الشهيد علي أحمد ناصر عنتر
مثلما حمل اليمنيون معاناتهم إلى المهجر فإنهم أيضاً حملوا في قلوبهم الإيمان العميق بواحدية الثورة اليمنية، ولا تخلو انتفاضة أو ثورة أو حركة تمرد ضد الإمامة والاستعمار من بصمات بارزة للمهاجرين اليمنيين، بل أن العديد منهم كانوا في الصفوف الأولى لذلك، سواء في دعمهم المالي والثقافي والإعلامي أو في نقل المعارف والخبرات التي اكتسبوها من خلال احتكاكهم بحركات التحرر في مهاجرهم إلى داخل الوطن وفي واقع الممارسة النضالية في الميدان، ومثلما كان للعديد من المغتربين علاقات مباشرة وحميمة مع حركة الأحرار اليمنيين وكذا علاقات بالأحزاب والحركات التحررية العربية وغير العربية كان لهم دور مهم في عودتهم إلى الوطن كمناضلين بأعلى درجات الوعي والإدراك، ولذلك نجد مجموعة من العمالقة الذين كانت لهم أدوار مشرفة في تاريخ الثورة اليمنية من خلال مواقعهم في بلدان الاغتراب مثل: اندونيسياـ بريطانيا، الحبشة، السودان، الكويت، أمريكا. وقد سبق ذكر كثير من الأسماء المشهود لها بالكفاح ضد الإمامة والاستعمار، حيث استمر العديد منهم في مواقعهم في المهجر والبعض عاد إلى أرض الوطن يساهم مباشرة في قيام ثورة 26 سبتمبر وصمود الجمهورية وقيام وانتصار ثورة 14 أكتوبر الذي تعزز بالاستقلال الناجز في يوم 30 نوفمبر 1967م، وقد انخرط العديد من المغتربين في خضم المعارك البطولية للدفاع عن ثورة 26 سبتمبر وفي القيادة والمشاركة في الكفاح المسلح ضد الاستعمار، ولا أنسى اليوم الذي استشهد فيه الفدائي منصور هادي وهو يستعد لتفجير قنبلة يدوية في الخساف مدينة كريتر ضد معسكر البوليس وكان منصور شاباً في مقتبل العمر، عاد لتوه من مهجره في الحبشة.في أحد أيام ربيع 1937م وفي أحد الكهوف على سفح قرية صغيرة اسمها (الخريبة) لجأت فاطمة إليه لتضع مولودها الثاني الذي سمي علي.كيف أطلق عليه اسم عنتر؟تأثر المناضل الصغير علي أحمد ناصر بالشهيد المناضل مساعد علي قائد انتفاضة 56م ضد الاستعمار البريطاني وكان الشهيد علي أحمد ناصر أصغر المجاميع المقاتلة ولكنه أكثرهم تحمساً وشجاعة وذكاء، حتى أطلق قائد الانتفاضة والتمردات الثورية الشهيد/ علي مساعد، عليه أسم «عنتر» ومن يومها الصق به لقب عنتر حتى اليوم، لقد كان لانتفاضة «56» أثرها البالغ في تفتق الحس الوطني لدى الصبي «عنتر» الذي لم يتمكن حينها من المشاركة فيها بحكم صغر سنه وعدم توفر السلاح، الأمر الذي دفع به إلى حمل عصا غليظة اتجه بها صوب ساحة المعركة التي دارت في قرية «الجليلة» وقرية «نعيمة»، حيث انسحب رجال الانتفاضة .. وتحت إلحاحه وعناده حصل على بندقية قديمة نوع «صابة» هي التي منحته حق المشاركة مع مجموعة فدائية مسلحة وضعت كميناً لدورية بريطانية في منطقة الضالع وقد استمرت الاشتباكات لمدة أربعة أيام متتالية انسحب بعدها المقاومون بحكم عدم التكافؤ إلا أن «عنتر» بقي في مكانه، وعندما افرغ آخر طلقة وتمكن من اللحاق برفاقه، انتقدوه بشدة، وقال مدافعاً عن نفسه: «كيف انسحب وأنا ما أشفيت غليلي وهذه أول مرة يتحقق فيها أملي الذي تمنيته من زمان في أن تكون لي بندقية أقاتل بها الاستعمار وعملاءه».