غضون
* تخيلوا معي هذا المشهد .. مواطنون منحدرون من المحافظات الشمالية والوسطى استقروا في محافظات جنوبية وشرقية وهم يخرجون منها خائفين عائدين إلى مساقط رؤوسهم، ومواطنون من محافظات جنوبية وشرقية استقروا في الشمالية والوسطى وهم يعودون إلى محافظاتهم .. هل هذا ممكن؟ بالطبع لا توجد أي قوة في العالم يمكن أن تفرض علينا هذا المشهد .. ولا أحد يفكر بهذه الطريقة سوى قليل من المناطقيين ودعاة الكراهية وحملة الإرث الاستعماري، والذين يتجاهلون حقائق عنيدة ومهمة وهي أن هذا هو شعب واحد وبلد واحد وأن إعادة الفرز على هذا النحو أمر مستحيل لأسباب تاريخية وثقافية وسياسية واجتماعية واقتصادية تضافرت على جعل الوحدة والاندماج الاجتماعي من الأمور غير القابلة للتفكيك، وجعلت العودة بالعنف أو بالسلم إلى ما قبل 22 مايو 1990م أمراً مستحيلاً ولا يفكر به سوى الأحمق أو من يتجاهل حقيقة أن الوحدة اليمنية التي أعيد تحقيقها سلمياً قدم هذا الشعب آلاف الشهداء وتحمل أقسى الخسائر لحمايتها عندما شهر في وجهها مشروع الانفصال عام 1994م.* الذين يثيرون الكراهية ويدعون إلى الانفصال رافعين شعارات مثل القضية الجنوبية والتحرير والاستقلال ويضفون عليها مسحة “السلمي” يتعين عليهم إدراك أن المواطنين لديهم قدرة على فهم مراميهم واكتشاف مغالطاتهم .. فهم يدعون أنهم يستخدمون وسائل سلمية .. حسناً .. لكن الأهداف التي يريدون الوصول إليها بهذه الوسائل السلمية أهداف غير قابلة للتحقق سلمياً وهذا أمر مكشوف .. ويتعين عليهم ملاحظة تناقضهم، فالوسيلة كما يزعمون سلمية، ولكن الهدف غير نبيل وغير مشروع وغير قابل للتحقق إلا بالعنف، وهذا العنف سوف يواجه من قبل قوى الشعب وهي لديها مشروعية ولديها مصلحة في حماية الوحدة وفي استمرار الحراك السكاني والاندماج الاجتماعي والسلم الأهلي.* بالتأكيد لن يحدث شيء من ذلك ولن يتمكن أفراد محدودو العدد من إيصالنا إلى هذا الوضع، ولكننا نسوق هذه الشواهد من باب تنبيه دعاة الكراهية والمناطقية والانفصال بأن مشروعهم ميئوس والهزيمة ستحيق به .. ومع أني أفاخر بخصومتي لمشروعهم سأكون واحداً من الذين سيقفون إلى جانبهم إذا استطاعوا أن يظهروا لنا أن لديهم قضية عادلة ومطالب مشروعة ويناضلون من أجلها في إطار الوحدة والدستور والقوانين النافذة.* على أن إدعاءهم الالتزام بمبدأ “السلمي” هو إدعاء زائف لأن طلائعهم بدأت تمارس العنف الذي استهدف مواطنين وممتلكات عامة وخاصة، وهذا العنف عندما يصل درجة الخطر سوف يبرر للدولة ولكل مواطن متضرر مواجهة العنف لحماية المجتمع والحقوق الفردية.