رؤوف مسعد *الصدمة التي احدثتها الرسوم الكاريكاتورية للرسول محمد عليه السلام، تثير الاشمئزاز من ناحية استخدام المدافعين عن نشر الرسوم مبدأ " : " حرية التعبير " Freedom of Expression وهو مبدأ يستخدم في غير مجاله خاصة بعد أن حرّم الغرب " حرية التعبير " المتعلقة بالمساس بالمحرقة اليهودية " الهولوكوست " وحتى مناقشة صحة الأرقام المتعلقة بها.كما أن اعتبار بعض دور القضاء الغربية ( كما حدث في المملكة المتحدة منذ بضعة أيام ) إن الشعارات النازية والعنصرية المعادية للإسلام هي من ضمن " حرية التعبير" في الوقت ذاته يعلن المتحمسون المدافعون عن نشر الكاريكاتير " نحن نحترم الدين الإسلامي " ويضيفون " على المسلمين أن يحترموا مبدأ حرية التعبير " وهنا نجد " مبدأ النفاق " في وضوحه الأكثر. فالإسلام لا ينفصل عن رسوله مثله مثل جميع الأديان ، كما أن المسلمين والمسيحيين الذين نشئوا في منطقة الشرق الأوسط مهبط الأديان السماوية يختلفون خاصة مع مسيحي الغرب وبقية مسيحي العالم في إنهم يتماهون بقوة وبجذور تاريخية عميقة مع ثقافات الذاكرة الجمعية المشتركة كرؤية شاملة للكون والعالم قامت على أساس وحدة اللغة العربية ( لغة القرآن ) وتمازج الثقافتين المسيحية والإسلامية على مر العصور بالرغم مما يعتري هذا التمازج أحيانا من وهن وأزمات .أي أنهم لا يختلفون عن مسلمي الشرق في تقديسهم للرسل وتبجيلهم للقديسين والشهداء بدليل إن الكنيسة القبطية المصرية تعتبر أن تاريخها الرسمي هو تاريخ شهدائها .هذا الفارق الهام والكبير بين رؤيتين شرقية وغربية ، للدين وارتباطاته ، لم يعد في وسع الميديا أو رجال السياسة الغربيين إدراكه . كما انه يشكل حاجزا من الجهل لدى صناع القرار الغربيين ونجد هذا واضحا في استخدامهم مصطلحات تنتمي إلى زمن الغزوات الدينية الغربية لمنطقة الشرق الأوسط مثل مصطلح " الحرب الصليبية " .وباعتباري من مسيحي الشرق الذين تمتد ثقافتهم الممتزجة بأديانهم إلى جذورها الضاربة إلى ما فبل المسيحية من الديانات والثقافات الفرعونية والأشورية والبابلية والموسوية حتى المسيحية القبطية المصرية ثم الإسلامية ، فإني اشعر بالإهانةة تماما مثلما يشعر المسلم وهو يرى الرسوم الكاريكاتيرية للرسول عليه السلام . هذه الرسوم تعبّر عن أفكار هي في الأساس عنصرية وفوقية إحتقارية لثقافات ومعتقدات شعوب بأكملها بالرغم من الإدعاء الساذج الأحمق الهادف إلى تعليمنا احترام حرية التعبير.. التي يحاولون تسويقها لنا وهم ينتزعون حريات الأجانب المقيمين في الغرب حتى اؤلئك الذين يحملون جنسيات أوطانهم الجديدة بحجة " ألأمن لقومي ومحاربة الإرهاب الإسلامي " فيحاولون سن القوانين _ كما يحدث في هولندا - بمنع التحدث في الشارع والأماكن العامة مثل المقاهي والبارات إلا باللغة الهولندية ّ ..وكأن هذا ليس افتئاتا واضحا على حرية " التعبير " ؟!وماذا عن " ترسانة " القوانين ومشاريع القوانين في الغرب التي تتيح التصنت والتجسس على الأفراد داخل غرف نومهم وخارجها وإجبار الأئمة في المساجد المقامة في الغرب على إلقاء خطبة الجمعة بالإنجليزية أو الفرنسية أو الهولندية ؟!وحينما تختار غالبية الشعب الفلسطيني - في انتخابات نزيهة _ منظمة حماس الإسلامية لتمثيل هذه الغالبية تختفي حرية التعبير من الخطاب الغربي ويظهر خطاب الإرغام والتهديد وكأن الناخبين الفلسطينيين صبية جهلاء لا يعرفون أين تقع مصالحهم !إذا كان مسيحيو الغرب يعتبرون أن من حقهم تشخيص الذات الإلهية والأنبياء الرسل بالكاريكاتير وحتى بالسخرية منهم ، فهذا أمر يخصهم وليس لنا إن نجادلهم فيه . لكن إذا اعتبر المنتمون إلى الإسلام في " العالم الإسلامي " إن مقدساتهم الدينية لا يجب المساس بها فليس من حق " الغرب" التطاول بالإهانة على هذه المقدسات بحجة تعليمنا حرية الرأي ! لماذا تُقدم هذه الذريعة المجانية للمتعصبين الإسلامويين لكي يمارسوا مبدأ العين بالعين ويحرقون الكنائس ويهددون المسيحيين في الشرق ؟ أليس بهدف تقديم صورة عنيفة عن التعايش السلمي الديني المفترض بين المسلمين والمسيحيين في الشرق وبالتالي كذريعة أكبر للتدخل الغربي ؟إن مسيحي الشرق سوف يشعرون - بكل تأكيد - بالإهانة إذا نشرت الميديا غربية مسيحية كانت أم إسلامية صورا ورسومات تحقّر السيد المسيح أو السيدة العذراء . فالثقافة المسيحية الشرقية مثلها مثل قرينتها الإسلامية تمزج الدين بالرسل وتماهي الثقافة مع الدين . ذريعة حرية التعبير - هنا - حجة كاذبة والمدافعون عنها - هنا أيضا - ينطبق عليهم القول " أيتها الحرية ..كم من الجرائم ترتكب باسمك " !* كاتب عراقي مقيم في أمستردام / هولندا
|
ابواب
كيف يدّعون احترام الإسلام ثم يهينون رسوله؟
أخبار متعلقة