اضواء
في موضوع الفتوى التي خرجت بتكفير الكاتبين الأستاذ عبد الله بن بجاد العتيبي والأستاذ يوسف أبو الخيل أود أن أقول إن خصومتنا نحن الكتّاب في شأن فتاوى التكفير هذه، ليست مع الشيخ عبد الرحمن البراك، فالشيخ عبد الرحمن من الفقهاء الذين يعلمون أن المعيّن لا يمكن أن يكفّر بهذه الصورة وأنا أكاد أجزم أنه لو سألنا الشيخ عبد الرحمن البراك بصيغة تختلف عن السؤال الذي طرح عليه وقلنا له: هل الكاتبان عبد الله بن بجاد العتيبي ويوسف أبا الخيل كافران؟ أن جوابه لن يكون بالتكفير، أنا شبه متأكد أنه لن يقول: عبدالله كافر أو يوسف كافر لأنه هو أول من يعلم أنه لا يمكن تكفير الأشخاص بهذه الصورة بناء على ما تقرر في مسألة الأسماء والأحكام (مسألة التكفير وموانعه المعروفة)، ولأنني لا أريد أن يتحول هذا المقال إلى درس في التكفير فلن أدخل في التفاصيل فنحن نسعى جاهدين إلى أن تبقى مسألة التكفير بعيدة عن متناول أذهان الناس وخوضهم فيها.إذا كان الشيخ عبد الرحمن البراك ليس خصمنا فمن هو الخصم في هذه القضية؟ القضية ليست كما تبدو للناس في ظاهرها وفي بعدها المعرفي وإطار الصواب والخطأ، وخصمنا فيها هم أطراف تنتمي للتنظيمات الإرهابية أو على الأقل من المتعاطفين معها ممن يقدمون لها الدعم اللوجستي، الخصم هم أولئك البطالون الركاضون في اجترار الفتن والعاطلون عن الاشتغال بما ينفع من الذين لا همّ لهم سوى الاجتماع في غرف مغلقة يجمعون قصاصات المقالات القديمة بحيث أصبح عندهم لكل كاتب معروف أو كاتبة معروفة ملف خاص يحوي كتاباته بهدف محاكمة أفكاره، يقعدون الساعات الطوال، يتسامرون - ليس على ذكر الله - وإنما في إنهاك عقولهم الصغيرة في محاولة تحديد مراد المثقف بعبارة لم تستوعبها أذهانهم التي لو تحركت ونفضت الغبار عنها قليلاً لأصيبت بالشد العضلي في المخ، فإذا استسلموا لهذه الحقيقة المرّة عادوا للبحث عن الغاية التي جمعتهم, ألا وهي البحث عن (مكفّر) للكاتب، أي شيء يبرز, أي تهمة تكون، لا يهمّ ما هي التهمة اليوم، إذ ربما يتهمونه بتهمة مختلفة غداً، فقد يكفر بأنه معتزلي اليوم ويكفر غداً بأنه يتبنى أقوال غلاة الصوفية التي هي في أساسها ومنهجها نقيض الاعتزال، كل هذا لا يهم، المهم أن يكفّر. لماذا يجب أن يكفّر؟لأن هؤلاء الكتاب كانوا وما زالوا في خصومة مع هؤلاء البطالين التكفيريين ويكتب كل واحد منهم في صحيفة منتشرة ومقروءة مبيناً خطر المنهج التكفيري فاضحاً لأسراره ومكائده ودسائسه التي يحيكها ضد المجتمع والناس والوطن، لأن هؤلاء الكتاب فضحوا الفكر التكفيري ووصفوه للناس وعرّوه وحذروا الناس من تبعاته ومن حجم جنايته على الشباب الناشئ, لذا لا بد من تكفيرهم، لا بد من إسقاطهم بأية وسيلة، وعندما يكفّر المثقف فالأمر أسهل، لأنه أصبح في حكم الشريعة مرتداً والمرتد لا يأخذ حكم الكافر الأصلي بل قضت الشريعة بوجوب قتله. ولأنهم يعلمون في قرارة أنفسهم أنهم أناس لا وزن لهم ولا أحد يقيم لهم اعتباراً لذا هم يحتاجون لفقيه مسموع الكلمة محترم الاسم في المجتمع، فيذهب أحدهم إلى مسجد الفقيه ويقبل رأسه ويقدم له السؤال في صيغة تحمل في طياتها الجواب ولو أن من استفتوه أبدى امتعاضه فقط مما نسب للكاتب لأعادوا إليه السؤال بصيغة محددة أكثر وبإصرار أكبر تؤازرهم نفوسهم المريضة قائلين: هل يكفر من قال هذا الكلام أم لا؟عندما يحصلون على الفتوى المنشودة بأن هذا القول كفر فإنهم يشعرون بالانتصار، فقد تم لهم المراد وانتهى معظم المهمة.هذا تكتيك، فالتكفيريون الذين استخرجوا الفتوى التي نحن بصددها يعلمون أن هناك خلافاً بين التكفيريين أنفسهم في كل أنحاء العالم الإسلامي, هل يجب أن ينفذ حكم الردة بيد ولي الأمر فقط أم أنه يجوز لآحاد الناس تنفيذ الحكم بأن يقوم أي أحد بجريمة القتل هنا، وليس صعباً أن يوجد من يقوم بتنفيذ الجريمة، شاب صغير مريض نفسياً منخرط في التنظيم بعلمه أو ممن ينتمون ولا يعلمون حتى أنهم ينتمون. نحن أمام بادرة خطيرة يجب أن نتصدى لها جميعاً ولا بد من البحث عن هؤلاء الساعين في الفتنة وتقديمهم للعدالة لأنه في عرف القانون من حرّض على القتل فقد شارك القاتل في العقوبة، لا بد من الضرب بقوة على أيدي هؤلاء التحريضيين لكي لا يفتح باب اغتيالات المفكرين والمثقفين في بلادنا وهي التي لم تعرفه بعد, لا بد من أخذ الأمر بجدية قصوى لكي لا يفتح باب الدم في مجتمع قبلي ما زال يؤمن بالثأر والأعراف.عن/ صحيفة “الوطن” السعودية