وبعد هذه المعركة اضطر رجال الانتفاضة للمغادرة إلى مدينة قعطبة والتي جعلوا منها محطة انطلاق لعملياتهم العسكرية ضد المستعمرين وعملائهم، وذات مرة قام علي عنتر على رأس فرقة فدائية بمهاجمة موقع الضابط السياسي البريطاني في منطقة «الصفراء» وأظهر خلالها شجاعة نادرة، حيث أصر على إطلاق النيران على الموقع عن قرب وتمكن مع رفاقه من إصابة عدد من المستعمرين ثم انسحبوا بنجاح، حينها قال الشهيد راجح لبوزة مفاخراً: (لو أننا نملك مائة من أمثال علي عنتر لدمرنا كل معسكرات بريطانيا في الجنوب). كان عنتر مولعاً بمعرفة استخدام كل جديد في السلاح وكان يتردد على ثكنات جنود الإمام لهذا الغرض وذات مرة قصفت الطائرات البريطانية موقعاً لجنود الامام فلاذوا بالفرار تاركين موقعاً لرشاش احتله علي عنتر بشجاعة وإقدام وراح يكافح ضد الطيران البريطاني وتقديراً لشجاعته تلك منحه نائب الإمام «السياغي» شهادة الشجاعة والبطولة.[c1]معركة جحاف:[/c]كانت معركة جحاف عام 1957م، التي سيطر عليها آنذاك من اسموهم «الشيوعية» واستمرت على جبل جحاف لمدة 14 يوماً هي أبرز معركة مع جنود الاحتلال وكان عنتر أحد أبطال هذه المعركة بعد أن تعرض والده للاعتقال لارغامه على استسلام أبنه، لكنه قال لعملاء الاستعمار: «أبني اختار هذا الطريق ولن استطيع ابعاده عنها».كانت يقظة وجسارة عنتر، وهو في ربيع العمر في معركة جحاف المشهورة، سبباً ليكثف الطيران البريطاني في هجماته على مواقع الفدائيين، فما كان من عنتر ورفاقه إلا التفكير لايجاد مخرج من ذلك،، وهنا تجلت حنكة عنتر، الذي خطط لإبطال مفعول الطيران البريطاني من القصف على مواقعهم وتحويله لقصف مواقع البريطانيين انفسهم، حيث قرر الاستيلاء على موقع الاستطلاع البريطاني الذي يوجه الطيران مستخدماً علماً خاصاً يحدد نهاية الخط الأول للقوات البريطانية، وطلقات مسدس إشارة تحدد اتجاه الفدائيين ومواقعهم، فتبنى عنتر ورفيقه أحمد مثنى مهمة الاستيلاء على العلم ومسدس الإشارة حيث قام بالتسلل إلى جوار ضابط الاستطلاع البريطاني وامسك بطرف العلم الذي كان يمسكه هذا الضابط بطرفه الآخر وبعد مشادة عنيفة وضع طرف العلم الممسك به تحت قدميه مصوباً بندقيته في رأس ضابط الاحتلال ليرديه قتيلاً ويعود حاملاً العلم ومسدس الإشارة إلى رفاقه وعندما قام الطيران البريطاني بغارة جديدة، قام عنتر بنصب العلم بالقرب من موقع رفاقه ووجه طلقات الإشارة باتجاه أكبر موقع لجنود الاحتلال مما جعل الطيارين الانجليز يفرغون حمولات طائراتهم على مواقعهم.[c1]عنتر في المهجر والتفتح السياسي[/c]بسبب استمرار ملاحقة السلطات الاستعمارية لعنتر ورفاقه وعدم تمكنه من العودة إلى الجنوب لأنه كان محكوماً عليه بالموت من قبل سلطات الاحتلال ولا تقل خطورة عن ذلك مسألة بقائه في قعطبة فقرر حينها السفر إلى الكويت نهاية عام 1958م.وقد مثلت حياة المهجر بالنسبة له نقطة تحول ثورية في تاريخه النضالي السياسي المعادي للاستعمار، وكانت آخر عبارة قالها لرفاقه قبل سفره: «سوف أسافر لأتيكم بأشياء جديدة، ومن أجل أن أوفر البندقية والذخيرة التي بواسطتها أعود لمواصلة النضال إلى جانبكم.