قبل أسبوعين ونيف تقريباً زار بريطانيا وفد من أحزاب المعارضة المنضوية في إطار " اللقاء المشترك " وضم الوفد كلاً من الأستاذ أبوبكر باذيب عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني والأستاذ محمد قحطان مسؤول دائرة الشؤون السياسية في الأمانة العامة لحزب التجمع اليمني للإصلاح .الثابت أنّ الحزب الاشتراكي اليمني يمثل برصيده وتاريخه وآفاقه (المفترضة) يسار العملية السياسية والحياة الفكرية والثقافية الجارية في البلاد ، فيما يصعب علينا تصديق أنّ حزب الإصلاح يتخذ له موقعا في يسار هذه العملية .واللافت للنظر أنّ الأستاذ محمد قحطان أدلى بتصريحات وأحاديث صحفية كان فيها بارعا في الظهور متقدماً على يسار الأستاذ أبوبكر باذيب الذي ظهر وكأنّه يقف على يمين الأستاذ قحطان وليس على يساره ، وهو ما يبدو ان الحزب الاشتراكي اليمني يرغب في الوصول اليه منذ التصريح المثير للجدل الذي اطلقه سيف صائل خالد الامين العام المساعد للحزب الاشتراكي اليمني واحتفت به صحيفة (( الثوري )) لسان حال الحزب الاشتراكي اليمني في صدر صفحتها الاولى قبل عامين حين اتهم سيف صائل سياسات المؤتمر الشعبي العام بانها اوصلت البلاد الى مأزق حاد و نفق مظلم ، مؤكدا ً بانه لا يمكن تخليص البلاد من هذا الوضع الا بتطبيق الاسلام عقيدة وشريعة !!بوسعي القول ان غزوة (( اللقاء المشترك )) الإعلامية لعاصمة الضباب وما رافقها من ضجيج اعلامي من قبل ماكنته الدعائية المشتركة ، لا يمكن فصلها عن المعارك التي تخوضها القيادة الاعلامية لأحزاب اللقاء المشترك في جبهة (( الإعلام والعلاقات العامة )) ، ممثلة بالأستاذ محمد قحطان رئيس دائرة الشؤون السياسية والعَلاقات الخارجية و الزملاء الأعزاء في صحيفة "الصحوة" وصحيفة " الناس" و"الصحوة نت" و " العاصمة " وكتابها الذين يشاركون أحزابهم في خوض معارك صوتية دفاعاً عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والمجتمع المدني ونزاهة الانتخابات ، فيما يواصل شيوخ (( اللقاء المشترك )) ونوابه في البرلمان ـ ومعظمهم من خطباء المساجد ـ معاركهم ضد المرأة ومعاداتهم لحقوقها المدنية والسياسية وحربهم الضروس ضد الفنون والموسيقى ، ويطالبون بصوتٍ عالٍ لا لبس فيه بحبس المرأة في المنزل والتمييز ضدها !!تذكرني تصريحات الأستاذ محمد قحطان التي أطلقها من لندن قبل أسبوعين حول الديمقراطية وحقوق المرأة والإنسان ، بتصريحات في الاتجاه المعاكس أطلقها رئيس مجلس شورى اكبر أحزاب اللقاء المشترك من لندن أيضاً عام 2003 في سياق المعارك الضارية ضد المرأة عبر صفحات إحدى المجلات العربية الصادرة في عاصمة (( بلاد الفرنجة )) .. وما زالت هذه المعركة دائرة عبر منابر بعض المساجد حيث يتبارى خطباء (( اللقاء المشترك )) في الاقتداء والتأسي بسيرة نظام " طالبان" المقبور من خلال مطالبتهم بمنع المرأة عن العمل وحبسها في البيت والزعم بأنّ ذلك من أصول الدين عندهم ؟؟!!حين تأتي هذه الدعوة من أكبر حزبٍ معارضٍ في البلاد وهو الحزب الذي يقود تحالف أحزاب " اللقاء المشترك " ويسعى و" يجاهد " بشراسة من أجل الوصول إلى السلطة ، فإنّ خطراً كبيراً يهدد الديمقراطية والمجتمع ، خصوصاً عندما يتم توزيع الأدوار داخل منظومة احزاب المعارضة بين جناح يتفرغ للعَلاقات العامة والإعلام بهدف تلميع الخطاب السياسي والاعلامي المعارض لدى الرأي العام اليمني والعربي والدولي والسفارات الأجنبية ، وبين جناح آخر يريد أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء ويستنسخ على أرضنا صورة سوداء لتجرِبة " طالبان " القبيحة والعياذ بالله !!