أضواء
منذ بداية الستينات وحتى أواخر السبعينات، كان سكان مدينة الرياض يشاهدون الأفلام السينمائية بطريقة التأجير. يترددون بكثافة، خلال عطلة نهاية الأسبوع، على حي صغير في شمال المدينة (حي المربع) اشتهر باسم «هوليوود». مجموعة «دكاكين» صغيرة تخصصت في تأجير الافلام السينمائية، ومنذ ان تطأ قدمك عتبة الحي تشعر بأنك في حي «سوهو» في مدينة لندن. ملصقات الافلام الجريئة تغطي الجدران، وصور الممثلاث والراقصات تعلو واجهات المحال، وأصوات الممثلين والممثلات تملأ الاجواء. يقف الزبون، ويقرأ القائمة او يتطلع الى مصلقات الافلام، ويختار الفيلم، ويدفع مبلغاً يرواح بين 70 إلى 120 ريالاً ، تزيد، او تقل. ويضع مبلغاً للتأمين، ويحمل الفيلم الذي لم يمر على الرقابة وآلة العرض ويذهب الى منزله.هدم الحي مع حركة العمران. واختفت الظاهرة في نهاية السبعينات، او قبيل هذا التاريخ. وتوقف بعض الاندية الرياضية عن عرض الافلام السينمائية خلال عطلة نهاية الاسبوع. واصبح الحديث عن السينما جزءا من المحرمات. يوم الثلاثاء الماضي عادت السينما الى مدينة الرياض، وعلى نحو يليق بغيابها الطويل. وشهد عرض اول فيلم في صالة عامة في تاريخ العاصمة السعودية، مواجهات بين المشرفين على العرض وبعض الشباب الذين يحرمون السينما، ويعترضون على السماح بعرض الافلام السينمائية على الناس. موقف هؤلاء الشباب اصبح الحدث الاجتماعي الابرز خلال الايام الثلاثة الماضية. وساهم، الى حد كبير، في تسويق فيلم «مناحي». اللافت ان معظم كتاب الأعمدة في الصحافة السعودية، ربط بين موقف هؤلاء الشباب وظاهرة الارهاب، وطالب بإيقاع اشد العقوبات بهؤلاء الشباب. وكاد ان يجعل الأمر عملية مدبرة من تنظيم «القاعدة». جريدة «الرياض» نشرت امس تفاصيل الاشتباك على موقعها الالكتروني، وزار الخبر اكثر من 450 قارئا سعوديا، منهم 20 في المئة تقريباً، يتعاطفون مع هؤلاء الشباب. والأهم من الاشتباك والفيلم ورأي الكتاب ان بعض القراء استغرب من اسلوب معالجة الصحافة للقضية. كأن لسان حال الناس يقول لبعض المثقفين والصحافيين، اذا كنت تطالب بحرية الفن والاختيار والتعبير، عامل هؤلاء الشباب بالمنطق ذاته، وتذكر ان السينما ظلت غائبة عقودا من الزمن. وحين تصل، وتجد 35 شاباً يعترضون على وصولها، فالقضية لا تحتاج الى رفع السيوف بدلاً من الاقلام.[c1]* صحيفة «الحياة» الطبعة السعودية[/c]