من كتاب (الرجل ذو الظلين) و قصص أخرى
ترجمة مدرس/ طارق علي عيدروس السقاف عندما قدمت إلى لندن لأول مرة قبل خمس وثلاثين سنة، تعرفت على صديقي جيمس لوكسلي. كان يعمل في شركة مرموقة لإنتاج الخمور، كانت الشركة تصدر الخمور التي تقوم بإنتاجها إلى الكثير من الحانات و المطاعم. وفي الفترة نفسها التي تعرفنا فيها على بعضنا البعض كان صديقي قد ترقى في منصبه بتلك الشركة وحصل على منصب أعلى فيها براتب أكبر. بعدها تحسنت أوضاعه المالية فقرر الزواج ودعاني إلى حفل زفافه. كانت زوجته جميلة جدا ، وكان واضحا للجميع بأنهما قد أحبا بعضهما كثيرا. وقررا بعدها السكن في منزل جديد خارج مدينة لندن ، وكنت أزورهما كثيرا. بعد زواجهما بثلاث سنوات رزقا بثلاثة أطفال وكانوا عائلة سعيدة جدا. لم يكونوا أغنياء لكنهم أيضا لم يكونوا فقراء. كانت عندهم خادمة - كانت غبية بعض الشيء - تدعى سوزان. وفي إحدى المرات تلقيت دعوة منهما لقضاء إجازة رأس السنة وتناول العشاء معهما. كان العشاء ممتعا ، بعدها قررنا الجلوس في الصالة وبدأنا بالحديث والضحك. كانت الصالة صغيرة لكنها مريحة، توجد بناصيتها شجرة رأس السنة الجديدة، وعلى الحائط كانت توجد صورة لوالدي لوكسلي ، وكانا قد توفيا. أحب لوكسلي هذه الصورة كثيرا ، وأخبرني أنه بوجود هذه الصورة فإنه يشعر بأن والديه لا يزالان حيين معه. بعد انتهاء حفلة رأس السنة ذهبت ولوكسلي لزيارة عمي لبضعة أيام. بدأ لوكسلي صامتا خلال الرحلة، فاعتقدت انه ربما أراد أن يبقى مع زوجته وأولاده. بعد انتهاء الإجازة ، عدنا معا إلى لندن في الصباح الباكر لاستئناف أعمالنا. أثناء رحلة العودة، بدأ عليه القلق ، ولكنه لم يخبرني عن السبب. في اليوم التالي وصلني خبر سيئ بأن صديقي قد دخل السجن لاختلاسه أموال الشركة. لم أصدق ذلك، كنت واثقا من أمانته. قررت بعدها زيارته على الفور في السجن. في سجن تحدثت معه ، فأخبرني القصة، وهذه هي « في ليلة عيد رأس السنة، ذهبت إلى أحد زبائن الشركة وكان يدعى جون روجرز، وطلبت منه أن يسدد فاتورته، كان من عادته أن يتأخر في سداد ما عليه من مال للشركة، أردت أن أحصل على المال قبل إجازة رأس السنة. أعطاني شيكا ، وعلى الفور توجهت إلى البنك كي اصرفه، وهذا ما حدث بالفعل ، ولكن كان الوقت متأخرا للذهاب إلى الشركة لتسليم المبلغ، لذلك قررت أن أبقي المبلغ في بيتي حتى انتهاء الإجازة. وضعت المبلغ في جيبي وعدت إلى البيت. في نفس تلك الليلة التي ذهبنا فيها لزيارة عمك ، لم أعثر على النقود في جيبي ، وسبب لي ذلك قلقا كبيرا، فبحث عنها في جميع أرجاء المنزل ، ولكن دون جدوى. كنت أخشى الذهاب إلى عملي. بعد عودتنا من إجازتنا ، ذهبت إلى العمل وأخبرت رئيسي بالقصة ، فلم يقتنع بكلامي ، و تساءل لماذا لم أحضر مباشرة إلى الشركة فور علمي بضياع المبلغ، في الواقع لم يصدق كلامي ،بل واتهمني بسرقة المبلغ». بعدها أتت زوجته مارثا وارتمت بين أحضانه وهي تجهش بالبكاء الحار ، تأثرت كثيرا لذلك، بعد ذلك أخبرنا حارس السجن بانتهاء فترة الزيارة ، أخذتها معي إلى منزلها وكانت بحالة يرثى لها ولم تتوقف عن النحيب ، وقد أتت والدتها لتقيم عندها في المنزل حتى تخفف عنها وزر تلك المحنة. كانت الخادمة سوزان