العمارة في اليمن
[c1]* التهوية الطبيعية وحركة الهواء[/c]الاستشاري المعماري/ المهندس/ سعد حميد جاسم العنبكي إن التهوية الطبيعية وحركة الهواء تعتبران أحد أهم مسببات تهيئة مبنى ذي مواصفات بيئية ممتازة يتمتع ساكنوه براحة عالية في المناطق الدافئة الرطبة بالاعتماد على أقل ما يمكن من مصادر طاقة أو تركيبات ميكانيكية.إن السيطرة على حركة تيارات الهواء داخل المبنى وكيفية توجيه هذه التيارات هما دليل نجاح المصمم وحسن أداء المبنى.وتتحقق التهوية الطبيعية وحركة الهواء في المبنى كنتيجة لاختلال الضغط بين داخل المبنى وخارجه وكمية هذا الاختلاف في الضغط وموانع انسياب الهواء إلى داخله عبر فتحات هي التي تحدد كمية تدفق الهواء عبر هذه الفتحات أما العاملان اللذان يؤديان إلى حدوث هذا الاختلاف في الضغط فهما :1- قوة الرياح2- تيارات الحملبينما يكون التصميم مسؤولاً عن الاستفادة من هذه العوامل الطبيعية.إن لحركة الهواء والتهوية الطبيعية ثلاثة واجبات أساسية مميزة وهي :3- تزويد المبنى بالهواء النقي الصحي4- التبريد بواسطة تيارات الحمل5- التبريد الفيزيولوجيوتنظم الفقرة (1 و2) تحت عنوان التهوية، أما الفقرة (3) فهي التي نسميها حركة الهواء.إن احتياجاتنا للتجهيز بالهواء النقي هي من الأمور الطبيعية المسلم بها ولا يفوتني التذكير في هذا المجال بالخطأ الشائع في معظم قاعات الأفراح الموجودة في عدن والتي تعتمد في تبريدها على مكيفات الهواء نوع (سبلت) والتي تقوم بتبريد الهواء فقط من دون تجهيز القاعة بالهواء النقي مما يؤدي مع وجود الزحام الشديد إلى ضيق في نفس المدعوين وذلك لقلة نسبة الاوكسجين وزيادة ثاني أوكسيد الكربون ناهيك عن المخاطر الصحية من ازدياد العدوى في حالة وجود مرضى في الجهاز التنفسي داخل القاعة.نفهم من ذلك أن أهمية توفر الهواء النقي جلية لأي شخص، أما كمية الهواء المطلوب تبديله للمبنى في كل وحدة زمنية فهذا يعتمد على:1- عدد الأفراد الشاغلين للفضاء2- نوعية الفعالية داخل الفضاء3- طبيعة استخدام الفضاءوهنالك دراسات خاصة لتحديد كمية الهواء الواجب تبادله لكل حالة ولكل فعالية بوحدات قياس (م3 / ساعة) المهم أن نعلم أن هناك حاجة فعلية لتبديل هواء الفضاء للحصول على أجواء صحية.إن عملية تبديل الهواء الداخلي بالهواء الخارجي قد يصاحبها نوع من البرودة المضافة إلى الفضاء، حيث تتم خلالها نقل درجة حرارة الخارج إلى الداخل، أما عملية ارتفاع الهواء الحار إلى الأعلى باستمرار ودخول الهواء البارد فهذه تجري حتى حين تكون الرياح شبه ساكنة حيث يرتفع الهواء الحار القليل الكثافة إلى الأعلى ليدخل محله هواء بارد (ثقيل) وهذه هي عملية انتقال الهواء من مناطق الضغط العالي إلى مناطق الضغط المنخفض وحركة الهواء هذه يصاحبها دوماً تلطيف للجو حتى في الأيام التي تكون فيها الرياح شبه متوقفة وهذا هو ما يسمى بالتبريد بواسطة تيارات الحمل وعلى الفضاءات أن تصمم بحيث تساعد على استمرار حركة الهواء هذه والاستفادة القصوى منها.أما ما اطلقنا عليه التبريد الفيزولوجي، فهو تبريد ناتج حصراً عن حركة الرياح والنسائم الهوائية ولفهم الحيثيات الأساسية لهذا النوع من التبريد علينا دراسة فيزيولوجية جسم الإنسان من ناحية انتاجه الحراري.