بغداديون يتحدون الخوف بالحب ويستمتعون بالرومانسية مع تراجع العنف
عواصم /14اكتوبر/رويترز/ متابعات:اشترت إيمان القرنفل الأحمر صباح السبت لمناسبة عيد الحب (الفالنتاين)، وهي تحلم بمستقبل أفضل لا يعود فيه اللون الأحمر رمزا للدم في غزة.وتقول إيمان حمدوني الموظفة في جمعية نسوية «أتمنى أن يتغير لون الدم الأحمر الذي سال في الحرب بلون الورد الأحمر في عيد الحب؛ كرمز للأمل والتفاؤل رغم الهم والمآسي وتدمير البيوت».وتضيف أنها اشترت في الصباح باقة قرنفل «تعبيرا عن الأمل لأننا نكره الإحباط».تمارا الطالبة في قسم الأدب الفرنسي والإنكليزي في جامعة الأزهر تبدو متفائلة، حيث قامت بجولة مع صديقاتها في حي الرمال الراقي في غزة. وتقول «الاهتمام بعيد الحب أقل هذا العام لأن الوضع النفسي والمالي صعب (..) لم نجد مظاهر للزينة أو عرض هدايا كما تعودنا في السابق في المحلات».لم يسجل عيد الحب هذا العام إقبالا على شراء الزهور التي عرضتها بعض المحال، ولا إعدادا لأي حفلات في مطاعم أو فنادق قطاع غزة القليلة خلافا للأعوام السابقة.إلا أن وسام العامل في محل لبيع الزهور مرتاح لحركة البيع؛ لأنه لم يكن يتوقع أي إقبال هذا العام.وقال وسام إن الإقبال على الزهور «أقل من الأعوام السابقة التي كنا نبيع فيها آلاف الزهور».ويضيف هذا الشاب الذي زين واجهة محله القريب من مستشفى الشفاء بالزهور بعبارات «عيد الحب» و»فالنتاين داي» بالعربية والإنكليزية، «هناك إقبال على بيع الورد، خصوصا أمس، وفي الصباح، ونتوقع أن يزداد البيع خلال النهار».وكان وسام منشغلا في إعداد باقتي ورد لطالبتين جامعيتين تنتظران في المحل.وتقول لارا طالبة الفنون الجميلة في جامعة الأقصى «جئنا لنشتري الزهور لنعبر عن تفاؤلنا في الحياة. كفى موتا ودمارا (..) آن الأوان للفرح والتخفيف عن الناس».وتفخر لارا بأن صديقها، وهو طالب جامعي، هنأها عبر الهاتف بعيد الحب.وحرم مزارعو الزهور في قطاع غزة من الاستفادة من هذه المناسبة؛ بسبب منع إسرائيل تصدير الورود واستمرار حصارها للقطاع.وسمحت إسرائيل الأربعاء للمرة الأولى منذ عامين تقريبا بتصدير 25 ألف زهرة فقط من القرنفل من قطاع غزة إلى هولندا.وقال زكريا حجازي صاحب إحدى أكبر مزارع الورود في رفح في جنوب قطاع غزة «كنا نصدر سنويا إلى أوروبا ستين مليون زهرة نصفها يتم تصديره فقط لموسم الفالنتاين، ومنذ عامين توقف التصدير نهائيا»، موضحا أن الخسائر تقدر بـ12 مليون شيكل (4 شيكلات مقابل دولار واحد) على الأقل.وقال حجازي «يتم زراعة 400 دونم من القرنفل، خصوصا في رفح؛ حيث تعتاش حوالي أربعمائة عائلة منها على أمل التصدير»، مضيفا «السوق المحلية لا تستوعب هذا الكم، وبالتالي نتكبد الخسارة (..) ولا تعويض».لكن عيد الحب «لا يعني شيئا» بالنسبة لعلا علي حسن طالبة تكنولوجيا المعلومات في الجامعة الإسلامية. وتقول علا «لا يوجد عيد حب في غزة؛ لأن العواطف والمشاعر مسحت، ولا وجود لها بسبب الوضع والأزمات التي نمر بها (..) نحن لا زلنا في حالة إحباط بسبب الحصار والشهداء وكل بيت فيه حزن».وتستدرك «أكيد إذا تحققت التهدئة (بين الفلسطينيين وإسرائيل) الوضع سيكون أفضل وأتمنى أن نحتفل بالعيد القادم بين الأحبة والأصدقاء».ولا تخفي أنها كانت تحتفل بعيد الحب في السنوات السابقة.. «كنا فرحين أكثر ونرتدي أزهى الملابس، خصوصا الأحمر، ونعبر عن الفرحة ونتبادل الهدايا مع الأصدقاء والتهاني بالعيد».ولا تبدو دنيا إسماعيل متفائلة هي الأخرى. وتقول هذه الشابة -وهي مديرة جمعية المرأة المبدعة في غزة- «في يوم الحب تتفتح الجروح، ونتذكر أيام الحب الحقيقية»، وتتابع «كان هذا العيد مناسبة لتبادل الهدايا مع زوجي ويوم فرح.. لكن الأجواء العامة مملوءة بالهموم».