حرفة الأدب والصحافة
المثقف وعلاقته بلقمة العيش هو المدخل لأي حديث مع المعاناة في الغالب من الفقر والعوز، ليس فقط لأن هناك علاقة بين الاشتغال بالأدب والصحافة عامة والحاجة، ولكن أيضاً بسبب سوء الحظ ولهذا السبب وحده علق على ذلك أحد الشعراء قائلاً :مالي خملت وضاع مكتسبـي [c1] *** [/c] هل أدركتنـي حرفـة الأدبوعلى الرغم من مرارة الشاعر، إلا أن الواقع كان فوق ما وصفه من بؤس، وهذا الظرف مشابه للظرف الذي اضطر أبو حيان التوحيدي في أواخر أيامه إلى السؤال على قارعة الطريق مع أنه كان موسوعة عصره.ولأن هناك من الإحباط النفسي الناتج عن قلة الحيلة فقد أكدت الحقائق بأن سقوط الظرف كثير من المقولات والمبادئ كانت من أسباب زوال ( نعم ) كتاب محترفين تحولوا إلى ( خيال ماتا ) أو أشباح إن لم تكن عجلت بوفاتهم، ومن قال إن الضروريات لم تشغل أبداً بال الكاتب، فالجوع يطرح كواقع انطلاقاً من فقر الكاتب وسوء حالته المادية.وربما تكون هناك بعض المواقف التي تكاد تقتله دون أن يدري به أحد فلم يدافع عن بقائه شيء، لهذا السبب يقع كل ما أدركته حرفة الأدب والكتابة فريسة الظروف المثقلة بالغلاء ونقص الموارد.ما يعنيني هنا ويستوقفني لأخوض فيما طرحته صحيفة عربية حين طالعتها وقد كتبت ضمن ما كتبته خبراً قصيراً عن كاتب عربي أضرب عن الطعام، لأنه لم يجد طعاماً يتناوله.وكاتب آخر توفي على مكتبته وقد اضطرته الحاجة أن يبيع كل ما في مكتبته ليدخل المستشفى قبل أن يحاصره المرض.فأي مشهد ثقافي نقارن بين التوحيدي والآخرين أينما كانوا وفي أي زمان سبب فداحة ثمن مواقفهم في إذكاء روح الأمة وإنقاذ هذه الروح حتى في أسوأ الظروف وأحلك الأحوال.وبينما فوضى الآلام تسبق عاصفة الموت عادة ولكنها لا تعتني والدخول من سرداب ذلك المعول إلى القبر، بقدر ما تعني سقوط الفاسد في جرائم لعبة التشويه الخانقة ضد أناس مثله.أعتقد أن عروبتي لن تمنعنا من انتقاد الثقافة في وطني والإشارة إلى سلبياتها، فالمثقف لا يمكن أن يكون ( أوناسيس ) عصره ولهذا نؤكد أن راتبه لن يتحمل وضعه في حالة اللامبالاة وهذا القلق يمتد به من الإيجار إلى أقصى سداد الأقساط المذهلة.ربما لا يعني هذا سقوط المزيد من المثقفين ضحايا للبؤس الذي أصبح سمة لصقت بالأدب والصحافة بل قد تقتل سمة الوفاء للكتابة.إذاً من البديهي أن يشكل الجوع بالنسبة لهم تحدياً يومياً يرتبط بالحالة الافتراسية للعابثين تلك الحالة التي تجرد الإنسان من إنسانيته ليبتلع بشراً مثله لينفي ( قيمته ).أنا مش كافر، بس الجوع كافر، وشو بدي أعمل لك إذا اجتمعوا في كل شيء الكافرين!هذا مطلع أغنية للرحباني فيها شجب لكثير من الظواهر المادية الاستهلاكية التي ترسم بالكلمة مجموعة صور لفظية مدهشة عن أحوال الناس دونما تحديد لمهنة ما، فالشعر يخاطب جميع الناس وكذلك الفن والقصة والمقالة الصحفية ألا يستحق أهلهم التجويع![c1]نهلة عبدالله[/c]