وقبل وصول عنتر إلى الكويت كان مناضلو حركة القومين العرب البارزين المتواجدون في الكويت يعرفون عنه مسبقاً وبالذات الدكتور أحمد الخطيب الذي طرح له ورفيقه محمد البيشي فكرة الانضمام إلى النضال السياسي المنظم في إطار حركة القوميين العرب الذي وجد في برنامجها في تلك الفترة فكرة التحرر الوطني، حتى أن عنتر علق يومها مخاطباً رفيقه البيشي: (ان هذا ما حلمت به طويلاً وهذه أمنيتي التي حلمت بها منذ الطفولة).لقد كان عنتر ينطلق من فهمه لبرنامج الحركة من مفهوم حل المهام الثورية الخاصة باليمن المتمثلة بالنضال المسلح والمنظم ضد الاستعمار البريطاني وعملائه والنضال الراسخ ضد التجزئة ومن أجل وحدة الوطن اليمني، وتحت ظروف الفقر والمطلب الملح لكسب لقمة العيش امتهن اعمالاً شاقة وكثيرة، فقد عمل حمالاً وعاملاً في شق الطرقات وحارساً أو «شوكي دار» وذلك ما ساعده في التعرف على قطاع واسع من العمال اليمنيين في الكويت حيث عمل على تشكيل تنظيم خلايا سرية وبالذات من العناصر التي كانت تتحلى بالشجاعة والوفاء والاخلاص لفكرة العودة للنضال التحرري في الوطن وكثير من تلك العناصر التي نظمها عنتر عادت إلى الوطن وتبنت فكرة الكفاح المسلح ضد المستعمرين البريطانيين ومن ضمنهم وصل رفاقه المناضلون قائد صالح، حنش ثابت سفيان، صالح أحمد مقبل، عبيد حسين، قائد عامر عبدالكريم الذيباني، أحمد حمودة، مثنى سالم عسكر .. وغيرهم.وفي إطار نشاطه السياسي عمل عنتر على تنظيم اللقاءات السياسية التي اتخذت طابع المحاضرات الموسعة للعمال اليمنيين والتي كان يحضرها أيضاً عمال من الدول العربية الأخرى وكانت تلقى فيها محاضرات وطني مقدس وسمة رفيعة من سمات الحرية والسيادة والكرامة، ولكن اللقاءات التي كانت تتم مع الأعضاء المنضوين في حركة القوميين العرب من اليمنيين وبسرية تامة فإن لها خصوصياتها.لقد كان نشاط عنتر يتم بمنتهى السرية والحذر بحكم طبيعة النظام الاستعماري الذي كان يحكم الكويت الشقيق في تلك الفترة، حيث كان عنتر يختار مواقع التجمع غير المشكوك فيها مثل مخفر شرطة «الدوقة» وكذا تنظيم التجمعات تحت مبررات أنها تتعلق بهموم العمال ومشاكل أسرهم في الوطن.وبالرغم من النجاحات التي حققها في الكويت، من خلال نضاله السياسي، إلا أنه في قرارة نفسه لم يكن راضياً كل الرضا، لاسيما وهو بعيد عن وطنه ولهذا قرر العودة إلى الوطن ورفاقه في الكفاح حاملاًُ لديهم ما سبق أن وعدهم به قبل مغادرته، إضافة إلى فهم سياسي وأسلوب وشكل جديد للنضال الثوري .. حاملاً الكثير من الخبرات للنضال الثوري للشعبين المصري والجزائري، كما حمل قيمة البندقية والذخيرة وفي جيبه أيضاً توصيل حركة القوميين العرب للعمل في الداخل، غادر الكويت عام 1961م بعد أن اتفق مع قيادة الحركة على برنامج النضال المنظم والمنسق مع فرع الحركة في الداخل وكذا الإعداد السياسي والجماهيري للثورة المسلحة، وقبل مغادرته نظم محاضرة للعمال اليمنيين في الكويت