القاهرة/14اكتوبر/لنا عبد الرحمن:عن الهيئة العامة للكتاب وضمن "سلسلة الجوائز" صدرت ترجمة لرواية "العاشقات" للكاتبة النمساوية "ألفريدة لينك" الحاصلة في عام 2004 على جائزة نوبل في الآدب ، وقد قدم للرواية المترجم د·مصطفي ماهر وحرص على تزويد الرواية بمقدمة طويلة أوضح فيها خصائص كتابة لينك وطبيعة حياتها ونشأتها·ولدت لينك في 20 أكتوبر 1946 في النمسا ونشأت في العاصمة فينيا ودرست علم المسرح وتاريخ الفن والموسيقي ، واهتمت بالفكر الفلسفي وعلم الاجتماع ، أول كتاب صدر لها حمل عنوان "يا صغيري نحن طيور استدراجية تغري بالطعم" وقد نبه هذا الكتاب النقاد لموهبتها الفذة، ولغتها المتميزة وأسلوبها الأدبي الشعري المتأثر بقوالب التأليف الموسيقي والزخارف اللحنية والموروثات الشعبية في فنون الغناء والشعر والرقص·تتناول رواية "العاشقات" حياة فتاتين تسعيان إلى نوع من الصعود الاجتماعي عن طريق الارتباط برجلين لا يحبانهما وعلي ضوء الصراع الأبدي بين الرجل والمرأة تتشابك المصائر والأحداث في صعود سيمفوني تتميز به "ألفريدة لينك"·تبدأ الرواية بوصف موجز لمكان في الريف يعيش فيه الناس حياة نشيطة متناغمة وصعبة في آن واحد، ثم تقترب عدسة الكاتبة من مصنع "أندس" للثياب الداخلية النسائية، ومن هنا يبدأ الصراع الطبقي في الرواية حين تصور لينك حياة العاملات، وما فيها من صعوبة الحصول علي متطلبات حياتهم اليومية وما يقمن بحياكته من ثباب غالية الثمن للنساء المترفات اللاتي يدفعن فيها مالاً كبيراً يندرج تحت مظاهر الترف والبذخ، هناك أيضاً السوبر ماركت، الذي أتى إلى تلك البلدة الصغيرة عبر المدينة مدخلاً إليها بضائع وأنظمة مختلفة للبيع، فظهرت شريحة من العاملات اللاتي طالهن الاستهلاك في ظل التغيرات، التي دخلت المجتمع فقلبت حياتهن ودفعتهن إلي مسارات لم يعرفنها من قبل·ومن البديهي أن يقع اختيار الكاتبة على شخصيات نسائية تجسد عالم القرية، الذي هبت عليه عواصف التغيير القادمة من المدينة، حيث رجال المال الأذكياء يخططون ويبنون ويعدون بحياة أفضل تغري البسطاء وترى فيهم غنيمه سهلة تقول: " ·· وهكذا نشأت على مر السنين دورة طبيعية ولادة دخول، تزويج ثم خروج ثم وضع طفلة تصبح ربة بيت أو بائعة ، غالباً ما تصبح ربة بيت تلد هي ذاتها الابنة التالية والمحل الاستهلاكي هو القرص الدوار لدوره فصول السنة والحياة الإنسانية تنعكس في أشكال تعبيراته العديدة وعلى صفحة معروضاته تنعكس وجوه بائعاته المتنبهات اللاتي اجتمعن ينتظرن الزواج أو الحياة··"ومن هذا المنظور اختيارت لينك لروايتها بنتين من الطبقة الدنيا تحاولان الصعود إلى حياة أفضل دون إمكانيات كافية، وتعمل الكاتبة علي الإضاءة حول التمييز بين الجنسين، حيث الذكور يسعون للهيمنة على الإناث والإناث يعاب عليهن أنهن يسهلن علي الذكور هذه الهيمنة·الشخصتيان الرئيسيتان: هما "بريجيته" و "باولا" إحداهن تستطيع أن تحقق على نحو ما الحلم الذي كانت تحلم به، والثانية استطاعت بجهد جهيد وتنازلات أن تحقق حداً أدنى مما كانت تتمناه ثم أخطأت التقدير والتصرف فعادت إلى سلسلة من العناء والمشاكل·لغة الروايةبناء الرواية عند لينك يشبه التأليف الموسيقي ويظهر تأثرها بدراسة الموسيقى، التي مارستها لسنوات فالبناء يتكون من وحدتين متوازيتين تتحركان على مسارين يرسمهما القدر والمصادفة ومحاولات من البشر وضغوط من القوي الطبيعية لترسم