نجمي عبدالمجيدأطلقت الحكومة الفرنسية اسم الشاعر محمود درويش على إحدى الساحات في العاصمة باريس، ويأتي هذا التكريم تعبيراً عن المكانة الكبرى التي وصل إليها هذا الشاعر من حيث الإبداع العالمي ووصول إنتاجه الشعري إلى لغات وشعوب، وجعله من فلسطين حكاية الوجع والحنين عند كل إنسان.إن تجربة محمود درويش الشعرية منذ بدايتها سعت للخروج من زوايا الشكوى والانكسار، وغيرت مفردات التخاطب مع الجرح الفلسطيني بعيداً عن البحث عن الرحمة في ظل الاستسلام، والانفراد والعزلة عن العالم، فالقضية عنده، هي شعب له حق البقاء على أرضه ورغم كل حالات الموت والتدمير، تعيد عملية خلقه من جديد، لذلك لا يكون الجرح الفلسطيني هو وجع الذات بقدر ما يصبح هموم الإنسانية في كل مكان.وفي قصائد الشاعر نجد الحنين إلى الأشياء والمكان، فالحنين إلى حضن الأم لا يقل عنه إلى الزهرة وعتبة الدار ودروب القرية وليالي السمر والعشب والحقل وكل هذا يكبر في أيام الرحيل والانتظار على طرق المنافي والعبور من بلد إلى بلد ومن زمن إلى زمن والتوقف عند أقصى درجات الشوق لما ينتظره في الوطن، وهل مازالت الملامح في المكان على عهدها ام أن يد الجريمة قد شوهت جمال الحلم؟.إن العالمية التي وصل إليها شعر محمود درويش تدل على أن القصيدة هي حلم الإنسان في زمن الفاجعة، زمن لا تدرك فيه روح الفرد غير المتاهات والجنون والموت القاهر لنفس الإنسان عندما يسلخ الفرع عن الأصل لتتقطع بعدها خيوط الوصل مع الأمس والانتماء للمكان، أما حقيبة السفر فتصبح هي الوطن البديل، وطن الترحال من حديقة بلاده إلى صحاري الوحدة والصمت في هذا الكون.لقد كانت سنوات الاغتراب والسفر إلى العديد من دول العالم، الممر الذي تجاوزه الشاعر ليرى كم هي موجعة مآسي الإنسان في هذا العالم، وكم تطول ليالي الانتظار، وكيف يحول قهر الألم نزيف الجروح إلى أناشيد تتصاعد مع كبرياء وغضب الشعوب كلما دقت الأجراس لتعلن أن زمن القهر لن يطول، وأن ليل الطغاة ذاهباً إلى حيث ذهب كل مجرم حاول اغتيال الحق.عندما يكرم اسم هذه الساحة في باريس ويطلق عليها أسم هذا الشاعر الخالد، ندرك أن مقدرة الكلمات لا تقف عند حدود الورق بقدر ما تصبح مع تفاعلات الحياة أشياء تعلم الإنسان، أن الجمال في الدنيا لا يموت مهما كانت قوة الجريمة، وأن التربة لا تفقد بذور الحياة مهما أحرقت بكل أسلحة الدمار، فهذا الموت المرعب لا يجرح غير القشرة الخارجية، أما العمق فيظل القوة التي تدفع بعروق الإرادة ونبضها إلى الجسد وتعود المقاومة إلى الوجود، أما الموت من أجل فلسطين فهو لحظة حلمك يعبر بالروح بين السكون والانطلاق.إن اسم محمود درويش الذي أصبح من أبرز شعراء العرب في هذا العصر سوف يظل يعلم الأجيال كيف نقرأ قصيدة المواجهة والتحدي وكيف تصبح القصائد رسائل تحمل من روح الإنسان الإرادة ومن خلود الزمان رغبة الاستمرار ومن قوة التحدي صمود النفس.أما الساحة التي تحمل اسمه في باريس، فهي اصغر من أن تستوعب عالمية هذا الشاعر الذي كانت مساحته الكبرى روح الإنسان وعالمه، تلك الروح التي طاف في رحابها إلى أبعد مسافة في رحيل الغيوم، وفي انتظار الفجر عند أقصى حد من ليل الغرباء.
|
ثقافة
محمود درويش في رحاب العالمية
أخبار متعلقة