صباح الخير
رحيل الدكتور كمال عبده علي ، أخصائي جراحة العيون وأمراضها ، الرجل المشهور كان صدمة قاسية في نفوس ذويه ومحبيه .. فقبل دقائق من وفاته كان مع أصدقائه في مقيله الخاص بمنطقة ريمي في منزل الأستاذ / خالد إبراهيم ، وكان لمرحه وابتسامته الرحبة أثرٌ لم يغادر بعد قلوب الأصدقاء حتى رنت الهواتف السيارة تستنجد الأصدقاء والأطباء في المقيل لإنقاذ كمال الذي وقع مغشياً عليه عند همه بالخروج من منزله لإيصال زوجته لزيارة أقاربها في حي التواهي بعدن .. فهب الأصدقاء لإسعافه ومنهم الدكتور / ياسين عبدالقادر الأخصائي الباطني المشهور والذي كان قبل دقائق يمازحه ويتبادل معه الحديث والضحك فلم يلبثوا يسيراً حتى اتصلوا يبلغون من بقي في المقيل بخبر الصاعقة أن الدكتور كمال قد أسلم روحه لباريها عز وجل !! . كمال عبده علي، أخصائي العيون، لا بل قل ملاك العيون، فكلمة ملاك هي نفس أحرف اسمه ( كمال ) بتحوير بسيط تصبح ( ملاك ) وهو ملاك العيون بحق.. كم له من أياد بيضاء نقية في فعل الخير ومساعدة البؤساء والمعوزين .. ورغم اشتداد الأيام الأخيرة عليه لم يفرط أبداً في هذه الفضيلة التي درج عليها .. واستمرت معه حتى النهاية.. !! .. لقد عاش الدكتور كمال لأهله وناسه وأصحابه ، يعرف هذا جيداً كل من كان على مقربة منه أو قرع باب بيته أو عيادته يوماً ما .. فالرجل لم يتأخر عن مساعدة الطالبين حتى في أحرج أوقات اليوم ! .. لا يأخذ من أجر عمله الجراحي إلا القليل ! .. وربما سامح من إذا أحس أنه لا يقدر على دفع شيء.. ولا يرده خائباً أبداً !! .. وكان دائماً يقول : ما عند الله خير وأبقى ! .. ويطلب الدعاء من الفقراء إذا سامحهم في حقه عسى الله أن يفرج همه.. ويرفع له موازين الجزاء يوم يقوم الحساب ! . نم يا صديقي كمال قرير العين .. فموتك المباغت سلب أفكاري من لب عقلي .. وشتت مشاعري بين جوانحي.. ولم أزل أعيش طيفك في كل لحظة من أيامي وليالي.. لم أزل أتذكر كلامك الطيب وطلعتك التي تنشرح لها النفس.. وتكتئب إذا افتقدتك يوماً من الأيام ! . لم أزل أتذكر مرحك وضحكك .. وأني لم أرك عابساً يوماً حتى في أشد أوقات النكد والأحزان ! .. لم أزل أتذكر اهتمامك بي وبأسرتي وأطفالي وإجراء كل ما يلزم تجاههم .. حتى ابني الصغير ( عمار ) ذي السنوات الأربع كان على موعد معك يوم السبت الذي لم تدركه بقدر الله.. فلما علم أن الدكتور كمال مات ظل يردد ببراءة الطفولة وفطرتها: الله يرحمك يا دكتور كمال !! إي والله لم يلقنه أحد .. ولكنه إحساس المحب لمن يحب .. وإحساس البراءة بالأبوة المعطاءة الكريمة !! .. وأنت من شجعتني على إجراء الجراحة في إحدى عيني، وكنت أرفض ذلك منذ عشرين عاماً.. فلما اطمأننت إليك وأجريتها لي .. لم أكن أتصور إني عشت ما مضى من عمري ناقص النظر حتى جلاّه الله على يديك الكريمتين.. ماذا أستطيع أن أحتسب من نفعك وفضل أياديك .. لقد ملأت حياة أصدقائك وعمرتها بالحب والحياة والانتعاش !! واليوم يا صديقي انفتل الغطاء .. وطار معك الحب والحياة والانتعاش !! ولم نكن نتصور صداقة بدون كمال !! . لقد فجع القلب .. وزاغ البصر .. ورجف الصدر .. وتزلزل القدم برحيلك ! .. وودعنا جميعاً إنساناً عظيماً أحبنا وأحببناه.. وعاش معنا بكل بساطة وتواضع ووفاء.. وبكاك الأول والآخر .. وتحسر عليك كل محبيك .. واحترقت قلوب أهلك وأصدقائك من لهيب فراقك ووداعك .إن القلب يعتصر ألماً وأحزاناً .. والصدر يشتعل من الحريق أضراما.. والعين تسكب دموعها على الخدين جريانا !! ..ولكن لا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا على فراقك يا كمال لمحزونون !! . وإن العزاء كل العزاء في فضل الله تعالى الذي نسأله أن ينور عليك ضريحك .. ويعظم موازين أعمالك ويبعثك يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين . إنه ولي المؤمنين يوم يحيون، ويوم يموتون ، ويوم يبعثون ! .