في مخفر «الدوقة» شرح لهم المحاضرة قال لهم: (آن الأوان للعودة للإعداد والقيام بالثورة ولا مجال للتأخر) ولكي لا يكشف أمر مغادرته الكويت، قرر مع أحد عشر رفيقاً له الخروج ليلاًُ عبر السعودية، وقد تم ذلك بالفعل على متن سيارة محملة بالأغنام لأن عنتر وجد في ذلك خير وسيلة لإخفائه ورفاقه عن عيون حراس الحدود السعوديين، حيث لم تكن لديهم جوازات تسمح لهم بالمرور عبر الأراضي السعودية .. وقال عنتر يومها معلقاً على الرحلة: (أن هذه الرحلة هي اسعد رحلة .. فرائحة الاغنام اعادتني إلى أيام الطفولة في بيتنا الصغير وإلى تلك الجبال والشعاب التي تربيت فيها راعياً للأغنام).وبمجرد وصوله ورفاقه إلى أراضي السعودية منطقة (القيصمة) اعتقلوا واقتيدوا إلى مخفر للشرطة واتهموا بأنهم كفرة ـ مشركون ـ ارسلهم قاسم العراق لتفجير المنشآت النفطية في السعودية، وفي السجن دعا رفاقه للصلاة، جماعة وانتحل شخصية إمام في الوقت الذي كان جلده عارياً باستثناء فوطة قصيرة، وحينها دخل أحد المسؤولين في السجن قائلاً: هه ..! شوف هذا الكافر يصلي بأصحابه جماعة) فقطع علي عنتر الصلاة قائلاً: (يا أخي ماشي، عليك خليني أصلي بأصحابي، وبعد أكثر من أسبوع نقل رفاقه إلى سجن «الملز» الرهيب الذي أطلق عليه عنتر «مقبرة الأحياء»، وهناك حيث حكم عليه بالسجن لمدة شهر مع أقوى وأشد أنواع التعذيب حيث كانوا يعاقبون بالجلد الشديد يومياً لسبب غير معروف وهناك وجدوا الكثير من السجناء اليمنيين فقال عنتر: (إن جميع اليمنيين الذين ضاعوا والذين يبحث عنهم عبر الراديو كلهم هنا تقريباً) وبعد خروجه مع رفاقه من السجن وصل ورفاقه إلى صنعاء بعد رحلة شاقة استمرت 60 يوماً، وهناك التقى ببعض الرفاق فعمل على شراء أسلحة وذخائر من المبالغ المتبقية معهم، وقبل وصوله إلى قعطبة كان خبر مغادرتهم الكويت لغرض ما أسمته السلطة بالأعمال التخريبية في الضالع، قد بلغ إلى مسامع السلطات البريطانية، وعند وصوله قعطبة سمحت السلطات البريطانية لجميع رفاقه بالعودة إلى قراهم باستثناء عنتر الذي كان يتسلل ليلاً إلى جنوب الوطن والالتقاء بعدد من العناصر الشريفة في «الشعيب» و»خله» والمناطق المجاورة لهما لغرض تنظيمهم سياسياً وقد اقترن ذلك بعمل فدائي، حيث حاول مع خمسة من رفاقه عدة مرات اغتيال الضابط السياسي البريطاني في الضالع.وبعد فشل كافة المحاولات تقدم أقاربه لدى السلطات الأميرية في الضالع من أجل السماح بعودته أتخذ قراراً بالعودة للعنف الثوري عن طريق تنفيذ الأعمال الفدائية ضد السلطات البريطانية وعملائها باعتبار ذلك أفضل الطرق للعودة، وفي أحد أيام خريف 1961م وأثناء تواجده السري في المنطقة وعقب عودته من زيارته لوالدته صادف في الطريق، بالقرب من قرية «القرين» دورية بريطانية متجهة إلى الضالع فقال حينها وبسرور الفدائي صدفة خير من ألف ميعاد» أدور شخصاً ويقصد عنتر الضابط السياسي الانجليزي والآن أمامي عدة في المؤخرة أي الحراسة ومن مسافة 400 متر أطلق النار على سيارة الحراسة البريطانية قتل فيها ضابطاً وأصاب جنديين وعلى اثر هذه الحادثة بدأ الحوار مجدداً مع أمير الضالع للقبول بعودة عنتر إلى الداخل، حيث اخطر أمير الضالع للموافقة على عودة عنتر بعد أن طلب منه أن يكون مواطناً صالحاً وكان عنتر قد جند خمسة وعشرين من رفاقه ليتولوا مهمة قتل الأمير وجنوده إذا أقدم على فعل غادر أثناء استقباله لعنتر، وبعودته حقق أحد أحلامه والتي قرر بعدها الانضمام إلى جمعية أبناء الضالع، التي كانت تعمل تحت غطاء الأعمال الخيرية ومن خلال الجمعية استطاع الذهاب إلى عدن لنقل رسالة الدكتور أحمد الخطيب إلى سيف الضالعي الذي كلفه مسؤولاً أول عن فرع الحركة في منطقة الضالع وعلى اثرها مارس عنتر نشاطه السياسي الواسع في تشكيل الخلايا السرية للحركة في كل القرى واستقطاب عدد من العناصر العسكرية بمن فيهم بعض جنود الأمير والضابط السياسي وهذا ما جعله هدفاً للمراقبة، ولتجنب الملاحقة قرر مع بعض رفاقه فتح دكان بالقرب من موقع المحكمة وقد كتب عنتر في إحدى مذكراته ما يلي: (كان معنا دكان بالنهار أبيع تمراً وكان في الليل اجتماعات ، في النهار توزيع تمر وفي الليل توزيع أسلحة).[c1]عنتر وثورة 26 سبتمبر:[/c]عند انفجار ثورة 26 سبتمبر عام 1962م في شمال الوطن واشتداد الهجمات المضادة في محاولة يائسة لوأد الثورة الوليدة في مهدها برزت الضرورة الملحة للإسهام في الدفاع عن الثورة أمام عنتر ورفاقه باعتبارها أهم وأنبل مهمة نضالية تقع على عاتق المناضلين الشرفاء في الشطرين، وإزاء هذه المستجدات الجديدة، وبرئاسة عنتر عقد أبرز قادة حركة القوميين العرب في الضالع اجتماعهم في منزل الشهيد المناضل علي شائع هادي حيث تم في الاجتماع تدارس خطة للإسهام المباشر في الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر بكل الإمكانيات المتاحة وبمختلف الطرق، كما أنه ناقش إمكانية الثورة في الشطر الجنوبي من الوطن بعد أن توفر له أهم ظرف موضوعي لذلك، وعقب الاجتماع تحرك عدد كبير من الفدائيين مع أخوانهم من الجنوب للدفاع عن الجمهورية الفتية ولم يقتصر دور عنتر ورفاقه على هذا الجانب بل أنه لعب دوراً كبيراً في إقناع عدد من أبناء الشطر الشمالي، الذين فروا إلى الضالع، عقب الثورة بالتوقف عن معاداتها وخدمة أهداف الاستعمار حيث استطاع إقناع جزء كبير منهم في العودة إلى ديارهم والمساهمة في الدفاع عن الجمهورية وقد قال لهم عبارته الثورية الصادقة التي رواها رفيقه الحاج ناصر «الثورة قامت من أجلكم ولن تعود الإمامة بعد اليوم).وقد شارك عنتر ورفاقه بمن فيهم المغتربون العائدون في العديد من المعارك، أبرزها معركة الجميمة بالقرب من قعطبة، وفي أثناء ذلك قام عنتر ورفاقه بإحباط تهريب مجموعة من الدبابات من قعطبة إلى الضالع، فقد ابلغه أحد رفاقه القريبين من الضابط السياسي والأمير بالخطة، حينها تحرك إلى قعطبة لمقابلة القائد العسكري وإبلاغه بذلك، فلم يجد إلا نائبه الذي وجده جالساً مع مجموعة من ضباط الدبابات، وعندما أبلغه بالنبأ وسلمه رسالة بذلك مد يده نحو مسدسه بطريقة لا إرادية لكن عنتر وبسرعة مذهلة فتح أمان بندقيته، وبعد تأكده من أن ملامح نائب القائد تدل على أنه