بذريعة أن "التوراة" تجيز قتلهم في زمن الحرب
فلسطين المحتلة / وكالات :دعا مجلس الحاخامات في الضفة الغربية المحتلة الحكومة الإسرائيلية إلى إصدار أوامرها لقتل المدنيين في لبنان وغزة، مشيرا إلى أن "التوراة" تجيز قتل الأطفال والنساء في زمن الحرب. وطبقا لصحيفة "الرياض" السعودية فقد نقلت القناة الإسرائيلية السابعة عن بيان صدر عن اجتماع للحاخامات قبل يومين قولهم إن من يترحم على أطفال غزة ولبنان ينظر إلى أطفال اسرائيل بوحشية. وطالب الحكومة الاسرائيلية باصدار أوامرها بقتل المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين بصفتهم موالين للعدو وذلك حسب ما تنص عليه "التوراة". وبعيدا عن حملات الدعاية والحرب النفسية المعتادة في كل الحروب، هل الجنود الإسرائيليون مقتنعون بالأسباب التي يسوقها قادتهم للقيام بما يقومون به من حرب إبادة ضد الفلسطينيين واللبنانيين المدنيين؟ هل يؤمن الجيش الإسرائيلي حقا أن المقاومة "إرهاب" وعملياتها ضد إسرائيل "غير مشروعة" تستوجب هذه الدرجة من رد الفعل؟تعبير "الخريطة الإدراكية" من التعبيرات المشهورة في أدبيات علم النفس وبخاصة علم النفس الإعلامي، ويشير إلى أن الإنسان - وعلى عكس ما هو شائع - لا يدرك واقعه المحيط به بشكل حسي مادي مباشر إلا في حالات نادرة كأن تلسع يده سيجارة أو يدخل في عينه جسم غريب. فكيف يدرك الإنسان إذن واقعه الذي يراه بعينه ويلمسه بيده؟بحسب "الخريطة الإدراكية" فإن الإنسان ليس مجموعة من الخلايا والأعصاب والرغبات والدوافع فقط، كما أن سلوكه ليس مجرد أفعال وردود أفعال تتحكم فيها قوانين الميكانيكا أو البيولوجيا، فالعقل ليس "مخا ماديا" أو صفحة بيضاء تتراكم عليها المعطيات المادية، وإنما هو أي العقل الإنساني - وهنا بيت القصيد - مستقر لكثير من الخبرات والمنظومات الأخلاقية والرمزية ومستودع للذكريات والصور المخزونة، وعلى هذا الأساس فإن سلوك الإنسان تجاه فعل ما لا يتم كرد فعل (مثير / استجابة) بشكل مباشر وإنما يتم كرد فعل للواقع كما يدركه هو بكل ما هو مكنون في عقله من رموز وذكريات ومنظومات أخلاقية وأيدولوجية.الآن كيف نطبق كل ما سبق على تفسير وفهم ما نراه نحن العرب والمسلمين من أنه "مجازر" يرتكبها الجيش الإسرائيلي بحق المدنيين، وما يراه هو "الإسرائيلي" من أنه "دفاع عن النفس" وعمل ليس فقط واجبا ومشروعا ولكنه "مقدس" ويستحق فاعلوه أن يكونوا في مصاف القديسين والأبطال؟الكاتب الفلسطيني أنطوان شلحت من أولئك الكتاب الذين قطعوا شوطا بعيدا في فهم العقل والوجدان اليهودي/الإسرائيلي وممن تعمقوا في قراءة المنتوج الفكري العبري وعايشوا - بحكم الواقع السياسي المفروض - الرموز الثقافية والسياسية الإسرائيلية من الداخل يحاول أن يقدم رؤية تفسيرية لسلوك الجندي الإسرائيلي الذي يستهدف المدنين فيقول إن مرد ذلك يعود إلى "ثقافة العنصرية" التي يغذون بها الإنسان اليهودي/الإسرائيلي من المهد إلى اللحد، ويستشهد بأبحاث كثيرة وغزيرة قام بها باحثون إسرائيليون أخضعوا مضمون "ثقافة الطفل" الإسرائيلي للتحليل وخلصوا إلى أن جهدهم انصرف إلى تنشئة أطفالهم على أن "قولبة" العربي حتى يصبح في العقلية الإسرائيلية محملا بصفات ودلالات ومعاني "المجرم، الهمجي، القاتل، ذي الرائحة الكريهة، ذي السحنة المخيفة، الراغبين في قتلنا وتشريدنا وإلقائنا في البحر.. إلخ".هذا الطفل اليهودي/الإسرائيلي -والكلام لا يزال لأنطوان شلحت- الذي يشب على هذه الثقافة وتلك المفاهيم هو نفسه الجندي الذي يقود الدبابة والطائرة ويشن مثل هذه الحرب التي يراها العالم الآن، فهو لا ينظر للفلسطينيين واللبنانيين إلا على أنهم "غبار بشري" لا قيمة له."غبار بشري لا قيمة له" وصف قوي يصدم الوجدان العربي فهل هو في رأي الدكتور عبد الوهاب المسيري صاحب الموسوعة اليهودية كذلك؟هو تعبير مجازي أدبي جميل لكنه قد لا يبلور الأمور بالصورة التي أرجوها، هكذا علق المسيري شارحا وجهة نظره قائلا: إن الدولة الإسرائيلية التي يدافعون عنها هي في خريطتهم الإدراكية ليست كما نفهمها قاعدة للاستعمار الغربي وجيبا استعماريا استيطانيا إحلاليا، فهي لا تمت بصلة في عقلية الإنسان الإسرائيلي لكل ما سبق وإنما هي "دولة يهودية" الدفاع عنها واجب مقدس لأنه دفاع عن أرض الأجداد، وأن من يسمون بـ"المدنيين" هم فقط المدنيون الإسرائيليون، ومن هنا فإن "الحوار المسلح" أي "المقاومة المسلحة" يهدد ويقوض خريطتهم الإدراكية التي يحاولون فرضها علينا ومن هنا نستطيع فهم هذا السلوك الوحشي إزاء اللبنانيين والفلسطينيين.