صحيح ان ثلاثة اعوام انقضت بين عام 2003 حين اتهم احد شيوخ (( اللقاء المشترك )) عبرتصريحه المنشور في مجلة (المجلة)الصادرة في لندن المرأة اليمنية بأنّها سبب البطالة في البلاد ، عارضا على الناس وصفة سحرية لمعالجة البطالة تتلخص في تسريح النساء العاملات و حبس المرأة في البيت وتوظيف الرجال العاطلين بدل النساء العاملات ، وبين عام 2006 الذي اطلق فيه الاستاذ محمد قحطان تصريحاته اللندنية المدافعة عن الديمقراطية وحرية الفكر وحقوق المرأة ، لكنه من الصحيح ايضا ً اننا لا نعرف حتى الآن مدى قدرة الاستاذ محمد قحطان وماكنته الإعلامية على نقل افكاره من حيّز التصريحات الاعلامية الى حيّز الوثائق والسياسات والبرامج الحزبية الداخلية بعيدا عن الاختباء خلف مظلة (( اللقاء المشترك )) .مامن شك في أن الغياب المطلق لأفكار الاستاذ محمد قحطان عن ادبيات الحزب الذي ينتمي اليه ـ وهو الحزب الذي يقود بامتياز تكتل احزاب (( اللقاء المشترك )) ـ يعني أنّ ذلك الحزب سيقدم بجرة قلم ، في حالة وصوله إلى السلطة ، على شطب المنجزات المتواضعة لكفاح المرأة اليمنية منذ قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م وسقوط دولة الإمامة الدينية الكهنوتية التي كانت تتستر بشرعية (( حاكمية الكتاب والسنة )) ، حيث أصبحت المرأة تشتغل في العمل السياسي العام وتمارس وظائف الولاية العامة كوزيرة وسفيرة ونائبة في البرلمان وموظفة حكومية وعاملة صناعية. كما أصبحت المرأة عاملاً نشطاً في الجماعات المهنية التي تشمل الأطباء والمهندسين والمحامين والصحفيين والتجار وأساتذة الجامعات وهيئات البحث العلمي والقضاء والشرطة والأدب والفن والإعلام والتدريس والتمريض ، بالإضافة إلى دورها الإنتاجي في القطاع الهامشي مثل إنتاج المواد الغذائية والحرفية والخدمية في البيوت.. ناهيك عن ان مؤشرات عمل المرأة في الريف تشير إلى ان المرأة تعمل ساعات أطول من الرجل سواء في الحقل أو المنزل ، على الرغم من أنّ المجتمع لا يعترف بعملها هذا، نظراً لغلبة المفاهيم التي تعرّف عمل المرأة في إطار المجال الخاص بينما يتم تعريف عمل الرجل في إطار المجال العام.ولأنّ الذكرى تنفع المؤمنين ، فمن واجبنا أن نتذكر إحدى محاولات الاختباء خلف مظلة احزاب (( اللقاء المشترك )) ، عندما عقدت نخبة تمثل عدداً من القيادات الحزبية المعارضة وبعض الشخصيات الاجتماعية والإعلامية اجتماعاً في مقر الحزب الاشتراكي اليمني بالعاصمة صنعاء قبل عامين تحت اسم " اللقاء الوطني لمتابعة حادث اغتيال الشهيد جار الله عمر " حيث دشن ذلك الاجتماع مقدمة لفعاليات وبيانات ومقالات " مشتركة " في مختلف المنابر الإعلامية لأحزاب " اللقاء المشترك " ، وكان الهدف المحوري لكل تلك المناشط هو الالتفاف على محاكمة قاتل الشهيد جار الله عمر بذرائع مموهة استهدفت الضغط على القضاء لإيقاف محاكمته وعدم إصدار حكم قضائي بحقه جراء جريمته التي اعترف بها ودافع عن منطلقاتها وأهدافها . و قد كان للاستاذ محمد قحطان من حزب الإصلاح والدكتورمحمد المخلافي من الحزب الاشتراكي نصيب الأسد في تلك المناشط التي طالبت بايقاف محاكمة قاتل جار الله عمر !!!! لا يحتاج أي عاقل سبق له ان تابع تلك الفعاليات إلى جهد كي يدرك أنّ ما كان مطلوبا من قبل البيانات والمقالات التي اطلقتها ماكنة اعلام احزاب (( اللقاء المشترك )) بشأن المطالبة بايقاف محاكمة قاتل جار الله عمر هو تبرير الالتفاف على المحاكمة التي كانت تجري للقاتل ، والضغط على القضاء، باتجاه عدم إصدار حكم يدين القاتل ، والمطالبة بإبقائه في السجن فترة طويلة تفتح المجال لاتهام السلطات في وقت لاحق بمخالفة القوانين الخاصة بإجراءات التوقيف والضبط على ذمة قضايا جنائية وجرائم إرهابية ، وصولاً إلى الدعوة لإطلاق سراحه في نهاية المخطط؟!!