قصة قصيرة
عبد العزيز عباس كان الألم مضنٍاً ، يشق طريقه كمشرطٍ متوغلٍ في الأعماق. عقارب الساعة تقترب من منتصف الليل ، الألم ببطء الثواني ، ومنتصف الليل ، لم يحل بعد ، وكلما اقترب الموعد ، كان الألم يقف شامخاً كطودٍ لعينٍ في وجه سرعة الثواني ... لحظات الترقب ، تزرع الخوف والتوتر والقلق وكل المشاعر المضطربة في الأعماق ، أشواكاً مدببة ، وتفرض نفسها خطوطاً واضحة على صفحات الوجوه الشاحبة... الأعين الشاخصة صوب تلك الغرفة التي تشهد تلك اللحظات الأخيرة المليئة بكل المعاني المتضاربة ... الجمود وحده ، يظل عاقاً على وجوه أفراد الفريق ، تقرأ من خلاله أحرفاً غير واضحة المعالم . كانت المعاناة قد وصلت إلى نقطة اللااحتمال . الصراخ يعلو ، الدموع تجد طريقها دون عائق ، تنحدر شلالاً صغيراً نحو الأسفل ، والألم يزداد توحشاً ، ومنتصف الليل ، لا زال بحساب الساعات ، تمضي صوبه الثواني ببطءٍ شديد ، خيل للجميع أن الزمن توقف بها تماماً ... الأيدي تتقلب على كل الاتجاهات ، العيون غارقة في صلاة صامتة ، القلوب نبضاتها استحالت حشرجة في الصدور ، الأيدي معقودةٌ في خشوع وتُبتّل والألسن تلهج بالدعاء الحار . لحظات عصيبة .. الأقدام لم تتوقف ، تحمل أصحابها ذهاباً وإياباً ، تقطع بهم تلك المساحة الضيقة ، تحمل عنواناً واحداً ، احتراق الأعصاب . الكلمات تخرج بصعوبة ، شديدة الاختصار ، كأنما مقيدة بسلاسل من فولاذ ، رنات الهواتف المحمولة لا تكاد تصمت في هذه اللحظات، وكلمات الرد ، مختصرة أو مختزلة ، كأنما ترفض الخروج من دائرة الصمت الجاثم بأنفاسه الثقيلة على صدر الغرفة . ليلة ليلاء ، غاب فيها القمر ، النجوم وحدها تتلألأ كأنما ترقص على إيقاع ذلك الصمت ، حرارة المكان شبه المغلق والرطوبة الشديدة تعصف الجميع بوطئها ، فيتصبب العرق اللزج من الوجوه والأجساد ، مروحة السقف التي تدور بكسل واضح فوق الرؤوس كأنما هي الأخرى قد أصابها الوهن بسبب حالة الترقب وصوتها الصدئ هو الوحيد الذي كان يخدش ذلك الصمت المطبق ،والمنتصف بقياس الوقت ، لا زال بعيداً ، الثواني تزحف بصعوبة ، كأنما تسير في صحراء ، رملها يحرق الأقدام التي تغوص عميقاً في لجها الكثيف . في تلك اللحظات المشحونة بكل المعاني ، والصمت سيد الزمان والمكان ، وصلت الثواني بشق الأنفس ، احتضنت عقاربها بلهفة العاشق الملتاع ، منتصف الليل ... تسلل صوتٌ ، رقيقٌ ، خافتٌ ، غاضبٌ ... استطاع رغم خفوته أن يبدد سحابة الترقب ويمزق ستار الصمت المطبق ، حينها تحررت الثواني من لزوجة سيرها الصمغي ، وأسرعت تمضي كأنما تزرع الفرحة في فضاء ذلك المكان وتوزع باقات الورود والرياحين على الجميع ، انقشعت رتابة تلك اللحظات ، واحترقت أوراق القلق والتوتر والخوف من صفحات الوجوه .. كان ذلك الصوت الرقيق ، الخافت ، الغاضب ، قد فتح خطوط الهواتف المحمولة ترسل من خلالها عبر الأثير ذلك الخبر الجميل إلى الجميع .. نعم ... أخيراً ، هبط الملاك في منتصف الليل .... رغم صعوبة هبوطها ، إلا أن الفرحة أثلجت كل الصدور ، وانزاح الألم إلى غير رجعة ... إلى ميرال.. حبيبتي ... تلك التي أرهقني انتظارها ... جدّو..[c1]2010/4/17م - عدن[/c]