متورط سحب منه الرسالة وأسرع لإشعار رفيقه «المجعلي» فذهبا معاً إلى عامل قعطبة الذي ابلغ زيفاً أن رجال الدبابات سيتحركون الساعة 9 صباحاً إلى تعز وحينها زودهما العامل بالغام قاموا بزرعها في الطريق المؤدية إلى الضالع لتفجير الدبابات إذا تمت عملية التهريب، لكن مدبري الخطة شعروا أن خطتهم قد انكشفت ولم يجروا على تنفيذها بعدها شارك عنتر ورفاقه في الدفاع عن جمهورية سبتمبر في العديد من الجبهات في المحابشة وصنعاء وصرواح وغيرها، وكانت قيادته لمعركة صرواح في السبعينيات وهو مسؤول بارز في قيادة الشطر الجنوبي تدل على رفاقه وتقديسه لواحدية الثورة اليمنية حيث تم تطهير صرواح من أعداء الجمهورية بعد تلك المعركة.[c1]انفجار ثورة 14 أكتوبر:[/c]عند انطلاق الثورة في ردفان برز دور عنتر ورفاقه في توضيح عظمة جبهة ردفان وأهمية الثورة ومع اشتداد الضغط على هذه الجبهة وعقب لقاء سري مع المناضل المرحوم الرئيس قحطان الشعبي وفخري عامر ومندوب القيادة المصرية في الشمال تبنى عنتر مسألة إيصال التعزيزات، بدون أية تكاليف وبالفعل كلف عنتر مجاميع من رفاقه بمهمة نقل الذخائر والاسلحة على ظهور الحمير والجمال من قعطبة إلى جبال منطقة «شقح» واقترن ذلك العمل المكثف لفتح جبهة الضالع، وكان زواج عنتر من رفيقة دربه المرحومة فاطمة قد تحول إلى لقاء موسع للمناضلين، وبعد أيام من زواجهما قال لها: (أنا مكلف بقيادة العمل الفدائي في الضالع وقد قررنا تفجير الثورة في جبهة الضالع وسوف أصعد الجبل إذا سأل أحد عني قولي له إن عنتر هرب إلى صنعاء ليسافر إلى الغرب).وبعد تسعة أشهر تم انجبت «جهاد» ابنه الأول والذي احتضنه لأول مرة وقال مداعباً جهاد، الذي عانقه بكل لهفة وشوق وحنان الأب الثائر: «ما أجملك يا جهاد، لقد صار طولك بطول القذيفة، أه ليتك كنت قذيفة «البلانسيد» من أجل أمري بها قصر الأمير) وفي 20 يونيو 1964م وبعد استكمال المجاميع الفدائية تدريباتها في تعز بدأ الاستعداد للعودة لتفجير جبهة الضالع ومع بداية الدقائق الأولى من الساعة الثانية بعد منتصف الليل وصبيحة 24 يوليو 1964م كانت الطلقات الأولى لأول هجوم على معسكر الانجليز ومقر الضابط السياسي في الضالع، ونسف محطة تموين القوات البريطانية بالمياه، وبهذا تم الإعلان عن فتح ثاني جبهة بعد جبهة ردفان، دشن بها مرحلة جديدة من حرب العصابات المنظمة، التي لاتعرف التوقف أو التهدئة أو الرحمة ولا تعرف حدوداً للزمان والمكان ولا حصراً للطرق والاساليب .[c1]عنتر قائد مسيرة سقوط الضالع[/c]في صبيحة 22 يونيو 1967م شهدت الضالع أكبر وأعنف مسيرة جماهيرية ورفاقه ومن على متن إحدى الدبابات البريطانية القى عنتر خطاباً سياسياً هاماً وخاطب الجماير قائلاً: (أيها الرفاق تحقق النصر وتحررت منطقة الضالع من المستعمرين وهو الانتصار صنعته هذه الجماهير الفقيرة بفضل تضحياتها الكبيرة من أجل الحرية والاستقلال).وفي سبتمبر بدأت مسيرة التحرك نحو عدن عبر عدة جبهات حيث وصل إلى البريقة في نوفمبر ليحتفل مع الشعب اليمني كله بعيد الاستقلال لجنوب الوطن في 30 نوفمبر 1967م.