ويعبر محمد السموني -20 عاما- الذي فقد 30 من أفراد عائلته، وهدمت أكثر من عشرين من منازلهم في الحرب الإسرائيلية الأخيرة، عن حزنه في عيد الحب. ويقول «حياتنا حزن (..) نريد أن نبحث عن الأكل والشراب والمسكن ونبني بيوتنا المدمرة. لا قيمة للزهور ولا لعيد الحب.. أمام نكبة غزة». وفي العراق، قصد البغداديون محلات الزهور التي طغى عليها اللون الاحمر للاحتفال بـ«عيد الحب» بعد تحسن الاوضاع الامنية نسبيا, مؤكدين رغبتهم في تناسي سنوات من العنف الدموي.وطغى اللون الاحمر على محال الزهور والمتاجر التي عرضت في واجهاتها القلوب والعلب الحمراء والدببة احتفالا بعيد الحب.وانتشر الباعة المتجولون في شوارع رئيسية منها الكرادة داخل (وسط) وهم يحملون باقات زهور وقلوب ودببة حمراء.وقالت ام فيصل, في الاربعينات من عمرها صاحبة محل للزهور في منطقة الكرادة «الاقبال كبير هذا العام على شراء زهور عيد الحب بعد تحسن الاوضاع الامنية والاستقرار النسبي».واضافت ان «كثيراً من الشبان من الجنسين يطلبون زهورا وقلوبا ودببة حمراء ليقدموها لاحبائهم اكثر بكثير من العام الماضي».وقامت القوات العراقية والاميركية خلال العامين الماضيين بتنفيذ عمليات ناجحة ساهمت في تحسين الاوضاع الامنية في البلاد.ورغم وقوع اعمال عنف خلال الايام الماضية, اخرها هجوم انتحاري استهدف الزوار الشيعة جنوب بغداد ادى الى مقتل 35 شخصا واصابة العشرات بجروح الجمعة, الا ان ذلك لم يقف عائقا امام العراقيين للاحتفال بعيد الحب.واكدت ام فيصل «حتى ثقافة اقتناء الزهور والورد الطبيعي تطورت كثيرا بين الناس» بسبب عودة عدد كبير من العراقيين من الخارج حيث اكتسبوا عادات جديدة.بدوره, اكد يوسف محمد (51 عاما) صاحب محل «بابل» لبيع الزهور في منطقة الكرادة خارج, ان «المناسبة هذا العام تختلف تماما عن سابقاتها فقد عاد زبائننا القدماء من جديد وتحسنت الاوضاع الامنية, الاوضاع افضل بكثير».واضاف محمد اللبناني الاصل وهو يرتب معرضه المليء بالزهور الحمراء «لم يعد للخوف مكانا في قلوبنا, فنحن نواصل عملنا حتى التاسعة مساء هذه الايام».ويكشف ارتفاع اسعار الزهور في محل بابل, من دولار الى خمسة دولارات الاقبال الكبير على شرائها من قبل العراقيين مع تحسن الاوضاع في البلاد.واكد محمد «الاقبال يتزايد على شراء الزهور وقررت زيادة ساعات العمل خصوصا في ايام الاعياد والمناسبات».من جانبها, قالت نهى وهي في الخمسينات من عمرها لدى وصولها الى المحل «سنحتفل اليوم بعيد الحب» وتابعت «هذه المرة الثانية التي اشتري فيها زهور الحب».واكدت «سنحتفل لان بلادنا بحاجة للحب, جميعنا بحاجة لتبادل الحنان لنستعيد الطمأنينة والامان».وقال معتز نهاد (21 عاما) الطالب في كلية الفنون الجميلة بعد ان اشترى دبا احمر يحمل كلمة «احبك» «اشتريت هذا الدب لحبيبتي نور, انها المرة الاولى التي اشتري لها هدية في عيد الحب». واكد مبتسما «ليس هناك ما هو اجمل من الحب, ساشتري كل عام هدايا بعيد الحب».من جانبها قالت عذراء الحسني وهي تختار مجموعة من القلوب الحمراء من احد المحال في الكرادة ان «عيد الحب مهم جدا وضرروي لتجديد الروابط بين المحبين والاهل».واضافت «كل سنة احتفل مع اولادي وصديقاتي في جلسة خاصة نتبادل خلالها الهدايا والتهاني, وقررنا اليوم الاحتفال بشكل اوسع» وتابعت «جميعنا بحاجة للشعور بالحب والسلام وهذا اكثر ما نتمناه لبلدنا».واكد جواد كاظم صاحب محل للزهور وسط بغداد, انه «رغم ارتفاع اسعار الزهور وهدايا عيد الحب هناك اقبال متزايد عليها» واشار الى ان «الشباب من الجنسين وحتى الاباء والامهات والاطفال يشترون هدايا عيد الحب».وتصل اسعار الزهور والقلوب الى ستة الاف دينار (خمسة دولارات تقريبا) فيما يتراوح سعر الدببة من ثمانية الى 29 الف دينار (ستة الى 22 دولاراً تقريبا).