جورج اورويل
ان من الصعوبة بمكان ـ احياناً ـ تحديد نوعية رواية مزرعة الحيوان لجورج أورويل ، أنها رواية خيالية بسيطة الشكل ولكنها عظيمة وعميقة المعنى ، فهي تتحدث عن مجموعة من الحيوانات في مزرعة تابعة لرجل يدعى السيد جونز ، وقد رفضت الحيوانات سيطرته وظلمه لذا قامت بثورة عليه وطردته من مزرعته واخذت زمام الأمور في المزرعة واصبحت ـ أي الحيوانات ـ تحكم نفسها بنفسها بدلاً من حكم بني الإنسان الاوتوقراطي الظالم الذي كان يمثله السيد جونز .نلاحظ في هذه الرواية ان الحيوانات تتكلم مثلها مثل بني البشر كما تتصرف وتعمل مثلها مثل الإنسان ، استولت الخنازير على شؤون المزرعة بعد طرد السيد جونز منها ، وكانت الخنازير تمثل الطبقة الراقية والمثقفة مقارنة ببقية الحيوانات الاخرى ولكن كانت هناك عقبة تتمثل بأن ثقافة اولئك الخنازير لم تكن تتفق مع شخوصهم ومن هنا نشأ التطور الدراماتيكي للرواية ، وعلى عكس بقية الروايات الخيالية الاخرى التي عادة ما تنتهي بنهاية سعيدة فإن هذه الرواية اتخذت منحى آخر .ان رواية مزرعة الحيوان تحكي قصة ثورة ضد الفساد والطغيان ولكن بمجرد أن يصل عناصرها للسلطة يتحولون هم ايضاً لرمز آخر للفساد والطغيان بل والأسوأ من ذلك ينقلبون على المبادئ والشعارات التي رفعوها ويصبحون أشد فساداً وديكتاتورية من النظام السابق الذي قاموا بالانقلاب عليه ، وكلما انغمسوا اكثر وأكثر في السلطة ازدادوا فساداً وطغياناً .كانت هذه الرواية الرمزية انتقاداً واضحاً للثورة البلشفية في روسيا وكانت المزرعة في الرواية ترمز إلى الاتحاد السوفيتي وقد انتقد أورويل في هذه الرواية انحراف الثورة عن مبادئها التي قامت من اجلها واصبح عناصرها انفسهم رمزاً للفساد والدكتاتورية خصوصاً بعد وصولهم للسلطة .كتب اورويل روايته مزرعة الحيوان في نهاية الثلاثينات من القرن الماضي وتم الانتهاء منها عام 1943م أي خلال الحرب العالمية الثانية وقد تم نشرها عام 1945م . في تلك الفترة فكر اورويل بنشر الرواية بنفسه عندما رفضت نشرها كثير من دور النشر البريطانية وكانت حجتهم في ذلك بأن الرواية لم تكن خيالية فحسب ولكنها رواية سياسية رمزية ضد نظام الاتحاد السوفيتي وعلى وجه الخصوص ضد الزعيم جوزيف ستالين ، وكان الاتحاد السوفيتي في تلك الفترة من الحرب العالمية الثانية الحليف الأكبر لقوات الحلفاء وخصوصاً بريطانيا في حربهم ضد هتلر والفاشية في اوروبا ، ولم يكن من الحكمة بمكان نشر الرواية في ذلك الوقت بالذات . وفي مقدمة الرواية قال جورج اورويل (منذ عام 1930م لم ار أي مؤشر بأن نظام الاتحاد السوفيتي كان يسير باتجاه الاشتراكية ، بل على العكس كنت مصدوماً لمؤشرات التحول الخطير الذي طرأ على المجتمع السوفيتي نتيجة لانحراف مسار الثورة ) .