حزينة لما حدث ، وكانت دائما حاضرة للمساعدة، بل أنها كانت تنتحب أكثر من مارثا. كنت حريصا على زيارتهم يوميا حتى أطمئن عليهم ، وفي أحد الأيام رأيت مارثا مضطربة جدا. فسألتها «ما الأمر يا مارثا؟» ، ردت « قد لا تصدق ما أقوله لك ولكنها الحقيقية، ففي البارحة رأيت شبح زوجي» ، اندهشت كثيرا لما قالته وقلت لها «ولكن يا مارثا أنت تعلمين أن الأشباح - إن وجدت - فإنها تخص الموتى فقط ، و زوجك لم يمت، هو فقط في السجن». ردت علي قائلة «أعرف ذلك، ولكن البارحة وفي منتصف الليل، بينما كنت في الصالة ، لأنني لم أستطع النوم كالمعتاد ، كنت أتفكر في مشكلتنا ، فجأة رأيت جيمس يدخل الغرفة دون أن يحدث أي صوت ، فجلس على كرسيه المفضل وأخذ يتطلع إلى صورة والديه المعلقة لبرهة من الوقت دون أن يتكلم معي، بعدها نهض و نظر إلي نظرة كلها حب ومن ثم خرج من الغرفة» ، قلت لها «ربما كنت نصف نائمة وحلمت بذلك» ، ولكنها أكدت لي صحة ما تقول ورفضت تفسيري لحكايتها. كانت سوزان معنا وتستمع للحوار الدائر بيننا وبدت خائفة، عندها سألت سيدتها «هل تحدثت مع الشبح يا سيدتي؟ هل أخبرك شيئا ما؟» فردت مارثا «لا، يا سوزان. لقد أخبرتك كل شيء من قبل».غادرت المنزل وكنت شديد القلق على مارثا، لأن حالتها بدأت تزداد سواء يوما بعد يوم، ففكرت في أن استدعي طبيبا، ولكنني ارتأيت أن انتظر كي أرى ما سيحدث. في التالي زرت مارثا ورأيتها هذا المرة أكثر اضطرابا. صرخت في وجهي قائلة «لقد عاد ثانية، هذه المرة وقف مواجها صورة والديه واخذ يشير إليها بإصبعه، بعدها التفت إلى وأشار ثانية إلى الصورة ، ركضت مسرعة نحوه لكنه اختفى فارتطمت بالجدار. أضنه كان يريد إخباري عن شيئا ما خلف هذا الصورة. أرجوك، هل لك أن تنزلها كي نرى ماذا يوجد خلفها». كانت الصورة مرتفعة جدا ، فطلبت سلما كي أصعد عليه، فناديت سوزان لتحضر لي السلم. ردت سوزان قائلة «سلم!! لماذا؟» ، عندما أخبرتها السبب ، امتقع وجهها وقالت بسرعة «لا يوجد هنا أي سلم» ، فأخبرتها مصرا «ولكني متأكد من أنني رأيت واحدا بجانب باب المطبخ، ولكن لا تهتمي ،يمكنني أن أتصرف».لم تغادر سوزان الغرفة وظلت تراقبني عندما أحضرت كرسيا وصعدت عليه و أمسكت بالصورة من على الحائط وقمت بإنزالها. فجأة صرخت سوزان قائلة «إنني أنا الفاعلة يا سيدة لوكسلي، أعرف لماذا حضر الشبح، إن النقود خلف الصورة. لقد خبأتها هناك» وعندها انفجرت باكية بعد أن هدأت قليلا ، أخبرتنا الحقيقة فقالت «حدث هذا ليلة عيد الميلاد، عندما حضر السيد لوكسلي متأخرا قليلا وكنت خلفه عندما كان يصعد صوب غرفته، في هذه الأثناء وبينما أخرج منديلا من جيبه وقعت النقود على الأرض من خلفه ولم يشعر بذلك ، فأخذتها أنا ، لقد كان مبلغا ضخما لم أرى مثله في حياتي. لم استطع مقاومة إغراء النقود وكنت أخشى أن يجدها أي شخص بحوزتي أو في غرفتي لذا قررت إخفائها خلف هذه الصورة. أوه أرجوك يا سيدة لوكسلي لا تبلغي الشرطة بذلك، أتوسل إليك». بمجرد أن أخبرت سوزان الشرطة بالحقيقة ، أفرجت الشرطة عن صديقي لوكسلي وقدمت له الشركة اعتذارا رسميا حول اتهامها له، بعدها غادر صديقي إلى استراليا وعاش بسعادة هناك مع عائلته. [c1] كلية التربية/ صبر/ قسم اللغة الإنكليزية [/c]