وقالت نسمة (23 عاما) المحجبة بحياء واضح «ساهدي هذه الوردة لحبيبي تعبيرا عن مشاعري تجاهه».واكد سيف رياض (27 عاما), موظف حكومي وصل للتو الى محل بابل للزهور ان «زوجتي لن تغفر لي ابدا اذا نسيت هذا اليوم, لذلك حجزت وردة حمراء منذ امس لاقدمها لها». وقد أصبحت الرومانسية تنتشر في اجواء بغداد بينما يحتفل العراقيون الذين أرهقتهم الحرب بعيد الحب بعد التراجع الحاد في اعمال العنف وهو ما سمح للأحباء بأن يسيروا متشابكي الايدي بحذر في الحدائق وان يتسوقوا لشراء الهدايا من اجل احبائهم.وتزايد اظهار مشاعر المودة علانية وارتداء الملابس الجريئة من جانب النساء بعد سنوات من عدم التسامح المتنامي فيما قد يكون اشارة على ان التشدد الاسلامي والتيار المحافظ الذي اقترن بانزلاق العراق نحو اعمال العنف الطائفية بدآ يفقدان قبضتهما.وقال اسامة عبد الوهاب خطاب الذي تخرج من الجامعة في الاونة الاخيرة وهو يجلس بجوار صديقته في احدى حدائق بغداد المطلة على أحد الانهار «لا يمكنك ان تتخيل مدى سعادتي اليوم.»وفي العام السابق كانت الحديقة تهتز نتيجة لاصوات نيران المدفعية التي امطرت مجمع المنطقة الخضراء الذي يضم البعثة الدبلوماسية الامريكية في الناحية الاخرى من النهر والتي كان يطلقها متشددون اسلاميون كانوا يفصلون بين النساء والرجال في المناطق التي يسيطرون عليها.الاحتفالات بعيد الحب أصبحت تتمتع بشعبية بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة وأطاح بالرئيس السابق صدام حسين في عام 2003 .لكن الكثير من العراقيين فروا من أعمال العنف التي فجرها الغزو.وعندما ذهب خطاب الى سوريا منذ بضع سنوات لم يترك فقط دراسته واصدقاءه بل ترك أيضا صديقته ندى عصام التي كانت تجلس الان بجواره.وعاد خطاب منذ عام وبدأ الاثنان يخرجان سويا للتنزه في المناطق الخضراء بجوار نهر دجلة أو على شاطيء بحيرة قريبة.ومثل العراقيين الآخرين فانهما يشعران بالصراع بين الرغبة في مزيد من الحرية والتعبير عن مشاعر المودة والثقافة الاسلامية المحافظة التي أصبحت التيار المهيمن خلال ست سنوات من الحرب.وقال عباس جواد انه عندما كان المتشدون الاسلاميون يسيطرون على مناطق في بغداد كان يتم جلد الرجال الذين يشاهدون مع فتيات قبل الزواج وكان يتم تسليم الفتيات الى ذويهن.وقال «ابني يقضي عيد الحب مع صديقته. وهو يبلغ الان 16 عاما. وقبل ذلك ما كان يمكن لي ان أسمح له بأن يفعل ذلك.»والتكنولوجيا التي لم تكن متاحة أو غير موجودة في عهد صدام مكنت كثيراً من العراقيين من توسيع الدوائر الاجتماعية. وسمحت الهواتف المحمولة لهم بتبادل الرسائل مع اغراب يجلسون على مقربة.حتى العلمانيين العراقيين الذين كانوا يرتدون ازياء محافظة لتجنب غضب المتشددين أصبحوا الان يرتدون ملابس ضيقة قصيرة بعد تراجع سيطرة المتشددين في اعقاب الحملات الصارمة ضدهم من جانب الحكومة.والتقط حسام الدين علي تنورة قصيرة من قماش الساتان الاسود وبها حلى معدنية ذهبية وسلسلة معدنية طويلة من أحد أرفف العرض في احد متاجر الملابس الحريمي وعرضها كدليل على ان المرأة العراقية يمكنها الان ان ترتدي ملابس تساير الموضة.وفي حي الكرادة ببغداد في عيد الحب هذا العام ازدحمت نوافذ العرض بالدبب الحمراء الضخمة والقلوب التي كتب عليها «حب الى الابد».غير ان التغيرات الثقافية تحدث ببطء وبطريقة غير متساوية في العراق حيث يخشى الناس من تصاعد العنف وتتنوع الاتجاهات بشدة ازاء الرومانسية والزواج والجنس.وفي احد متاجر العطور اخذ رجل في منتصف العمر ينظر بينما كان البائع يقوم بلف هدية اشتراها لزوجته. فالاوضاع ليست جيدة بدرجة كافية لاصطحابها في نزهة خارج المنزل في المساء. وقال «سنتناول العشاء في المنزل.».