ان هذه الرواية رمزية ومترابطة في ثلاثة مستويات : الأول اطارها الخارجي والمتمثل بقصة طرد الحاكم البشري الظالم والقاسي لبني الحيوان واقامة حكومة من الحيوانات التي تحكم نفسها بنفسها ، أما المستوى الثاني فيتمثل في معناها الضمني كدلالة سياسية واضحة للثورة الروسية البلشفية التي قامت ضد عائلة القيصر الحاكمة لروسيا آنذاك والمسماة الرومانوف ، أما المستوى الثالث كان عاماً ويتمثل بالعلاقة المرتبطة بين السلطة والفساد في الشأن الإنساني .لقد اجتهد أورويل كثيراً في ربط روايته مزرعة الحيوان بالاحداث التاريخية فعلى سبيل المثال لا الحصر في بداية الرواية نجده يصور بصورة مذهلة ماجور ذلك الخنزير العجوز وهو يخطب في بقية الحيوانات لكي يبصرهم بحقوقهم التي أهدرها بنو البشر ويدعوهم للتمرد على البشر واقامة مجتمع حيواني مستقل يسوده العدل والمساواة والاشتراكية بين جميع الحيوانات وفي الواقع التاريخي فإن هذه الشخصية تمثل الافكار الاجتماعية والسياسية لمنظر الشيوعية كارل ماركس وتلميذه فلاديمير لينين الذي الهم الشعب بالقيام بثورة 1917م الاشتراكية وقد قاد شخصياً الهجوم ضد القصور الملكية في بطرسبورج التابعة للقيصر ، ولقد عمل الكثير لتثبيت الشيوعية التي من خلالها يعتبر جميع الناس سواسية كما أنها تؤمن تماماً بأن الثورة والملكية وكذا العمل يجب ان يقسم بالعدل والتساوي بين جميع افراد المجتمع . لقد كانت ماجور العجوز في الرواية ورؤيته للمستقبل مطابقة تماماً لافكار لينين ، كما ان جميع افراد المزرعة من حيوانات بعد ايمانهم بافكار ماجور العجوز قاموا بصياغة فكر جديد اسموه ( الحيوانية ) .(Animaism) وهو ما يقابل فكر لينين بما يسمى (الشيوعية ) (Communism).يموت ماجور العجوز في بداية الرواية وهذا يمثل ايضاًُ وفاة لينين المبكر بعد سبع سنوات من عمر الثورة الروسية ، وبعد وفاة ماجور يتولى قيادة المزرعة خنزيران آخران من نفس الفصيلة ، الأول ويدعى نابليون والثاني ويدعى سنوبول ، وسرعان ما يدب الخلاف بينهما ولكن ايضاً سرعان ما يحسم هذا الصراع لصالح نابليون خصوصاً عندما استعان بكلابه الخاصة المدربة لإرهاب سنوبول وكذا أي حيوان آخر يتعاطف معه ، وقام نابليون بطرد سنوبول من المزرعة ، وهذا ماحدث بالضبط على ارض الواقع بعد انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية فقد استعان ستالين ـ وكان يمثله الخنزير نابليون في الرواية ـ بالمخابرات الـ K G P التي كانت تمثلها الكلاب المدربة في الرواية ـ لإرهاب كل من يتعاطف مع تروتسكي ـ وكان يمثله الخنزير سنوبول في الرواية ، وبالفعل استطاع ستالين طرد تروتسكي من روسيا ومن ثم قام بارسال من قام باغتياله فيما بعد ، وهناك الكثير والكثير من الامثلة الاخرى في هذه الرواية التي ترتبط الاحداث فيها بالواقع التاريخي والتي ولاشك ستجذب القارئ من أول سطر في هذه الرواية الرمزية الشهيرة .اذن فرواية مزرعة الحيوان لايمكن اعتبارها رواية خيالية فقط كما يجب التنبيه بأن هذه الرواية التي كتبها أورويل لم تكن نقداً للاشتراكية ولاحتى للشيوعية التي آمن بمبادئها أورويل نفسه ولكنها في الواقع كانت نقداً لاذعاً وهجاءً حاداً ضد الديكتاتورية وكذا ضد انحراف ستالين ونظامه الديكتاتوري عن مبادئ الثورة .