قد اكون مخطئا ً حين اقول ثمة أطرافاً معروفة في " اللقاء المشترك " حرصت على استخدام الحزب الاشتراكي كحصان طروادة بهدف إيقاف محاكمة قاتل الشهيد جار الله عمر، على نحو يتسق مع مواقفها السابقة ، إزاء المعتقلين على ذمة جرائم إرهابية سابقة ، حيث سبق لهذه الأطراف ممارسة ضغوط سياسية وإعلامية على الحكومة تحت مظلة " اللقاء المشترك " بهدف إحالة ملفاتهم إلى القضاء أو إطلاق سراحهم ، لأنّ بقاءهم في السجن والتحقيق معهم لفترة طويلة دون محاكمة يتعارضان مع القوانين التي تنظم إجراءات الضبط والتوقيف على ذمة أفعال خارجة عن القانون!!من نافل القول أنّ اغتيال الشهيد جار الله عمر جريمة إرهابية لا يجوز فصلها عن ثقافة التطرف والتعصب التي تمنح المنفعلين بها إرادة القتل العمد ، وتبرر لهم تصفية من يخالفهم في الرأي والفكر والمعتقد ، الأمر الذي اضطرني حينها الى نقد تلك الفعاليات الاحتجاجية التي سعت الى ايقاف محاكمة قاتل الشهيد جار الله عمر بذريعة أنّ المحاكمة لا تستطيع منع أسباب القتل ، التي تهدد حياة قادة الفكر والرأي ، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ عدداً من الوجوه الحزبية والإعلامية التي شاركت في تنظيم الكثير من تلك الفعاليات وتدبيج العديد من البيانات و المقالات كان لها دور مشهود في الدفاع عن قاتل جار الله عمر وتنظيم حملات تضامنية معه عبر صحافة أكبر أحزاب " اللقاء المشترك " في نهاية عام 2000م ، حين اعتقلته الأجهزة الأمنية بتهمة تكفير قادة الدولة والمجتمع ووسائل الإعلام عبر منابر المساجد والشرائط الصوتية.. وبين أيدينا نسخ من تلك الصحف التي وصفت اعتقال القاتل آنذاك بأنّه محاولة (( لتكميم الأفواه)) ، ومصادرة حق التعبير عن الرأي وتضييق الهامش الديمقراطي"!!!لا أبالغ حين أقول إن الذين قتلوا جار الله عمر وأطباء مستشفى جبلة وراهبات الحديدة، لم يخفوا تأثرهم بما درسوه وسمعوه في الجامعات والمعاهد التي التحقوا بها، والخطب والمحاضرات والفتاوى والشرائط الصوتية التي استمعوا إليها والكتب التي طالعوها.. وكذلك فعل ذلك الشاب الذي حاول قتل الأديب العربي والعالمي الكبير نجيب محفوظ لمجرد أنّه سمع أحد الدعاة يتهم ضحيته بالكفر رغم أنّه لم يقرأ كتاباً أو سطراً واحداً لنجيب محفوظ.. ولن نستغرب أن يقوم معتوه آخر بتهديد حياة النساء المشاركات في الهيئات البرلمانية والحزبية، لأنّ أحد شيوخ (( اللقاء المشترك )) يعارض مشاركة المرأة في عضوية البرلمان والهيئات الحزبية ، ويدعو إلى منعها من العمل وحبسها في البيت، بذريعة أنّ عملها الاقتصادي والاجتماعي ونشاطها السياسي يخالفان أصلاً معلوماً في الدين ، ويهددان بوقوع معصية الخلوة غير الشرعية بين الرجل والمرأة تحت سقف البرلمان أو المصنع أو داخل اجتماعات الهيئات الحزبية!!!وحين نسمع على لسان الاستاذ محمد قحطان كلاما في لندن يجعله على يسار الحزب الاشتراكي اليمني والاستاذ ابوبكر باذيب على وجه التحديد فاننا نسمع ونقرأ ـ في اليمن ـ الكثير من الافكار والاراء والخطب التي تسير في اتجاه معاكس ، الأمر االذي يضع على السطح اسئلة حائرة يصعب التغطية عليها من خلال استخدام ((اللقاء المشترك )) كشكل من اشكال العلاقات العامة في بيئة سياسية مثقلة بالتناقضات ومحكومة بارث المناورات وملتبسة بصراع الارادات الداخلية والخارجية .يبقي القول أن مشكلة احزاب (( اللقاء المشترك )) تتجسد في حقيقة انها تتبنى خطابا ديمقراطيا في صحافتها و تقول كلاما معسولا في مؤتمراتها الصحفية ، وتحاول الظهور بوجه جميل امام سفراء وممثلي الدول والمنظمات المانحة .. لكن الذين يقودون هده الاحزاب ويتحكمون بمصادر اتخاذ القرار ورسم السياسات يقولون شيئا آخر .. فمن نصدق ؟[c1]نقلا عن/ صحيفة ( 26 سبتمبر )[/c]
|
اتجاهات
غزوة لندن .. مَنْ يـُـصدِّق مَنْ ؟
أخبار متعلقة