في القسم الثقافي الذي كان مسئولا عنه . كان أصفه بيني وبين نفسي أو بيني وبين الصحفي الكبير الراحل عوض باحكيم ـــ صاحب الكتابة المغلفة بالفلسفة الذي كان يعشقها حتى الثمالة ـــ بأن شكيب عوض يعد في رأينا ( مايسترو) يقود فرقة موسيقية بمهارة عالية ، ودقة متناهية ، وأقصد بالفرقة الموسيقية مجموعة من الصحفيين الذين كانوا تحت رئاسته . ولقد كان يوزع المهام الصحفية ـــ ليس بشكل ارتجالي ـــ بل كان توزيعه على أساس قدرة كل صحفي على تغطية ذلك العمل أو بعبارة أخرى قدرته على العطاء في ذلك العمل الصحفي أو ذاك . [c1]جو يسوده التفاهم[/c]والحقيقة كان يسود جواً من الحب ، والتفاهم ، والتعاون بين المحررين والصحفيين في القسم الثقافي ، ولسنا نبالغ إذا قلنا أنّ الابتسامة الرقيقة كانت ترفرف على وجوهنا وذلك بسبب وجود رئيس قسم يعرف تمام المعرفة كيف يدير العمل بالإنسانية ، والحب الكبيرين . وعلى الرغم من ضغوط العمل الصحفي والتي تجعل الصحفي في حالة عصبية متوترة دائمة ، فإن أستاذنا الكبير شكيب عوض كان ينزعنا من ذلك التوتر العصبي من خلال كلماته الطيبة المشجعة لنا والتي كانت تدفعنا إلى العمل المتواصل دون كلل أو ملل ، كانت بالفعل أيام جميلة مازالت منحوتة في وجداني .[c1]القسم الثقافي ندوة فكرية[/c]وكان في القسم الثقافي كبار الكتاب والصحفيين أمثال الراحل عبد الله الدويلة الذي كان شاعراً مجيداً ، وعوض باحكيم صاحب القلم الرصين ، وكان بجانبهم سالم الفراص الذي يميل قلمه إلى الأدب ، وكان يحضر من خارج القسم الثقافي في “ 14 أكتوبر “ . عدد من الأدباء أمثال القاص الكبير حسين سالم باصديق , وعبد الرحيم القرشي ، والأديب والشاعر المبدع نجيب مقبل ـــ مدير تحرير “ 14أكتوبر “ حالياً ـــ وكذلك الكاتب الصحفي المبدع عيدروس باحشوان، وعدد آخر من المبدعين لا تسعفني الذاكرة استحضار أسمائهم في هذه اللحظة . وكان يدور بينهم الكثير من المسائل الثقافية والفكرية في داخل القسم الثقافي في الصحيفة ، وكان كل مبدع يدافع بقوة وصلابة عن وجهة نظره في المسائل الثقافية والفكرية التي طرحها على الآخرين . وأتذكر في يوم من الأيام ، أن دار نقاش ملتهب بين عدد من المبدعين حول قضية فكرية (معينة ) وكان كل حزب بما لديه مؤمن إيماناً قاطعاً وواضحاً بأن القضية الفكرية الذي طرحها هي الحق ولا شيء غير الحق . وتوترت الأجواء بصورة ساخنة بينهم ، فإذا بأستاذنا الكبير شكيب عوض يطفأها من خلال نكتة خفيفة الظل ، بددت سحب الغضب التي أطلت من الوجوه . والحق يقال ، لقد كان القسم الثقافي بمثابة ندوة ثقافية وفكرية تعقد فيه بكل معنى لهذه الكلمة تطرح فيها كافة الآراء والأفكار المتباينة عن ثقافتنا اليمنية كل حسب وجهة نظره .[c1]قلم متميز [/c]والحقيقة أن أستاذنا الكبير الصحفي المبدع شكيب عوض يتميز قلمه في ميدان الكتابة الثقافية وعلى وجه التحديد في المسائل الفنية وخصوصا في مجال السينما، وله قلم ناقد ينفذ إلى جوهر المشكلة الفنية مباشرة . والحق يقال ، أن شكيب عوض له قدرة عجيبة في كتابة الأعمدة القصيرة والتي تعد من أصعب المجالات الصحفية لكون موضوعاتها لا بد أن تكون مباشرة ، وأن تكون حلقاتها متسلسلة أي تكون فكرتها مترابطة ترابط وثيق . وهذا يحتاج إلى صحفي متمرس على كتابة مثل تلك الأعمدة القصيرة ، وتركيز كبير حتى لا ينزلق قلم الصحفي إلى موضوعات أخرى ، فيخرج عن الموضوع الأصلي الذي يتحدث فيه ، والأستاذ شكيب في كتابة تلك الأعمدة القصيرة فارسها الأول .[c1]أحاديثه الصحفية [/c]أما فيما يتعلق بأحاديثه الصحفية الفنية التي أجراها مع عدد كبير من الفنانين الكبار المحليين ، والفنانين العرب ، فكانت تمثل مدرسة في فن الحديث الصحفي أو الأحاديث الصحفية التي يجب بل ويتوجب أن يرجع إليها الصحفيون الناشئون ليتعرفوا على كيفية أجراء الأحاديث الصحفية التي تجعل القارئ أو القراء دائما مشدودين إليها . [c1]جائزة شكيب عوض التقديرية[/c]ولقد طرح كثير من الصحفيين سواء في داخل صحيفة “ 14 أكتوبر “ أو خارجها ، وعدد أيضاً من المبدعين الكبار بضرورة تكريم الصحفي الكبير الراحل شكيب عوض من خلال جائزة أو شهادة تقديرية باسمه تمنح للصحفيين الناشئين في الصحيفة عن أفضل موضوع ثقافي أو فني كتبوه ، سواء على شكل مقال ، أو حديث صحفي . وتقدم جائزة أو شهادة شكيب عوض التقديرية كل عام بمناسبة تأسيس صحيفة “ 14 أكتوبر “ بتاريخ 19 يناير 1968م . ونأمل أن يخرج هذا الاقتراح إلى حيز النور وذلك نوع من الوفاء لأستاذ من أستاذة مدرسة “ 14أكتوبر “ الذي كان يعتبرها شكيب عوض بيته الثاني ، وكانت جزء لا يتجزأ من نسيج حياته ، وكان هو جزءا لا يتجزأ من حياتها . رحم الله أستاذنا شكيب عوض ـــ رحمة واسعة ـــ . و مازال وجه الطيب المتبسم يطل علينا ، وكلامه الطيب يترامى إلى إسماعنا ، بالرغم من مرور عام على رحيله عن دنيانا الفانية في 27 / 3 / 2006م .