أضواء
عبد العزيز العليإن المتتبع للفتاوى المتعلقة بقضايا المرأة وشؤونها الحياتية والاجتماعية الصادرة من كبار العلماء ومن طلبة العلم يلحظ أنها وفي الغالب تنطلق من أحد ثلاث منطلقات رئيسية في تحريم الكثير من الأمور المتعلقة بالمرأة، وهذه الثلاثية تلاحق وترافق المرأة في كثير من الأحوال بل ولابد أن تصطدم بها, وهذه المنطلقات بالمفهوم الذي سنتداوله قد أصبحت عائقا حقيقيا في حياة المرأة ووسيلة لتحريم الكثير مما أباحه الله تعالى، وأيما امرأة خرجت من إحدى تلك الدوائر الثلاث ولم تمتثل لها فقد عرضت نفسها للتأثيم ولمخالفة دين الله في منظور أولئك المفتين!!وسأتحدث في هذه المقالة عن واحد من ذلك الثالوث المحرم «بتشديد الراء المكسورة» المستقى من فتاوى علمائنا الكرام تاركا الحديث عن البقية لمقالات قادمة. أول تلك المنطلقات التحريمية لكثير من التصرفات الطبيعية للمرأة في مجتمعاتنا هي قضية التشبه بالغرب الكافر، وذلك من خلال إطلاق عدد كبير من فتاوى التحريم للزي الفلاني أو الهيئة أو الطريقة الفلانية بحجة التشبه بالغرب والكفار وأن من فعلت ذلك فقد ارتكبت منكرا وإثما وأن عليها التوبة والاستغفار وذلك استنادا منهم لفهم حديث النبي عليه الصلاة والسلام «من تشبه بقوم فهو منهم» وغيره من أحاديث النهي عن التشبه، ولقد أصدرت اللجنة الدائمة للإفتاء وأصدر كذلك كبار العلماء كالشيخ صالح الفوزان والشيخ عبدالله بن جبرين العديد من الفتاوى التي تحرم الكثير من الأمور الحياتية الطبيعية بالنسبة للمرأة بحجة التشبه بالكفار ولعلي أسوق بعض الأمثلة التي حرمت على المرأة أمورا عديدة بحجة التشبه ومن ذلك لبس التنورة وجمع شعر الرأس إلى فوق أو جمعه للخلف أو فرق شعر الرأس واستخدام المكاييج والمساحيق العصرية وتغيير لون الشعر ولبس البنطال والكاب وقصات الشعر ودبلة الخطوبة وفتح محلات الكوافير النسائية ولبس القلادة التي وضع اسم الله عليها وتطويل الأظافر وغير ذلك من الأمثلة الموجودة في كتب الفتاوى المتعلقة بالمرأة, بل إنه ومع تطور واستحداث الموضات ووسائل التجمل والأناقة والهيئات ونحو ذلك فلقد تصدى طلبة العلم لها بتحريمها لجهل الكبار بها ومن ذلك أن ألقى أحد المشايخ وهو أكاديمي يحمل شهادة علمية مرموقة وله باع واسع في تدريس العلوم الشرعية محاضرة خاصة لمدة ساعة ونصف عن التشبه وذكر فيها من الصور التي تحرم على المرأة «وضع الرموش الصناعية ووضع الأظافر الصناعية والرسم على الظهر أو البطن والنقش على العضد أو الكتف على شكل تنين تقليدا للمطربة الشهيرة مادونا وقصة المطربة شاكيرا ولباس الزفاف بهيئته المشهورة ولبس اللون الأبيض في الزفاف ووضع التاج على الرأس ..الخ» حتى أصبحت قضية التشبه تشكل هاجسا مخيفا جعلهم يحرصون على تتبع كل صغيرة وكبيرة, ولا أخفي القارئ أنه ومن شدة ذلك الهوس أن أحد العلماء الذين عاشوا سنين في هذا البلد سئل عن خروج النساء وهن يحملن حقائب في أيديهن فأجاب «أن ذلك من التشبه بأعداء الإسلام وان من تشبه بقوم فهو منهم»!!إن مثل ذلك التوسع المقيت في تحريم الكثير من المباحات على المرأة بحجة التشبه بالغرب الكافر إنما جاء من خلل كبير في ضابط التشبه الذي نهى عنه النبي عليه السلام, فالنبي لم يضع ضابطا محددا بل المتتبع لسيرته وحياة الصحابة من بعده يدرك من خلال ذلك أن الذي نهينا عنه إنما هو ماكان من خصائصهم الدينية الخالصة وذلك مثل لبس الصليب أو ماكان شعارا لدينهم خصوصا أن مثل ذلك التوجيه النبوي يتناسب مع تلك المرحلة في التحذير من تقليد الكفار فالإسلام لم ينتشر في ذلك الوقت كما انتشر في وقتنا فانتفى بذلك ماكان يخشى منه من التشبه بهم بعد ذلك. ومع ذلك فقد كان النبي يلبس ألبسة الكفار فقد ثبت انه كان له جبة كسروانية يلبسها أي نسبة لكسرى, وكذلك لبس جبة رومية ولم ينه عن ذلك. وقال العلامة السيد محمد رشيد رضا معلقا على ذلك «بأن النبي لبس ماكان من أزياء الروم والمجوس وذلك يدل على أن الإسلام لم يفرض عليهم زيا معينا أو حرم عليهم زيا ما» الفتاوى 3/866 وفي السياق نفسه فقد قال شيخ الأزهر في زمانه الشيخ محمود شلتوت «بأن مشابهة المخالفين فيما تجري به العادات والأعراف فلاكراهة فيه ولاحرمة» الفتاوى229 . إن مثل هذه الأزمة التحريمية من قبل المفتين خصوصا مايتعلق بالمرأة إنما جاء من جراء نظرتهم المتشددة تجاه المرأة لذلك عندما يسأل أحدهم عن مثل هذه القضايا تجده يصف المرأة التي تقع في ذلك بالافتتان والتأثر بالغرب وبضعف الإيمان وفقدان الهوية الإسلامية والموالاة والتعظيم لهم والأمر كله لا يعدو كون تلك المرأة على سبيل المثال رغبت بالتجمل بآخر الموضات وهو أمر يتعلق بجمالها الجسدي وحتى لو تشبهت بأزيائهم وهيئاتهم فهل يعني أنها بمجرد فعل ذلك سيكون سببا في خروجها من الاسلام إلى الكفر!!إنني بقدر عتبي على تلك الفتاوى فإنني اعتب على كثير من النساء في مجتمعنا والذين اعتادوا على إقحام الدين حتى في صغائر الأمور الحياتية ولذلك نلاحظ أن معظم المتصلين على برامج الفتاوى في القنوات الفضائية هم فئة النساء الذين يسألون عن كثير من تلك التفاصيل المباحة والتي لم يحرمها الإسلام والتي أصبحت تتكرر في كل برنامج للفتاوى حتى أصبحت لغة السؤال لدى الكثير منهن بالاستفهام هل العمل الفلاني أو اللبس الفلاني حلال أو جائز ؟! وذلك بسبب ثقافة دينية تجاوزت أن الأصل في الأشياء والعادات الإباحة والطارئ عليها هو التحريم ليصبح الطارئ وهو التحريم أصلا راسخا والإباحة أمرا طارئا في شؤونهم الحياتية، وكم كنت أتمنى أن اسمع في يوم ما من النسوة المتصلات على تلك البرامج أسئلة حول القضايا المصيرية التي تتعلق بهن في المجتمع والتي تزداد يوما بعد يوم. وللحديث صلة..[c1]عن «العربية.نت»[/c]