فالإنسان يعتبر من الحيوانات ذوات الدم الحار التي تستقر فيه درجة حرارته الطبيعية بالرغم من اختلاف درجات الحرارة الخارجية، وحتى تتحقق هذه النتيجة جهز الله عز وجل جسم الإنسان بأجهزة تطرد الحرارة الزائدة عند ارتفاع درجات الحرارة الخارجية وتحمي الجسم من جهة أخرى إذا انخفضت درجة الحرارة الخارجية إلى مستويات متدنية، بل ويرتجف الجسم لإنتاج حرارة للسيطرة على درجة حرارة الجسم. يكتسب جسم الإنسان الحرارة عن طريقتين رئيسيتين هما :[c1]1- البيئة المحيطة به والتي تشمل :[/c]أ- أشعة الشمس مباشرةب - اشعاع غير مباشرت - التوصيلث - تيارات الحمل[c1]2- التمثيل الغذائي : [/c]ومادام الإنسان على قيد الحياة فإنه يحتاج إلى الطاقة لأداء فعالياته التي يستحصلها من التمثيل الغذائي الذي تكون الحرارة أحد نتائجه العرضية وعليه أن يتخلص من الفائض منها وهنالك أربع طرق رئيسية للتخلص من هذه الحرارة وهي :1- الإشعاع2- التوصيل3- الحمل4- التبخيروتحتاج الطرق الثلاث الأولى إلى أن تكون المناطق المحيطة بجسم الإنسان أقل حرارة منه.وبما أن درجة حرارة الجو المؤثر في المناطق الدافئة الرطبة (من ضمنها مدينة عدن) والتي تتراوح بين (29 - 36) م5، هي مقاربة لدرجة حرارة الجسم (درجة حرارة الجلد 34)م5 فإن الطرق الثلاثة الأولى آنفة الذكر لايمكن الاستفادة منها ويبقى الأمل الوحيد في التبخير.والكل يعرف عن هذه الطريقة إنها ناجحة وممتازة ولأن عملية التبخير (تحول الماء من الحالة السائلة إلى الحالة الغازية) فإنها تحتاج إلى سحب كميات محسوسة من الحرارة في الأجسام الملاصقة للماء الذي يتم تبخيره، وهذا يتم بسرعة عند تعرضه إلى تيارات هوائية تدفع بالهواء القريب من السطح والمشبع ببخار الماء بعيداً ليتم تبخير كميات جديدة.والتبخير يتم بطريقتين الأولى عبر الرئتين أثناء التنفس والثانية عبر الجلد ذي المساحة السطحية الواسعة.نفهم مما تقدم أن تيارات الهواء إذا تحققت تستطيع أن تحصل منها على تلطيف للفضاء الذي يعيش فيه الإنسان في المناطق الدافئة الرطبة وعليه يحرص المصمم على توفيرها ويجتهد لدراسة حركة الهواء والرياح للاستفادة منها بدرجاته القصوى للحصول على مبنى اقتصادي مريح.إذاً فإن معيار التصميم الجيد في المناطق الدافئة الرطبة هو مدى استطاعة المهندس الاستفادة من التيارات الهوائية الموجودة في تحقيق بيئة مريحة، بالإضافة إلى حمايته من الحرارة الخارجية.وما الراحة والأجواء الجيدة التي كانت تتمتع بها الأبنية القديمة في عدن وعدم احتياج أهلها إلى المكيفات الهوائية ولطول أيام السنة، إلا لنجاح المصمم في فهم حقيقة بيئته وكيفية الاستفادة القصوى من التيارات الهوائية.لذا فإن علينا أن نرحم المواطنين بتصميم أبنية مريحة من دون استخدام تكييف وذلك باعتماد دراسة لحركة الرياح، وعدم السماح للرطوبة بأن تعشعش داخل المباني فيشعر ساكنوها بضيق في التنفس وحرارة عالية لأن الأمل الوحيد في تلطيف الجو هو تيارات الهواء قد سدت ومن غير تعمد من قبل المصمم أو باني الدار.إن إيمان المصمم والباني بأهمية حركة الهواء في توفير الراحة في المباني في عدن يجعل البحث عن الحلول هدفاً وغاية في تصميم أي مبنى وسنقوم في الحلقة القادمة بعرض سلسلة من المعالجات التصميمية التي تجعل من حركة الهواء داخل المبنى حقيقة واقعة.* والحمد لله رب العالمين