عندما يكشف الأمير نايف ـ وزير الداخلية السعودي ـ أمام مجلس الشورى، عن أن قوات الأمن أحبطت 180 عملية إرهابية، لو وقع 10% منها، لكانت كارثة، مشدداً على دور العلماء وأهل الفكر والرأي والإعلام في التصدي للإرهاب، لأنه لا يستهدف السلطة وحدها بل الوطن عامة. وعندما ترد الأنباء بوجود 45 سعودياً في فتح الإسلام الإرهابي، قتل منهم 23 شاباً، دفنوا في قبر جماعي، وهناك أكثر من 300 معتقل في سوريا، غير الموجودين في العراق، مقاتلين مع القاعدة أو مسجونين بسبب الإرهاب، وحينما يحذر الشيخ الدكتور محمد الصباح، نائب رئيس مجلس الوزراء الكويتي ووزير الخارجية، بأن (منطقة الخليج ضمن مخطط إرهابي واضح) علينا أن نتساءل مع (مشاري الذايدي): من الذي أرسل شبابنا إلى هناك؟ ما الذي دفعهم للقتال في العراق ولبنان؟ ما الذي حشر أنوفهم في تعقيدات لعبة الشطرنج اللبنانية؟ لماذا أصبح الشباب المسلم له هذا الحضور الزائد في حفلات النار الإرهابية في كل مكان؟ ولماذا كان (15) من أصل (19) في اعتداءات سبتمبر من السعوديين؟! أجيبك ـ أخي ـ مشاري، انها فريضة الجهاد (العيني) كما لقنها إياهم مدرسوهم، ودرسوها من خلال المناهج، وحرضهم عليها الخطباء والمشايخ!! فمن نلوم؟! المحرض أم المنفذ؟ وعندما تعلن أوروبا حالة الاستنفار والتأهب وتعلن المطارات الأميركية حالة الطوارئ إثر القبض على خلية متهمة بالتخطيط لعمل إرهابي كبير بلندن، ويكون سبعة من أعضاء الخلية، أطباء مسلمين يعملون ويدرسون هناك، ألا يجب علينا أن نتساءل: ما طبيعة هذا الفكر الذي يجعل طبيباً أقسم على المحافظة على الحياة أن يصبح مخططا لقتل جماعي للأبرياء الذين قدر عددهم بـ (1700) لو نجح المخطط؟! وهل يمكن تصور صورة أسوأ للمسلمين من هذه الصورة؟! وعندما يتمترس ـ 1600 ـ من طلبة المدارس القرآنية، ومعظمهم من النساء، بالمسجد الأحمر في إسلام اباد، بتحريض من الإمام ـ أكبر نصير للقاعدة وطالبان في باكستان ـ الذي يبلغ به الغرور أن يتحدى السلطة فيهدد ويتوعد بالعمليات الانتحارية ويكدس الأسلحة ويحفر الخنادق استعداداً لمواجهة الشرطة ويخطف عدداً من الضباط كرهائن ويمارس إرهاباً بالمدينة فيأمر طلابه بتكسير محلات الموسيقى والأفلام والفيديو بحجة الأمر بالمعروف وترك المنكر ثم يتمادى في بغيه حتى تحاصره قوات الأمن وتضيق عليه الخناق وتحصل المواجهات ويسقط أكثر من 16 قتيلاً وعشرات الجرحى حينئذ ينقلب القائد ويفر تاركاً طلابه وطالباته لمصيرهم غير أنه يسقط في قبضة الأمن ثم يظهر في التلفزيون طالباً من أنصاره الاستسلام! ألا يجدر بنا أن نتساءل: كيف سمحت الحكومة الباكستانية لمثل هذا الإمام أن يسمم عقول التلاميذ والتلميذات ممن تتراوح أعمارهم بين 10 - 20 سنة ويبلغ عددهم 5 آلاف طالب و4 آلاف طالبة ويضللهم بفكرة الجهاد العدواني؟ لماذا تساهلت الحكومة مع تلك المدارس ولم تراقب مناهجها الظلامية المتعصبة؟ كيف نشأت تلك المدارس المتعاطفة مع أفكار القاعدة وطالبان؟ ما مصادر تمويلها؟ وهل للجمعيات الخيرية صلة بها؟ ثم ألا يجب أن نتوجس من خريجي تلك المدارس وهم سيشكلون الاحتياطي الاستراتيجي للقاعدة؟! ثم ألا ينبغي أن يكون للعرب دور في إصلاح وتطوير مناهج تلك المدارس الدينية حتى نحسن الصورة العامة للمسلمين والإسلام فلا نترك تلك المدارس المتعصبة تخرج انتحاريين وانتحاريات مثل كتائب ـ حفصة ـ وهن أصوليات المسجد الأحمر اللاتي لعبن دوراً في اختطاف الصينيات وأحرجن الحكومة؟! ألا يدعونا ذلك إلى مراجعة تلك المناهج والجامعات التي تخرج منها هؤلاء العلماء؟! وهل هم جديرون بعد عملهم هذا بحمل اسم (عالم الدين)؟ بئس ما فعلوه وخاب ما تعلموه! وعندما يعمد ـ فتح الإسلام ـ لتفخيخ جثث القتلى، حتى إذا حملتهم سيارات الإسعاف انفجرت فيهم من أجل المزيد من القتلى، ألا يحق لنا أن نقول كما قال فؤاد الهاشم «آن لإبليس أن يتقاعد فقد تفوق عليه تلامذته من البشر» . ما هو هذا الفكر الظلامي الذي يجمع هؤلاء؟! إنه فكر العدوان وثقافة الكراهية، التي هي القاسم المشترك بين معظم التنظيمات الأصولية السياسية، إنه الفكر الجهادي العدواني المدمر، لكن دعونا نتساءل: لماذا انتشر هذا الفكر العدواني وأصبح له السيادة والاتباع وخلايا تتناسل في كل مكان؟ إن ذلك يرجع إلى عاملين رئيسين: الأول: فشل مناهج ومقررات (التربية الإسلامية) في إرساء مضامين إنسانية وحضارية وتنموية لكافة المفاهيم الدينية السامية مثل (الجهاد) (الأمر بالمعروف وترك المنكر) (التسامح) (كرامة الإنسان)، إضافة إلى تحويل بعض المدرسين المنهج الرسمي لحساب المنهج الظلامي الخفي. اقرأوا ــ إن شئتم ــ هذا النص من كتاب "التربية الإسلامية " في موضوع الجهاد «يجب على المسلمين أن يبلغوا رسالتهم لغيرهم، فإن رفضوا وأصروا على الوقوف في وجه الدعوة ومقاومتها، ورفضوا دفع الجزية إن كانوا يهوداً أو نصارى، وجب قتالهم بعد إعلان الحرب عليهم». الكتاب من تأليف ومراجعة مشايخ كبار ثقات هم رموز الوسطية والاعتدال، يريد سادتنا المشايخ أن نعلن حرباً عالمية على العالم حتى يدفعوا الجزية أو يعتنقوا الإسلام!! إذن كيف لا يتحول طالبنا إلى مجاهد في خدمته؟! الثاني: إخفاق كافة دعاوى وطروحات (دعاة الوسطية والاعتدال) حيث لم تحصن ولم تقو مناعة شبابنا ضد أمراض وفيروسات التطرف والغلو، ولم تحمهم من الانزلاق في أحضان التنظيمات الإرهابية، وذلك بالرغم من هيمنتهم الطويلة لعقود ممتدة على جميع المؤسسات والمراكز والمنابر الدعوية والتعليمية، إضافة إلى احتكارهم للبرامج والدروس الدينية في الفضائيات والمساجد وخطب الجمعة. ماذا كانت المحصلة النهائية لجهود دعاة الوسطية ـ الإسلام السياسي ـ؟ الإخفاق والفشل في كافة الميادين الدعوية والإرشادية والتعليمية. بدليل تنامي الفكر المتطرف الذي تحول إلى نهر جارف يكاد يكتسح العالم الإسلامي ويتجاوزه للجاليات الإسلامية في أوروبا. ولا نجد عند هؤلاء الدعاة غير جواب واحد (لوم الحكومات واتهام أميركا وإسرائيل)، تهرباً من مسؤولياتهم وعجزاً عن إدراك الخلل في طروحاتهم الفكرية وتناقضها وضعف مصداقيتها بحيث أصبحت (الوسطية) شعاراً مجرداً لا مضمون له ولا سلوكيات يتمثلونها.. يتهمون الخارج وكأن هؤلاء الشباب المتطرف ليسوا نبت بيئتنا، نشأوا وتربوا وتعلموا ورضعوا من منابر ومراكز يهيمنون عليها. [c1]* كاتب وأكاديمي قطري[/c]
|
فكر
لماذا أخفقت «الوسطية» وأصبحت «شعاراً»؟
أخبار متعلقة