الاحتجاج “مش جريمة” .. والعنف “مش احتجاج”
من حق عدن وسكانها وأبنائها الحصول على حاجتهم من المياه المنزلية، كما أنه من حق أبين وسكان زنجبار والمديريات القريبة - (جعار وخنفر) - مثلاً المطالبة بنفس الحق والخدمة، علاوة على أن مياه المحافظة العزيزة “عدن” تجيء من هناك في الغالب - من أبين وتحديداً من جعار - خنفر، ولاحقاً تستعيد جعار وزنجبار جزءاً يسيراً من مياهها الجوفية الذاهبة إلى خزانات تغذية مدينة عدن وسكانها بالمياه المنزلية!إذا كان نقص أو انقطاع المياه المنزلية يشكل مشكلة ومعاناة - وهو كذلك بالفعل - فإن حل هذه المشكلة ومعالجتها لا يتم عن طريق افتعال أو إثارة عدد آخر من المشكلات ومضاعفة المعاناة التي لا تصب في مصلحة الجميع. بل تلهي عن المشكلة الأساسية وتؤزم الحياة وتعكر صفو المدينة، وقد تكون سبباً مضاعفاً لتأجيل الحلول والمعالجات الجاري تنفيذها لسد النقص وحل أزمة المياه وانقطاعاتها المتكرة.لا أحد يرضى بالمعاناة اليومية التي (يتكعفها) المواطنون والسكان، بسبب قلة أو انقطاع أو تأخر المياه عن المنازل، لكن هذا يصدق على عدن وتعز وأبين وإب وعلى العاصمة صنعاء نفسها، ذلك إن المشكلة لا تقتصر على عدن، بل لعلها وأكثر أمر في تعز أو غيرها .. وربما تكون “أبين” المجاورة أصدق حالاً وأكثر معاناة في هذا الجانب برغم أنها هي من تزود عدن بالمياه وتقدم - بحب وإيثار - تضحيات مشهودة محبة لعدن وإقراراً بخصوصية المدينة وموقعها في الخارطة الوطنية.مع أن كثيرين قد لا يرون الإيثار بمياه الشرب تضحية مستحبة. إلا أن أبين تفعل ذلك بدون تحفظات!!غير مفهوم وغير معقول أو مقبول بالمطلق أن تتحول كل قضية وكل مشكلة وكل مسألة في هذه المدينة أو غيرها إلى مادة للجدل أو عنوان مضاف لأزمة جديدة وتأزيم مضاعف.يمكن للناس أن يعالجوا مشاكلهم بعيداً عن افتعال أو التسبب في مشاكل جديدة هم في غنى عنها. ودائماً لا تستطيع السلطات المحلية والمكاتب والمؤسسات التنفيذية والخدمية التنصل عن مسؤولياتها أو التبرؤ من واجباتها المرعية ووظائفها المباشرة والمتعلقة بمصالح الجمهور وحياة المواطنين وتلبية احتياجات الجمهور والسكان.إنما على الجمهور أن يبحث عن حاجياته الخدمية من دون أن يفسد مصالحه وحياته وعلاقته بالمؤسسات والسلطات المحلية. وليس أبناء ومواطنو عدن هم من يحتاجون إلى مرشد أو منظر ينظر لهم وعليهم في هذا الباب والشأن، فهذه المدينة صاحبة سجل مشرف وموروث خاص يجعلها أقرب إلى الحالة المدنية القديرة، منها إلى الحالة المعاكسة أو المخالفة لروح وطبيعة وخصوصية عدن وأهلها الطيبين.ولا بد من التذكير، في هذا المقام والمقال، بأن تذمر الناس وتململهم جراء واحدة من المعاناة والمشاكل الخدمية ليس ضرباً من الغرابة أو تحريضاً ضد السلطات المحلية. وطبيعي جداً في ظروف مشابهة لأزمة المياه هذه أن يعبر الناس عن سخطهم وتذمرهم، وعلى السلطات المحلية مجارات الناس وتفهم ما يصدر عنهم واحتواء ردود الفعل المحتجة وعدم تفسير كل شيء بمنطق المؤامرة أو الاستهداف، فهذا شيء غير محبذ وغير مطلوب وربما يكون غير مفهوم أيضاً.فحتى لو كان الأمر كذلك بالفعل فإن على السلطات المحلية - وجوباً - تفويت الفرصة على “المتآمرين” واحتواء التذمر الشعبي وليس التصادم معه.وفي المقابل، يجدر بالجمهور تحاشي الأساليب العنيفة وعدم القبول بالردود المتطرفة، لأن هناك دائماً من يفسد الأمور ويستغل الجمهور أو يستغفله لمآرب خاصة ولأهداف بعيدة كل البعد عن معاناة الناس وقضاياهم الملحة، بل يتم القفز عليها وتفجير أزمات ومعاناة مضاعفة ليست بعيدة عما شاب وتخلل ونتج عن الأحداث الأخيرة التي ما كان لها أن تكون لو لم يكن في الصفوف من غافل المحتجين على انقطاع المياه، وحولها إلى مواجهة عنيفة وعنوان للصدام والعنف. وهنا تحديداً يجدر بالعقلاء التوقف لاستخلاص العبر وتحاشي الوقوع في مصائد أخرى ومصائب جديدة!وفي هذه أو تلك من القضايا والإشكالات نتفاهم أحسن!والخلاصة البسيطة والمهمة هي : أن الخدمات الأولية والأساسية، حق المواطنين على السلطة المحلية .. وواجب السلطة المحلية تجاه المواطنين. وللمواطن أن يشكو ويتألم ويحتج إذا لم يجد حاجته من الخدمات.وليس على السلطة المحلية أو مجموع السلطات التنفيذية التحسس أو زيادة الكميات المستهلكة من الافتراضات المجنحة والمسارعة نحو تفسير كل شيء بالمنطق السياسي أو التهيؤات الأمنية المبالغة، كما أنه من واجب المواطن الحذر وزيادة التحذر، من قليلي الخير وكثيري السوء و”الموغادة” الذين يفسدون كل شيء ويستغلون الناس ومعاناتهم لحسابات غير نزيهة وغير بريئة - تماماً كأصحابها! يعني، الاحتجاج والتذمر “مش جريمة” ولا يحزنون .. لكن العنف والإرجاف واستعداء السلطات ورجال الأمن هو الآخر “مش احتجاج” ولا يحزنون!!ودمتم مركزين ....