مسارات "بريجيتيه" و "باولا"·هناك أيضاً شخصية "زوزانه" وهي فتاة من طبقة اجتماعية أرفع، تستخدمها ألفريدة في حدود ضيقة لإلقاء الضوء علي السمات الفارقة بين طبقة وأخرى، حيث لكل وسط اجتماعي لغته الخاصة التي تميزه، هذه اللغة الحية تستثمرها الكاتبة من دون أن تأخذها،كما هي، بل توظفها في لغتها وأسلوبها نحو هدفها الذي ترمي إليه·ويمكننا القول إن هذه اللغة، التي تعمل لينك على إيجادها تفرض إرادتها على اللغة الفصيحة الرفيعة بما تدسه فيها عنوة من كلمات وتراكيب، وقوالب موسيقية، كما تكشف الكاتبة عن رغبتها في التحرر من القيود اللغوية التقليدية فتتحرر من علامات الترقيم إلا القليل منها، كما تتحرر من قوانين الإملاء الألمانية المشهورة·تفاجئنا الكاتبة بكثرة استخدام الأسماء الإعلام، فربما جاء الاسم الواحد في الصفحة عشر مرات فالشخصيات الرئيسية والفرعية في الرواية، كما تعرضهم لينك أناس لم يتعلموا في المدارس ما يمكنهم من التعبير بلغة غنية منوعة قادرة على الوصف التفصيلي وعلى التصوير المحيط بالأشكال والألوان والأحداث·كذلك أخذت إلفريدة لينك من اللغة الدارجة الإسراف في الحشو بكلمات أو تعبيرات تتكرر فيها الجمل في شيء من التعديل أو بدون تعديل·بين المرأة والرجليغلب على تصور الكاتبة في الرواية أن طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة يحكمها استغلال الرجل للمرأة لذا فإن الصيغة السائدة في النص تميل إلى الهجوم وفيها من الكراهية أكثر مما فيها من الحب ، ولا تقف لينك في تتبع تنويعات موضوع الحب وتقلبه عند مرحلة معينة، فنجدها مثلاً في معرض الحديث عن "باولا" تنتقل للحديث عن الجد والجدة وما يتصل بينهما من علاقة حب تتحول إلى كره·وفي مواجهة خطاب القسوة يمكننا أن نسوق خطاب المودة والرحمة والتفاهم المتبادل الذي نستشفه بين سطور الرواية إذ لا تخلو من الفلسفة ، وتستدرج لينك القاريء إلى تأملات فلسفية مرهقة، لكنها تحاول أن تقدمها في إطار فلسفة قريبة من عقلية الجماهير وأسئلة عن الإنسان وإرادته ومقدراته·وتكشف الكاتبة أن مسار الإنسان وبخاصة المرأة يخضع لعوامل متعددة منها القدر والمصادفة والحظ والمعرفة الحقة والجهل والمحاولة، كما تبسط لينك الصورة النفسية والاجتماعية للمرأة، فالمرأة تريد بيتا يكون مملكتها وتريد أن تكون صاحبة الأمر والنهي فيه، وهي بحسب قدرتها وحظها وشطارتها تسعى لاقتناء هذا البيت، والبيت يعني تدبير المال اللازم لاقتنائه وتدبير المال يعني العمل أو الانحراف،أما الحب فشيء ثانوي أو حيلة من الحيل التي يتبادل الالتجاء إليها الذكور والإناث·إنها منظومة أخلاقية متكاملة تحمل هذا البناء القصصي الجديد القديم، كما أن مبادئها تختلط بالمكونات الشكلية والمضمونية العديدة لكنها لا تراوغ القاريء بل تجذب انتباهه، المعركة بين الجنسين محور تشدد إلفريدة لينك على أهميته وتبرز محاولة الجنس الأنثوي الانتصار فيها بما لديه من إمكانات محدودة للتدخل في تغيير مسار القدر، وقد تنتصر المرأة انتصاراً محققاً وقد تنتصر مؤقتاً، وهذا ما يعرف بالمعركة بين الجنسين وتدين الكاتبة أيضا مجتمع القرية وتصفه بأنه مجتمع يكيل بمكاييل مختلفة فهو يتصنع التمسك بالأخلاق والشرف ولكنه غارق في الفساد المعبأ بالسكر والاغتصاب والعنف والانتصار للفاسدين والظالمين·
|
ثقافة
رواية "العاشقات" ترسم مسارات أبطالها كما تعزف الموسيقى
أخبار متعلقة