غضون
- تتوافر لدولة عربية كبرى كافة الشروط المادية والبشرية لكي تغدو متقدمة، ومع ذلك هي تحسب ضمن الدول النامية أو المتخلفة رغم أن تلك الشروط كانت قد توافرت لديها قبل ظهور نمور آسيا والنهضة الحديثة في ماليزيا والصين، وغيرها من الدول التي نهضت عن طريق إصلاح أنظمتها التربوية والتعليمية والثقافية.. تتوافر لتلك الدولة - وهذا أيضاً يتوافر لدينا لكن بقدر أقل - مدارس ومدرسون ومربون ومرشدون ومساجد ورجال الدين، كل المساحات مغطاة بهذه الموارد المادية والبشرية المدعومة بالموازنات والنفقات المالية الكافية أو الزائدة عن الحد، ومع ذلك هي تعاني المشكلة نفسها التي تعاني منها أفقر دولة في آسيا أو أفريقيا.. فالمشكلة ليست في معلمين أو مناهج ومدارس ومتعلمين ومربين ومرشدين وموجهين، ولا نقص في مراكز التوجيه الثقافي، بل المشكلة تكمن في أن ذلك كله مصمم للإبقاء على الحال كما هو عليه أو استعادة الماضي الذي لا يحتاجه يومنا ولا غدنا، وحاضرنا ومستقبلنا.- لا أحد من متخذي القرارات يرغب في الخروج عن المألوف أو التجديد أو التغيير، ومع ذلك يكثر الحديث لدينا عن المستقبل، الذي لا معنى له ولن يأتي بدون تغيير وبدون رمي الماضي خلفنا.. تجد رجل دين وقد عاد من دولة أوروبية أو حتى من ماليزيا يحدثك عن انبهاره وإعجابه بالحياة العصرية في تلك الدولة وعن الرخاء ويحدثك عن أسباب ذلك، ويعيد تخلفنا نحن المسلمين إلى كوننا لم نأخذ بأسباب التقدم ولا سنن التطور التي أمرنا بها ديننا، بينما من الناحية العملية هو يشتغل طول يومه في تعطيل تلك السنن والأسباب بصور شتى من الخطابات المنفرة من الجديد والمحفزة للركود على الماضي، وهكذا يفعلون جيلاً بعد جيل ثم يجأرون بالشكوى من التخلف والفقر الضارب أطنابه في مجتمعاتنا، رغم أن ذلك الانبهار وهذه الشكوى ما كان لهما الترسخ في هذا المجتمع لو جارينا العصر وتصالحنا مع الدنيا ومع المتغيرات بمسؤولية.- قبل عقود كنا نعزي تخلفنا والمظاهر والظواهر السلبية إلى قلة عدد المتعلمين والمعلمين والمدارس والموجهين والمرشدين، واليوم قد ازدحمت الأرض بكل هؤلاء وصار لدينا أكثر من عشرة ملايين متعلم، نشكو من نفس المشكلة التي كنا نشكو منها قبل عقود.- ليست المشكلة في قلة المدارس ونقص في المعلمين والكتاب المدرسي والجوامع والخطباء والمربين والمثقفين، بل المشكلة تكمن في أنظمة تعليمية وثقافية غير منتجة.. هي في أحسن الأحوال تحمي الأمية، وهذا ليس دائماً بدليل أنك تجد متعلماً كبيراً يتصرف في حياته تصرفاً لا يحدث من قبل بعض الأميين!