أمين عبدالله إبراهيملعل معظمنا قد سمع عن مقولة لا تزال تتردد على الألسنة هنا وهناك ما بين فترة وأخرى وخاصة أثناء الحوارات والنقاشات وتبادل أطراف الحديث بين شخصين أو أكثر حول قضايا التنمية الاجتماعية والاقتصادية وعلاقتها بأمن واستقرار السكان وحياتهم المعيشية«مفادها أن الأمن والأمان قبل الإيمان»أي أن الإيمان لا يمكن له أن يكتمل أو يتحقق بشكل تام ما لم يتوافر الأمن والأمان بين جميع أفراد وشعوب العالم،كما لا يمكن للعالم أن يحقق السلام الحقيقي أبداً إلا إذا توافر للناس الأمن في حياتهم اليومية.ولا يقتصر الأمن هنا فقط على أمن الأراضي والحدود من العدوان الخارجي بل على أمن الناس بالدرجة الأولى،الأمن الذي يوفره تحقق التنمية البشرية والمقصود به هنا الأمن من تهديدات الجوع والمرض والجريمة والقمع المستمر،بمعنى أدق الحماية من حدوث اختلالات مفاجئة ومؤلمة في نمط حياتنا اليومية،سواء كانت في بيوتنا أو أعمالنا أو مجتمعاتنا.وبحسب خبراء الاقتصاد والتنمية البشرية،فإن الأمن البشري من منظور التنمية البشرية يعني أن يكون باستطاعة الناس ممارسة اختياراتهم بحرية وأمان،وأن يكون بوسعهم الثقة نسبياً بأن الفرص المتاحة لهم اليوم لن تصبح في الغد ويركز مفهوم الأمن هنا على ضرورة أن يكون الناس قادرين على رعاية أنفسهم،إذ ينبغي أن تكون لدى جميع الناس فرصة لتلبية احتياجاتهم الأساسية وكسب عيشهم ما يساعد على تأمين قدراتهم للإسهام على نحو كامل في التنمية،فالأمن البشري عنصر حيوي من عناصر التنمية البشرية القائمة على المشاركة،كما أن محوره الناس ويتعلق بالكيفية التي يحيا بها الناس في مجتمع مع حريتهم وبمدى حريتهم في ممارسة خياراتهم ومدى وصولهم إلى فرص السوق والفرص الاجتماعية،وبالتالي فإن الارتباط بين واقع تحقيق التنمية البشرية وتحقيق الأمن البشري ضرورة حيوية،حيث أن التقدم في أحدهما يعزز فرص إحراز التقدم في المجال الآخر،وفشل التنمية البشرية أو محدوديتها يؤدي إلى تراكمات من الحرمان البشري قد تأخذ شكل الفقر أو الجوع أو المرض أو تفاوتات مستمرة(فوارق طبقية) بين المجتمعات والأسر والأفراد أو تفاوتات مستمرة في الوصول إلى الفرص الاقتصادية.لذا،وبناءً على تلك الرؤية فقد تم التركيز وفقاً لتحليلات خبراء الاقتصاد والتنمية- على قائمة التهديدات التي يمكن لها أن تمنع تحقيق الأمن البشري والتي تنعكس بدورها بشكل سلبي على التنمية البشرية،وتتمثل أهم هذه التهديدات في جوانب الأمن الاقتصادي والغذائي والصحي والبيئي والشخصي والمجتمعي،حيث يتطلب الأمن الاقتصادي وجود دخل أساسي مضمون يتم الحصول عليه عادةً من عمل منتج أو من شبكة ضمان ممولة من الحكومة،أما الأمن الغذائي فيعني أن يكون لجميع الناس وفي جميع الأوقات إمكانيات مادية للحصول على الغذاء الأساسي،وهذا يعني حقهم في الحصول على الغذاء،إما عن طريق الزراعة بأنفسهم أو شرائه أو الاستفادة من نظام داعم لتوزيع الأغذية،باعتبار أن توفر الغذاء شرط ضروري لتحقيق الأمن الذي يطلبه الجميع إلا أنه غير كافٍ،إذ يتضور الناس جوعاً حتى عندما يكون هناك فائض كافٍ من الغذاء،فالمشكلة هنا تكمن في سوء توزيع الأغذية ونقص القدرة الشرائية،علماً أن هناك أكثر من مليار نسمة في العالم يعانون من الجوع.أما الأمن الصحي فيتمثل في توفير الرعاية والتأمين الصحي لكافة الناس،حيث أن تهديدات الأمن الصحي تعتبر أكثر خطورة على الناس الأشد فقراً ولا سيما الأطفال والنساء والذين يعيشون في الريف،وفيما يتعلق بالأمن البيئي الذي يعتمد على وجود بيئة طبيعية صحية،نجد أنه مع الاستنزاف الحالي للموارد الطبيعية فإن هذه البيئة الصحية لن تبقى كذلك،وذلك بسبب النمو السكاني السريع والذي أجهد الأرض بشكل كبير جداً لا يحتمل تأثيره،حيث أدى هذا النمو إلىانتقال السكان للعيش في أراض جديدة لا تصلح للسكن كما أن التصنيع المكثف قد سبب تلوثاً كبيراً،وعليه فإن الحل يكمن في تحقيق التنمية البشرية التي تحد من الاستنزاف البيئي.أما فيما يخص الأمن الشخصي فيشير الخبراء إلى أن ذلك يمثل الجانب الحيوي الأكثر أهمية بالنسبة للناس لأنه يحميهم من العنف الجسدي والنفسي حيث تتعرض حياة الأفراد في الأمم الغنية والفقيرة على السواء للعنف المفاجئ،وتأخذ هذه التهديدات أشكالاً متعددة كانتشار الجرائم والعنف في الشوارع والعنف المنزلي ضد المرأة والاغتصاب وتهديدات ضد الأطفال وتهديدات النفس كالانتحار واستعمال المخدرات والكحول وغيرها من التهديدات الأخرى التي تتسبب في حدوث خسائر اقتصادية كبيرة للدولة والمجتمع قد تصل إلى ملايين أو مليارات الدولارات.في حين أن الأمن المجتمعي والأمن السياسي من وجهة نظر خبراء الاقتصاد والتنمية يشكلان جزءاً آخر من الأمن البشري،حيث يكون بمقدور الناس أن يعيشوا في مجتمع يحترم ما لهم من حقوق ويعتبر الحق في التصويت مقدس كما هو الحق في الغذاء.وهكذا فإن مكونات الأمن البشري مترابطة ويتوقف كل منهما على الآخر،فعندما يتعرض أمن الناس للخطر في مكان ما في العالم فمن المرجح أن تتأثر بذلك كل الدول،فالمرض والتلوث والإرهاب والتفكك الاجتماعي كلها لم تعد أحداثاً منعزلة أو محصورة في نطاق الحدود الوطنية إذ أن عواقبها تنتقل عبر العالم،وهذا يعني أنه لتحقيق الأمن البشري لابد من اتخاذ مجموعة من الخطوات المرتبطة بتحقيق التنمية البشرية وهي الحد من النمو السكاني حيث لا ضابط له وهذا يؤثر في الضغط على الموارد البيئية وعلى زيادة العمال بدون فرص عمل متوفرة،الحاجة لتأمين قاعدة عريضة للنمو الاقتصادي بحيث تستفيد منها جميع شرائح المجتمع وتتيح إمكانية المشاركة للجميع،تقليل التفاوتات في الفرص الاقتصادية،وأخيراً الوقاية المبكرة من الأخطار والتهديدات المحتملة.
الأمن البشري والتنمية
أخبار متعلقة